إلى متى الصمت على بيونج يانج؟

1-10-2023 | 12:54

فيما كنت أطالع رسالة مؤثرة، منسوبة لأحد الناجين من جحيم القصف الذري، وهو يوجهها إلى جيل جديد يسمى بـ "خلفاء تراث القنبلة الذرية" بهيروشيما، فوجئت بخبر عاجل، عنوانه: "كوريا الشمالية تدرج سياسة القوة النووية في دستورها"!

في شهر يوليو الماضي، ومع تزايد التهديدات باستخدام السلاح النووي في الحرب الأوكرانية، وفي شبه الجزيرة الكورية، صعد شونئيتشيرو  آراي، البالغ من العمر 91 عاما، على منصة أمام حوالي 50 متدربا يابانيا، وطرح سؤالا وهو في غاية الانفعال، قائلا: "من يستطيع أن يظل صامتا؟ وهل من المقبول أن يحدث هذا؟

في تمام الساعة الثامنة والربع من صباح يوم السادس من أغسطس عام 1945، أسقطت مقاتلة أمريكية قنبلة ذرية فوق مدينة هيروشيما اليابانية، مما أسفر عن مقتل حوالي 140 ألف شخص. كان آراي، وقتها، واقفا على رصيف محطة القطار، ويصف ما رآه-حينذاك- قائلا: "رأيت وميضا ساطعا، احترقت سماء هيروشيما سريعا، كانت تحترق بألوان عديدة ومختلفة، منها الأخضر والأرجواني والأزرق".

يواصل الناجي الياباني المعمر قائلا: "عندما بدا أن اللهب قد حل فوق رأسي، شعرت وكأنني قد ضربت من الرأس وحتى أخمص القدمين، سمعت صوتا مدويا، نظرت للأعلى، لأرى قاذفة B-29، تحلق مبتعدة فوقي مباشرة، رأيت أهوالا تشبه الجحيم، أكثر من نصف الجمر الذي صعدنا عليه وقفزنا فوقه كان بقايا بشرية".

منزل الناجي آراي كان يبعد على بعد حوالي 3 كيلومترات من مركز إسقاط القنبلة الذرية، ولدى وصوله، وجد المنزل محطما، ووالديه في المنتصف وقد انغرست شظايا الزجاج في جسديهما، وأصيبا بجروح خطيرة، لكنهما نجيا. وعندما بلغ عمره الـ ثمانين عاما، شعر أن من واجبه التحدث، وقال: "إذا لم ينقل أحد تجربته المروعة مع جحيم النووي، ستصبح محرقة هيروشيما وناجاساكي كأنها لم تكن".
 
كثيرة هي المآسي الإنسانية الناتجة عن القصف الذري لهيروشيما وناجاساكي، ولا تزال عالقة بالذاكرة، شاهدت –واستمعت- إلى العديد منها خلال مهمتي مراسلا للأهرام بطوكيو (2001-2005)، وعلى مدار عقدين من اهتمامي بالملف الياباني.

يظل توقيت طرح السؤال الذي وجهه الناجي آراي من القصف الذري -هيباكوشا- في غاية الأهمية، ليلفت أنظار العالم إلى مدى خطورة التهديد النووي في الحرب الأوكرانية، وبشبه الجزيرة الكورية: "فهل يمكن قبوله.. وإلى متى الصمت"؟!

في شبه الجزيرة الكورية، بلغت حالة الغليان النووي حدودا غير مسبوقة، الأمر الذي دفع بسفير كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة، كيم سونج، إلى القول، علنا: "الوضع الأمني بشبه الجزيرة الكورية –وحولها- أصبح على شفا حرب نووية".

بحضور الزعيم، كيم جونج أون، وافق مجلس الشعب الأعلى الشمالي على إدراج سياسة القوة النووية في الدستور، وقال كيم: "إنه الإجراء الأكثر عدلا بما يلبي مطالب الحاضر، والمبادئ القانونية والمطالب المستقبلية لبناء الدولة الاشتراكية".

الزعيم كيم تجاهل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها شعبه، مؤكدًا "على التعزيز السريع للقوة النووية، مع زيادة إنتاج الأسلحة النووية، وتنويع وسائل الضرب النووية، وتوزيعها على مختلف القوات العسكرية، وشدد على أنه لن يتخلى عن الأسلحة النووية، وأنه سيبني جبهة دبلوماسية مناهضة لواشنطن".

في الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، وجّه الرئيس الكوري، يون صوك- يول، تحذيرا لبيونج يانج من استخدام أي أسلحة نووية، أو التهديد بشن هجوم نووي استباقي، قائلا: "إن ذلك سيؤدي إلى سحق السلطات بالشطر الشمالي".

في الوقت نفسه، جرى تنظيم أول عرض عسكري منذ 10 سنوات، وسط العاصمة سول، وتم استعراض عدد من الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك صاروخ باليستي عالي القوة، يتجاوز وزن رأسه 8 أطنان، ودبابات من طراز "كي 2"، وقاذفات صواريخ متعددة من طراز "تشون مو"، وصواريخ أرض - جو من طراز "إل-سام"، وطائرات هجومية بدون طيار. 

كما جرى تنظيم مسيرة عسكرية في الشوارع وسط العاصمة، بمشاركة 4 آلاف جندي كوري و300 جندي أمريكي، لإظهار الأساس القوي للتحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

كانت سول تنظم مثل هذا العرض مرة كل خمس سنوات، لكن في عام 2018، اختار الرئيس الكوري الجنوبي السابق إقامة احتفال بدلا من العرض العسكري.

الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفاييل جروسي، انتقد الأنشطة النووية الكورية الشمالية، وقال إنها تمثل انتهاكا واضحا للقرارات الدولية، مشيرا إلى أنشطة الدعم المستمرة التي تجريها بيونج يانج استعدادا لتجربتها النووية السابعة.

دعا جروسي كوريا الشمالية إلى الالتزام التام بقرارات مجلس الأمن (6 قرارات دولية)، والتعاون في تنفيذ اتفاقية الضمانات لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووي.

بدوره، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش دعوته للتخلص من الأسلحة النووية، وقال "إن أي استخدام للسلاح النووي، في أي وقت وأي مكان وضمن أي سياق، من شأنه أن يحدث كارثة إنسانية".

أضاف جوتيريش: "هذه هي الرسالة الخالدة للـ هيباكوشا (الناجون من هيروشيما وناجاساكي)، وقد تعهدت لهم وللعالم ببذل كل ما في وسعي لتوحيد الدول حول ضرورة مسح أسلحة التدمير تلك من على وجه الأرض، وتعزيز نظام نزع الأسلحة النووية بما في ذلك معاهدتا عدم الانتشار وحظر الأسلحة النووية".

في السياق نفسه، أكد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، أسامة عبدالخالق، أن التخلص التام والشامل من الأسلحة النووية -بشكل لا رجعة فيه وقابل للتحقق- يعد الضمانة الوحيدة لتخليص البشرية من هذا التهديد الجاثم على صدر السلم والأمن الدوليين، منذ قرابة ثمانين عاماً.

جددت مصر مطالبتها للدول النووية بالاضطلاع بمسئولياتها في تنفيذ - دونما تأخير- الأهداف والالتزامات المتفق عليها، والتخلص من ترساناتها النووية وفقاً لبرنامج زمني محدد. 

أشار السفير عبدالخالق إلى أنه بالرغم مما تتسم به منطقة الشرق الأوسط من توتر وانعدام للاستقرار، فقد أثبتت الدول العربية حُسن نواياها بالانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والالتزام بتنفيذ تعهداتها في إطارها، إلا أن المنطقة تبقى إحدى أبرز الأمثلة على التحديات التي تواجهها منظومة نزع السلاح وعدم الانتشار، بسبب عدم تحقيق عالمية معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة