سادت حالة من الجدل فى الأوساط والدوائر الثقافية حول المذكرة، التى أصدرها مجمع اللغة العربية الأسبوع الماضي، بخصوص كلمة «تريند» حيث تم تسجيل الكلمة فى المعجم كما هي، وانقسم اللغويون بين مؤيد ومعارض.
موضوعات مقترحة
ولمعرفة تفاصيل الأمر، كان لنا هذا الحوار مع د. محمد العبد – أستاذ العلوم اللغوية فى كلية الألسن جامعة عين شمس وعضو لجنة الألفاظ والأساليب بمجمع اللغة العربية - الذى صرح لنا بأن لجنة «المعجم الوجيز» تعمل منذ عام ونصف العام، والآن وصلت إلى حرف «الراء» وهى تعمل على تحرير هذا المعجم، الذى مر على إصداره أكثر من أربعين عاما، وهناك تحديثات ومفردات وصيغ جديدة، لتكون مواكبة للعصر، ملبية احتياجات الدارسين فى هذه المرحلة، إضافة إلى أن المجمع يعمل بهمة ونشاط على المعجم الوسيط والمعجم الكبير.
< هناك جدل يدور حول بيان مجمع اللغة العربية بشأن كلمتى «تريند»، و«ترويقة» واختلاف ما بين مؤيد ومعارض، ماذا عن تفاصيل هذا الأمر؟
كلمة «تريند» من الكلمات الشهيرة جدا على منصات التواصل الاجتماعى فى هذه الفترة، كان الموقف بالنسبة للجنة الألفاظ والأساليب صعبا، لأن التعامل مع مثل هذه الكلمات يجب أن يكون بحذر، الناس يتوقعون - فيما يبدو - من خلال الجدل الدائر حول الكلمة، أن يجدوا فى اللغة العربية متسعا، بحيث يكون هناك لفظ عربي، يؤدى معنى «تريند» فى الإنجليزية، هذا الأمر لم يكن خافيا على الزميل الذى كتب المذكرة، وعرضها على لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع، والتى انتهت إلى أن الكلمات المكافئة لكلمة «تريند» لا تستطيع أن تؤدى المعنى تماما، وبدقة لو افترضنا أن أحدا من الناس يقترح كلمة «متداول» وجد أن كلمة متداول مشغولة بمعان أخرى، مثلا فى سوق المال الأسعار المتداولة، والأسهم المتداولة، وعملية التداول فى البورصة، ثم نظر فى كلمة «رائج» وهى من الكلمات المقترحة، أيضا لتكون مقابلا لكلمة «تريند»، فوجد أنها مشغولة أيضا، لأنها تستعمل مع كلمات، مثل بضاعة وسوق رائجة.
لم يكن أمام الزميل إلا أن يقر هذه الكلمة بوضعها عن طريق التعريب، والتعريب - كما هو معلوم - نقل الكلمة الأجنبية بلفظها إلى العربية، قد يحدث مع بعض الكلمات المعربة، أن يتغير حرف، أو أن تتغير حركة، لكن هذه الكلمة لم تكن بحاجة إلى أن يتغير فيها شيء، لا حرف ولا حركة، لأن الكلمة بحكم بنيتها قصيرة، وجارية على الألسنة، وكان اقتراحه أنه طالما هذه الكلمة منتشرة بين الناس وجارية على ألسنة العامة والخاصة، فما الداعى لأن نوجد مقابلا عربيا لها، يبتعد لفظا ومعنى عن هذه الكلمة، إذن سيكون التعريب هو الطريق، لإدخال هذه الكلمة إلى العربية.
< ماذا عن كلمة «ترويقة»؟
طبعا كلمة «تريند» التى تحدثنا عنها، تمثل فئة من الكلمات الأجنبية، التى تدخل إلى اللغة العربية، عن طريق التعليم، لكن كلمتى «ترويقة» و«تعسيلة» وغير ذلك من الكلمات، تمثل فئة أخرى هى فئة الكلمات التى تستعمل بين الناس استعمالا واسعا، وربما يقول أحد إن كلمة «ترويقة» لا تستخدم فى مصر، لكن مجمع اللغة العربية لا يدرس لهجات مصر، هو مجمع للغة العربية الفصحى والعامية، سواء كانت فى مصر أم فى غيرها من البلدان العربية، حينما نصدر معجما فإننا نصدره لكل المتحدثين بالعربية، ولا يمثل المعجم اللغوى دولة من الدول، لكنه يمثل الدول العربية المتحدثة باللغة العربية، فكلمة «ترويقة» أصلها فصيح، وفى المجمع مشروع لغوى كبير، يقوم عليه هذا المجمع، منذ سنوات طويلة، اسمه مشروع «تفصيح العامية» والمقصود رد الكلمات، التى يظن أنها كلمات عامية خالصة إلى أصولها الفصيحة، وتعرفين أن نسبة عالية جدا من الألفاظ العامية أصولها فصيحة، لو سجلت عدة مقاطع للمتحدثين بالعامية المصرية، وحاولت تأصيل الألفاظ، التى بنيت عليها هذه المقاطع تفصيلا لغويا، تجدين أن 80% من هذه الألفاظ أصولها عربية فصيحة، وموجودة فى المعاجم العربية القديمة والحديثة، فى هذه الحالة مجمع اللغة العربية، يريد أن ينمى الثروة القومية للغة العربية، ووسيلة من وسائل تنمية الثروة اللفظية للغة العربية، البحث عن هذه الكلمات التى يظن أنها عامية، ورد هذه الكلمات إلى أصولها، ثم يصدر المجمع بها قرارا، هذا القرار يضفى الشرعية اللغوية على هذه الكلمات، ويصبح من حق الناس أن يستعملوا هذه الألفاظ على أنها عربية فصيحة.
< بعد هذا الجدل هل يعاد النظر فى كلمة «تريند»؟
المذكرة التى كتبها أحد الأعضاء درست فى حينها بين أعضاء لجنة الألفاظ والأساليب، لكن الأمر لا يزال معروضا للمناقشة، والمجمع يأتى بالإجابة المناسبة عن هذا السؤال، إما أن يقر التعريب الذى اقترحه صاحب المذكرة، أو يوجد مقابلا عربيا آخر، مازالت المناقشات بين الأعضاء جارية حتى الآن، من الأعضاء من استحسن التعريب، ووافق عليه، وبعض الأعضاء يرون أن الأفضل أن نأتى بكلمة عربية، لا سيما أن اللغة العربية واسعة وغنية بثروتها اللفظية، وسوف تحل هذه المشكلة قريبا بإذن الله، لأن هذه ليست إلا كلمة، وما أكثر الكلمات والأساليب، التى واجهها مجمع اللغة العربية قبل ذلك ودرسها، وأصدر بشأنها قرارات، وطبعت هذه القرارات فى ستة مجلدات موجودة فى مكتبة المجمع، ومتاحة للجمهور فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.
< لماذا غضب البعض من عدم تعريب كلمة «تريند»؟
أتحدث بصفتى عضوا فى لجنة الألفاظ والأساليب من ناحية، وبصفتى عضوا فى مجمع اللغة العربية من ناحية أخرى، لكن فى المجمل الغيرة على اللغة العربية ميزة، وهذه الميزة ينبغى أن نحافظ عليها دائما، لأن غيرة الناس على لغتهم شيء محمود، هذه الغيرة تدفع دائما للبحث عن الأفضل، وأظن أن أعضاء المجمع يتفقون جميعا على ضرورة البحث عن الأفضل، والحلول التى تخدم اللغة العربية، ويرتاح إليها الذوق اللغوى العربى .
< إذن ما الدور المنوط به للجنة الألفاظ والأساليب فى المجمع؟
هناك الكثير من الألفاظ التى عربها مجمع اللغة العربية، ولم يلق لها الناس بالا مثل كلمة «أجندة - رتوش - أوبرا» كل هذه الكلمات من المعربات، لكن لأن كلمة تريند شائعة على الألسنة، كان الكلام عنها رائجا، لدرجة أنها نفسها صارت تريندا، لكن على أى حال لا يصح أن نختزل مجمع اللغة العربية، وهو مؤسسة وطنية وعالمية، فى هذا الجدل، لأن به أعضاء عربا، وأجانب، لجنة الألفاظ والأساليب التى نتحدث عنها الآن ، وأنا عضو فيها، هى بمثابة المرصد اللغوى لمجمع اللغة العربية كله، بمعنى أن أعضاء اللجنة يتابعون ويرصدون الاستعمالات اللغوية الجديدة للغة العربية الفصحى المعاصرة، إذا ظهرت صيغة جديدة يسجلونها ويأتون بالنصوص التى تحل عليها، إذا تعرض لفظ من الألفاظ لشكل من أشكال التطور الدلالى يرصدون هذا التطور من خلال النصوص، ويبحثونه فيما بينهم ويتخذون بشأنه قرارا، ثم إن هذه اللجنة أيضا ليست معنية بالألفاظ وحدها، هى معنية بالألفاظ والأساليب أيضا، والتعابير الاصطلاحية التى تأتينا من اللغات الأجنبية، عن طريق لغة الإعلام كل يوم، هذه الأساليب تهتم بها لجنة الألفاظ اهتماما بالغا، وترصد التعابير التى تأتينا من مجال الثقافة والرياضة، وتدرسها وتوجد لها المقابل العربي المناسب، وهناك جبهة أخرى وهى المصطلحات العلمية المتخصصة، فى الطب والكيمياء والصيدلة والحاسب الآلى والذكاء الاصطناعي، وهى لجان نشيطة جدا، وتبذل جهودا ضخمة لخدمة اللغة العربية، ممثلة فى تعريب هذه المصطلحات الأجنبية، هذا مثال على لجنة من اللجان النشيطة جدا، بمجمع اللغة العربية، لجنة الطب عربت حتى الآن، أكثر من 20 ألف مصطلح.
< بمناسبة الحديث عن تعريب مصطلحات الطب، منذ ثلاث سنوات فى المؤتمر السنوى لمجمع اللغة العربية، كان الحديث يدور حول تعريب كتب الطب، ماذا تم فى هذا الأمر؟
لو عدنا إلى تاريخ مجمع اللغة العربية، سنجد أن سببا من أسباب إنشائه، تعريب العلوم بالمعنى الواسع للعلوم الطبية، لكن هناك العلوم الفيزيائية والكيميائية والصيدلة والهندسة والذكاء الاصطناعى ثم هناك العلوم الإنسانية، هناك لجنة للأنثروبولوجيا والاقتصاد، هذه العلوم جميعا تحفل بمصطلحاتها المتخصصة، وتعريب هذه العلوم عمل عظيم جدا يخدم اللغة العربية، ويخدم العلم فى حد ذاته، الأمر لا يقتصر على تعريب المصطلحات، لكن هذه المصطلحات توضع فى معاجم لغوية متخصصة، وتطبع وتوزع، وتكون متاحة أمام المتخصصين، بأسعار زهيدة جدا، فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، هناك جبهة أخرى من الجبهات التى يعمل عليها مجمع اللغة العربية، وأقصد إصدار المعاجم اللغوية العامة التى يستعملها كل الناس لمعرفة مبانى الكلمات ومعانيها مثل المعجم الوجيز، الذى كان يوزع على الطلاب فى المرحلة الثانوية، وهناك لجنة تحديث له، وأنا عضو فيها، وهذه اللجنة تعمل منذ عام ونصف العام، ووصلنا الآن إلى حرف «الراء» ونعمل على تحرير هذا المعجم، الذى مر على إصداره أكثر من أربعين عاما، نحدثه بمعنى أننا ندخل عليه مفردات وصيغا جديدة ، ليكون صالحا لمواكبة العصر، ويلبى احتياجات الدارسين فى هذه المرحلة، وهناك المعجم الوسيط، وصدر منذ أكثر من ستين عاما، شكلت منذ أعوام لجنة لتحديثه، وصار عندنا الآن المعجم الوسيط المحدث، ويعمل المجمع منذ خمسة عقود فى معجم آخر هو أكبر معجم للغة العربية حتى الآن، هو المعجم الكبير، أضخم معجم لغوى فى تاريخ اللغة العربية، وهو درة المعاجم اللغوية وأعظم عمل لغوى قام به المجمع حتى اليوم .
< كانت هناك مطالبات بتعريب أسماء المحلات، فماذا تم فى هذا الأمر؟
هذا مطلب جليل، ويعكس السعى إلى الحفاظ على الجهود اللغوية العربية، لأن أسماء هذه المحلات ليست مجرد ألفاظ، إنما شعب يحفظ لنفسه هويته، ويغار على لغته، المشكلة، فى أن مجمع اللغة العربية منذ عام 2017 أصدر قانون حماية اللغة العربية من ضمن بنوده هذا المطلب الذى تتحدثين عنه، وهو أن تكون أسماء المحال الترفيهية والرياضية عربية خالصة، لكن المشكلة فى أن مجمع اللغة العربية هيئة علمية استشارية، وليس لها سلطة قضائية، بمعنى أنها لا تستطيع أن تفرض القوة على الناس لتسمية هذه المحال باللغة العربية، مؤسسة علمية مثل مجمع اللغة العربية، يجب أن تمنح الفرصة للعمل العلمى الخالص، حتى لا تدخل فى نزاعات قضائية.
< وجود مثل هذه الألفاظ المعربة هل يدل على غنى اللغة العربية أم فقرها؟
المسألة ليست غنى أو فقرا، الأفضل دائما أن تقابل الكلمات الأجنبية بكلمات عربية، هذا الأمر طبيعى لإثراء اللغة العربية، لكن التعريب فى نفس الوقت وسيلة، حتى تواكب اللغة العربية العصر، لكننا نلجأ للتعريب فى أضيق الحدود، حينما لا نجد مكافئا عربيا دقيقا، ينقل معنى هذه الألفاظ أو هذا المفهوم الأجنبى نقلا دقيقا إلى اللغة العربية، نكون فى هذه الحالة مضطرين لمسألة التعريب، هى مسألة لا تقاس بأنها دالة على غنى أو فقر، المسألة أن هناك طريقا تستطيع أن تسلكه، إذا لم تجد طريقا آخر، إلا التعريب، فعلى هذه اللجنة وكل المجامع أن تعرب، والتعريب موجود فى اللغة العربية منذ القدم، وبعض اللغات من الفصيلة السامية زودت العربية بكلمات غير قليلة، وقبلتها اللغة العربية، وصارت تعامل معاملة الألفاظ العربية الخالصة، وهذه علامة من علامات قوة اللغة، ومرونتها وحيويتها، أى لغة تجدين فيها كلمات دخيلة من اللغات الأخرى.
< هناك ألفاظ فى الفترة الأخيرة المجمع ناقشها مثل كلمة «ترويقة»؟
«ترويقة» من حيث الاستعمال ارتبطت بالعامة، هى فى أصولها عربية فصيحة، والجذر اللغوى لكل هذه الكلمات موجود فى المعاجم، لكن لأن هذه الكلمات بهذه الصيغ، عرفت بها ارتبطت باللغة العامية، ما جعل الناس يظنون أنها ليست فصيحة، هى فصيحة شاعت بين العامة، نحن الآن فى مجمع اللغة العربية علينا واجب، أن نفصح هذه الألفاظ، ونردها لأصولها الفصيحة، ونتيح للناس أن يستعملوها، ربما لا نحتاج إلى خطاب رسمى يخص «ترويقة» أو «تحويشة» لكن من الممكن أن نحتاجها فى عمل أدبى مسرحى أو روائي، هذه الكلمات لها أماكنها المناسبة، نحن فى مجمع اللغة العربية سياستنا التوسيع العلمى المدروس.
< كان هناك كلام سابق حول تعريب كلمة «ساندوتش» لماذا فشل المجمع فى تعريبها؟
أولا هذا لم يحدث ولا علاقة لمجمع اللغة العربية بهذا اللفظ على الإطلاق، ما يقوله أو يتداوله الناس فيما بينهم، غير صحيح، الشاعر كامل الشناوى كان له موقف من مجمع اللغة العربية، فأراد أن يعطى صورة معينة عنه، فزعم أن المجمع تناول كلمة ساندوتش، واقترح مقابلا لهذا اللفظ «شاطر ومشطور وبينهما طازج» لكن هذا لا وجود له فى مجمع اللغة العربية، دائما الشخصيات العامة تكون مستهدفة وعرضة للانتقاد، وهذه مشكلة أننا نعانى من بعض العادات السلبية.
< قوة اللغة من قوة المجتمع ونظرا لأننا لسنا مجتمعات منتجة علميا، فمن الصعب تعريب كتب الطب، لابد أن تمتلك مفاتيح القوة حتى تفرض لغتك على الجميع؟
هذا كلام سليم من الناحية اللغوية، وهذا اجتهاد طيب، وفى ميزان النظريات اللغوية كلام سليم، نحن مجتمع مستهلك للعلم والتكنولوجيا، الذى يملك الإنتاج يملك اللغة، لأن الإنتاج لا بد له من أن يسمى، والمسمى يدخل إلينا باسمه، وبما أننا لا نملك المسمى، إذن نحن لا نملك الاسم، وإذا ملكناه نملكه فى صورته الأجنبية، العمل اللغوى يحتاج إلى المتابعة اليومية وجهة متخصصة، الأمر ليس سهلا إذا لم تتابع المتابعات اليومية للمستحدثات فى مجال العلم والتكنولوجيا المختلفة، نعانى دائما المشكلة نفسها، التى نعانيها مع كل اسم جديد.