هل العالم بحاجة إلى خطة عمل أكثر جدية وأقوى التزامًا من الأسس التي اتفق عليها في "اتفاق باريس 2015"، بعد أن وضع الاتفاق إطارًا للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحدد مسارا واضحا للسيطرة على زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين، مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة، وتطبيق جاد لاقتصاد منخفض الكربون، وصولا إلى النمو الأخضر.
نعم، ومن المؤكد والضروري ومع تغيرات مناخية حادة فجائية متسارعة، فإن العالم بحاجة إلى خطة عمل جديدة تقود إلى الإفاقة والتفاعل مع حدة المناخ، بعد ثماني سنوات من اتفاق باريس، حيث لم تكن ملامح تغير المناخ تظهر بشكل صارخ، كما ظهرت خلال العامين الماضيين.
استعدادا للدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ "COP 28" المقبلة في دولة الإمارات - دبي "من 30 نوفمبر- 12 ديسمبر 2023"، استعرض خبراء الشبكة العربية للبيئة والتنمية "رائد"، الاثنين الماضي، تحت رعاية د. ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، في"بيت القاهرة" بالفسطاط، الجهود الرسمية والأهلية والإعلامية، وناقش هؤلاء المسارات المعنية بالمناخ واستدامة التنمية، على مدى سلسلة المؤتمرات القممية الماضية، وخاصة التي تحققت خلال المؤتمر الأخير في شرح الشيخ "COP 27"، والاستعداد للمؤتمر المقبل في دبي "COP 28".
المنسق العام لشبكة "رائد" د. عماد الدين عدلي، أوضح أن اللقاء التشاوري، بمشاركة المهندس شريف عبدالرحيم رئيس الإدارة المركزية للتغيرات المناخية بوزارة البيئة، هو الأول ضمن سلسلة لقاءات لحشد وتنسيق جهود المجتمع المدني الوطني والإقليمي، حيث تبدأ الفعاليات في 10 دول عربية هي: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، الأردن، فلسطين، لبنان، العراق، البحرين، وسوريا، بالإضافة إلى مصر، سعيا إلى التوافق على رسائل توافقية محددة بشأن القضايا المهمة على أجندة قمة المناخ.
واستعراض مسار اتفاق باريس، والتحديات والطموحات المناخية، والحصاد الدولي "الجرد العالمي" لتغير المناخ وتمويله، وصندوق الخسائر والأضرار، واللقاء التشاوري الثاني، يقدر له أن يتم في 15 أكتوبر المقبل، ليناقش قضايا الزراعة والتكيف مع التغيرات المناخية.. تضمن اللقاء 3 جلسات عمل، افتتحت بجلسة "مسار تغير المناخ من شرم الشيخ إلى دبي".
ليس جديدا أن تتسلل قضية تمويل المناخ إلى النشاط الاقتصادي لتصبح العنصر الأساسي والحاكم لكل مشروع أو برنامج او خطة معنية بالبيئة أو غير البيئة، لتصبح المحور الأول لمعالجة الشأن البيئي المستدام، فالمناخ وتمويل تغيراته، أصبح المحدد لملامح النشاط الاقتصادي والإنساني كرد فعل على التحولات المناخية وتحدياتها.
وما رصدته قمة شرم الشيخ العام الماضي من ميزانية دولية لتمويل مواجهة تغيرات المناخ "100 مليار دولار"، وإن لم يتحقق كله، إلا أن هذا التمويل يصبح متواضعا أمام تلاحق وتسارع المتغيرات المناخية وتنوعها، حيث يجب على المجتمع الدولي الدخول الى خانة "التريليونات" في القمة المقبلة، لكي يتمكن من مسايرة الظواهر المناخية، والتخفيف من حدتها فضلا عن التكيف معها.
فلم تعد السيناريوهات المناخية المتشائمة، التي توقعها خبراء البيئة وعلماء المناخ، مسألة خيالية بعيدة عن الحدوث والتوقع، بعد أن تجاوزت رسائل المناخ وكوارثه، من أعاصير وسيول وعواصف وحرائق غابات، كافة هذه السيناريوهات والتوقعات، وحدثت بشكل أكثر تشاؤما، لم تنج منها دولة، أو يستثني منها منطقة، أو قارة.
وتصدرت قضية تغير المناخ، اجتماع منتدى قادة العالم في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، 18 سبتمبر 2023، بإطلاق "مبادرة آمنة لإفريقيا والشرق الأوسط"، التي نظمها "المعهد العالمي للنمو الأخضر- GGGI"، وأطلقها رئيسه بان كي مون السكرتير العام السابق للأمم المتحدة.
المبادرة تستهدف إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة 10 مليارات دولار، لتوسيع نطاق الزراعة المقاومة للمناخ وتحويل النظم الغذائية في إفريقيا، لري مليوني هكتار "10 آلاف متر مربع"، في إفريقيا، وتعزيز قدرة 10 ملايين مزارع، للتكيف مع تغير المناخ، ومعالجة الأمن الغذائي في إفريقيا والشرق الأوسط، كما تسعى المبادرة لتوفير مليوني فرصة عمل خضراء.
الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين "COP 28" د. سلطان أحمد الجابر، وضع أجندة الأنظمة الغذائية والزراعة على رأس القضايا النقاشية أمام "قمة دبي العالمية" القادمة، إضافة إلى معالجة التحديات المعنية بتغير المناخ، والنظام الغذائي، من الإنتاج والاستهلاك، واستعراض قدرة النظم الغذائية المرنة على الصمود، والزراعة المستدامة والعمل المناخي، وحشد الاستثمار نحو أنظمة صحية عادلة وقادرة على التكيف مع المناخ، ومعالجة العلاقة بين تغير المناخ والصحة.
وكشفت التقديرات العالمية، أن الخسائر المالية الناتجة عن الأزمات الصحية بسبب تغير المناخ، ستصل إلى ما بين 2 - 4 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2030، وهذا بدوره يزيد نسبة الفقراء، فلا مفر من إعادة التأكيد على زيادة التمويل اللازم للدول النامية لتقليل المخاطر وجذب المزيد من استثمارات القطاع الخاص، والمساهمة في تجديد موارد صندوق المناخ الأخضر.
تقول الأمم المتحدة: "إن كل دولار يوجه للاستثمار في بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، يحقق فائدة تبلغ أربعة دولارات".. ألا يشكل ذلك استثمارا مستداما للمستقبل..
[email protected]