طوف وشوف.. أوغندا

1-10-2023 | 13:58

أول ما يرد بخاطري – رغماً عني - عندما أتذكر زياراتي المتكررة لأوغندا هي “الماكاديميا“ Macadamia. كانت بداية اللقاء والتعارف في العاصمة الأوغندية كمبالا حين نصحني بها أحد الزملاء قائلاً جربها ولن تندم.

أخذت بالنصيحة واشتريتها فلما جربت طعمها أصبحت مزاجاً خاصاً. المشكلة أن مقارنة طعم المكاديميا بأي نوع آخر من المسكرات أيًا ما كان تعتبر ظالمة، للمكاديميا شأن آخر فهي قادرة بطعمها الساحر أن تنقلك إلى عالم آخر، لذلك تعودت أن أشتري منها الكثير والكثير إذا زرت أوغندا، بل وأثقل على زملائي لشرائها إذا سافروا، خاصة أن سعرها في أوغندا رخيص للغاية؛ مقارنة بسعرها في مصر الذي كان يتجاوز وقتها – عام 2009 - الألف جنيه للكيلو الواحد.

الماكاديميا هي نوع من المكسرات غالية الثمن مقارنةً مع غيرها من أنواع المكسرات التي نعرفها. معلوماتي أن موطن زراعتها الأصلي هو أستراليا؛ حيث يطلقون عليها اسم البندق الأسترالي، لكنني عرفتها وعشقت طعمها خلال زيارتي لأوغندا وارتبط اسمها بأي زيارة لي لأوغندا.

تقع دولة أوغندا بأكملها في حوض نهر النيل وبها بحيرة فكتوريا الشهيرة، ليس معنى ذلك أنها تقع في داخل النهر وتحاط بالمياه، كما قد يتصور البعض، حيث إن المقصود بالحوض – ببساطة - كل المناطق الأرضية التي تسقط عليها أمطار وتصل إلى البحيرة لتغذيها بشكل أو بآخر. وحيث إن كل أراضي أوغندا ينطبق عليها ذلك الوصف فهى تقع بأكلمها فى حوض النيل. يلقي ذلك بآثاره وبشكل واضح على طبيعة التربة الأوغندية التي تعتبر من أخصب الترب الزراعية، لون التراب يميل إلى الحمرة بشكل عجيب.

ترى ارتفاع الأشجار فتنبهر، لكن احذر فلن تتردد الشمس في خطف بصرك إذا حاولت الوصول إلى نهاية الشجرة بعينك. ترى حجم ثمار الفاكهة فتتعجب، وكم ضحكنا أنا وزملائي في أول زيارة عندما شاهدنا ثمار الموز والأناناس والمانجو بأحجامها العجيبة وتذكرنا على الفور فيلم "لعبة الست" عندما أشارت ماري منيب إلى المشمش، وقال إنها وجدته في لبنان بحجم البرتقالة. كان الوضع كذلك أمام عيوننا. ثمرة الموز كبيرة بحيث لا تتمكن من التهامها كاملة. الموز هناك أكلناه كفاكهة وأيضًا مقلي ومسلوق ومهروس كالبطاطس. 

ثمار الأناناس كبيرة؛ بحيث لم أتمكن في أي زيارة من شراء أكثر من أربعة ثمار حتى لا أتجاوز الوزن المسموح، رغم أن السعر كان رخيصاً ومغرياً للغاية مقارنة بالسعر عندنا. كان سعر الثمرة الواحدة في مصر وقتها يتجاوز الثلاثين جنيهاً، في حين كنت أشتريها من أوغندا بما يعادل جنيهًا ونصف الجنيه؛ سواء من السوبر ماركت أو من الفلاحين على الطريق أثناء تنقلنا. ناهيك عن الطعم الطازج الرهيب؛ حيث نشتريها خضراء ثم نلفها بأوراق الجرائد بعد عودتنا إلى مصر حتى تنضج. 

كان من حسن حظي أن يكون مقر إقامتي خلال زياراتي إلى أوغندا هو منتجع "مونيونيو Munyonyo"، وما أدراك ما هو منتجع مونيونيو الذي يقع مباشرة على شاطئ بحيرة فكتوريا، يقيناً أقول إن الكلمات يمكن أن تسعف المرء في وصف المشاعر والمواقف الإنسانية، لكنها تتضاءل أمام وصف روعة وجمال الطبيعة الذي لا يصدق، فلا تملك أمامه إلا أن تقر وتعترف بقدرة وإبداع الخالق سبحانه وتعالى، لذلك أنصح القارئ العزيز بمشاهدة صور ذلك المنتجع على الإنترنت ليمتع عينيه بتلك الطبيعة الساحرة.

رغم كل ما تمتلكه أوغندا من خيرات وموارد طبيعية إلا أن مظاهر الفقر لا تخفى عن العين فهي من الدول المصنفة ضمن أفقر الدول، لا لشيء في رأيي إلا سوء إدارة الموارد المتاحة. أتذكر أنني كنت أحضر أحد المؤتمرات الدولية في كمبالا، وأثناء وقت الراحة جلس بجواري أحد المشاركين الأوغنديين، وسألني ما كل تلك المشكلات المائية التي يتحدثون عنها؟ قلت له: نعم مشكلات المياه أصبحت حديث الساعة. قال لي الحقيقة نحن هنا لا نشعر بذلك فالأمطار تهطل بغزارة تسقي الأرض وينمو الزرع دون جهد كبير. ابتسمت وقلت له أعلم ذلك يا عزيزي، أنتم تمتلكون ثروة مائية ضخمة ربما تحتاج منكم إلى إدارة أفضل.

كانت إحدى زياراتي في شهر رمضان الكريم، ودعانا زميلنا المهندس المقيم في أوغندا إلى تناول الإفطار في استراحته. لفت نظري وجود طائر كبير يتجول في حديقة الاستراحة، وسألته عنه فقال إن هذا الطائر يسمى القمام أو المنظف أو الزبال، كما يطلقون عليه هناك، وأن الناس تحبه وتقدر فائدته الكبيرة لهم؛ لأنه يتغذى على الكائنات الميتة وبالتالي يقوم بتنظيف البيئة والحفاظ عليها.

بعد الإفطار طلبنا من زميلنا أن يصحبنا لكي نصلي التراويح في المسجد، وبالفعل اصطحبنا إلى وسط المدينة لنشاهد مسجداً فخماً تم تشييده على أحد التلال في كمبالا القديمة، يشبه في موقعه مسجد محمد علي في مصر الذي يمكن أن تراه من مسافة بعيدة، وعندما وصلنا أخبرنا أن معمر القذافي هو الذي شيده؛ ولذلك يطلقون عليه مسجد القذافي الوطني أو مسجد كمبالا الوطني. كان موقع المسجد وتصميمه المعماري يجعلان منه علامة بارزة في المدينة يراها ويعجب بها أي شخص. 

وكعادة زملائنا في السلك الدبلوماسي، جاءتنا الدعوة لتناول الإفطار في منزل السفير المصري، وكان اللقاء مع طعام أعشقه بجنون "الكوردون بلو" أو صدور اللحم الملفوف المحشو بالجبن والخضراوات.

كلمات البحث