"السوشيال ميديا" هذا الساحر الإلكتروني الذي استحوذ على عقول البشر، أصبحت تلك الواجهة السحرية للعالم الرقمي تحمل في طياتها تأثيرات ساحرة ومشوقة إلا أن هذا التأثير لم يكن دائمًا إيجابيًا، بل قد تحوَّل إلى سلاح ذو حدين يشق عالم الإعلام ويعيث فيه فسادًا، إن تأثير السوشيال ميديا على انتشار الشائعات والأخبار الخاطئة يشبه تأثير نسيم عاتٍ يهب على حقول الزهور، فإذا ما كان نسيمًا لطيفًا ومعتدلًا، فإن الزهور تزدهر وتنمو بجمال وألوان باهرة ولكن إذا ما تحوَّل هذا النسيم إلى عاصفة جارفة، فإنها تُفسد حقول الزهور وتقتلع جمالها، هكذا السوشيال ميديا، حيث يمكنها أن تكون وسيلة لنشر المعرفة وتبادل الأفكار الهادفة وتعزيز التواصل بين البشر، ولكنها أيضًا قادرة على نشر الشائعات والأكاذيب بسرعة هائلة، فتصبح مصدرًا للتضليل والارتباك، بل والاحتقان بين الشعوب.
إن تأثير السوشيال ميديا في نشر الشائعات ينبع من عدة عوامل، أحدها هو السرعة الفائقة لانتشار المعلومات على هذه المنصات، حيث يمكن للشائعة أن تنتشر في ثوانٍ معدودة وتصبح متاحة للعالم أجمع قبل أن يتمكن أي شخص من التحقق من صحتها.
ثانيًا، تلعب العوامل النفسية دورًا كبيرًا في انتشار الشائعات، حيث يميل البشر إلى تصديق ما يتناسب مع آرائهم ومعتقداتهم، وبالتالي يصبحون أكثر استعدادًا لنشر ومشاركة المعلومات التي تؤكد ما يعتقدونه.
في حقيقة الأمر، لا يمكن لمتابعي منصات التواصل الاجتماعي أن يتجاهلوا هذا التأثير العالمي البارز الذي تمارسه "فيسبوك" و"توتير" و"لينكد إن" وغيرها، إذ تجمع هذه الشبكات الاجتماعية بين زوايا مختلفة من مجتمع البشر، وتحقق تواصلًا شاسعًا على مستوى الكوكب، وهنا تنطلق أهمية النشر عبر هذه المنصات، إذ تكتسب المعلومات والمحتوى تأثيرًا هائلًا بمجرد تداوله بهذه الوسائل، وما يميز هذا النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي هو تفاوت تفاعل الأفراد مع محتوى معين أو خبر معين بناءً على طبيعته ومضمونه، (وبالطبع كلما كانت الأخبار أكثر إثارة وتشويق زاد التفاعل معها)، ومن الواضح أن هذه الخاصية البارزة قد دفعت المنصات الكبيرة إلى التعامل مع محتويات الأخبار بتفوق واحتكار، حيث يرى البعض أن هناك فرصة هائلة للربح من الإعلانات التي تجذب إليها عددًا ضخمًا من المتابعين.
بالفعل، يبدو أن ظاهرة اختيار الأخبار والمحتوى وفقاً للسياسات والتوجهات الخاصة بهم قد برزت بوضوح؛ حيث يتيح هذا الانتقاء لهم فرصة فريدة لعرض ما يتماشى مع أفكارهم ومبادئهم، بينما يتم منع أو إخفاء أي محتوى يخالف تلك التوجهات، إن هذه الممارسة تعكس مدى تأثير تلك المنصات الرقمية على توجه الأخبار وانتشارها فباختيار ما يتم نشره وما يتم حجبه، يصبح لديهم القدرة على توجيه وتشكيل الرأي العام والنقاشات الجماهيرية وفقاً لرؤيتهم الخاصة، هذه الظاهرة تعكس أهمية الحذر والوعي عندما نستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية ونتصفح الأخبار عبر الإنترنت، إنها تلفت أيضًا إلى ضرورة التفكير النقدي واستقلالية التفكير لضمان الوصول إلى معرفة شاملة ومتنوعة من مصادر متعددة.
وقد تحوَّل محرك البحث الشهير "جوجل" من مجرد أداة لجلب الزائرين إلى منافس يستفيد من الأخبار والمحتوى الإعلامي لصالحه، وهذا الأمر دفع العديد من المواقع الإخبارية حول العالم إلى رفع دعاوى قضائية ضد مجموعة جوجل، متهمة إياها بأنها تسببت في خسائر مالية كبيرة، وفي السنوات الأخيرة، نشأت قضية كبيرة في أستراليا، حيث طالبت بعض المؤسسات الإعلامية منصة فيس بوك بدفع مقابل محتوى الأخبار الذي تنشره وقد أجبر هذا الطلب شركة فيس بوك على إعادة تقدير قيمة المحتوى الإخباري وأهميته الاقتصادية على المنصة.
تلك الدعاوى القضائية الموجهة نحو شركتي جوجل وفيسبوك، ليست إلا استمرارًا لسلسلة طويلة من النزاعات، فقد انطلقت هذه المجموعات بنشاط لتسليط الضوء على قضية الاحتكار والأثر السلبي الذي يترتب على سوق الإعلانات، هذا الأثر ينتج عنه تداول أفكارهم ومفاهيمهم بشكل حصري وعلى حساب الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يجبرها على الإفلاس، من بين الأضرار الجسيمة التي تترتب على هذا الوضع تلك التي تصيب عالم الصحافة والإعلام، هذا الضغط الذي يتعرض له القطاع الإعلامي دفع بوسائل الإعلام العالمية إلى الوقوف في مواجهة تلك التحديات والقتال من أجل حصولها على حقوقها النسبية من إيرادات الإعلانات المشتركة مع عمالقة الإنترنت.
وعلى الرغم من أن المؤسسات الإعلامية العربية الكبرى لا تعتمد بشكل رئيسي على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي لإيراداتها، إذ إن هذه الإيرادات لا تكفي لتغطية تكاليف الإعلام بمفردها، ولضمان استدامة عملها، إلا أنه يظل من غير المنكر أن هذه المنصات أصبحت في وقتنا الحالي مصدرًا مهمًا للإيرادات، هذا الواقع يدفع بعض المنصات الرقمية إلى اعتماد نفس السياسات المتبعة على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف أن تكون جزءًا من هذا الاتفاق المربح (باتفاق ضمني غير مكتوب)؛ حيث تتجاهل هذه المنصات في كثير من الأحيان التحقق من صحة المعلومات المنشورة وتتجاوز النظر في تأثيرها على الرأي العام.
فيما يخص كندا، فقد أقدم موقع "فيس بوك" على تحذير من إمكانية منع مشاركة المحتوى الإخباري على منصته نتيجة مخاوف بخصوص التشريعات الجديدة التي تتطلب من المنصات الرقمية دفع تعويضات لناشري الأخبار مقابل مشاركة محتواهم في ملخصات الأخبار ونتائج البحث، هذا الموقف يستحق الاهتمام والدعم من قبل المسئولين الحكوميين الكنديين الذين يؤيدون هذا النهج، حيث سيسهم في الحفاظ على استقلالية الصحافة والحفاظ على تنوع السوق الإلكتروني.
ومن هنا أتصور أن اللحظة قد حانت لاستعراض هذا الارتباط الفعّال بين منتجي المحتوى في العالم العربي وعمالقة الإنترنت مثل فيسبوك وجوجل من منظور اقتصادي أساسي، يجب وضع فحص دقيق لفوائد هذه الشراكة ووضع نقاط التبادل المناسبة على طاولة النقاش والبحث، إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تقدم لمنتجي المحتوى فرصة للوصول إلى جمهور متنوع وتوفير أدوات مفيدة مثل تتبع اهتمامات الجمهور ومعرفة الاتجاهات الحالية، فإن هذا يساعد المحتوى على تقديم مادة ذات جاذبية في الوقت المناسب وبالشكل المناسب، وإيجاد طريقة تمنع تداول الشائعات والأخبار المفبركة.
من ناحية أخرى، يظهر اهتمام متزايد من قبل فيسبوك تجاه المحتوى الإخباري، وذلك نتيجة للمخاوف من تراجع إيرادات الإعلانات الرقمية في ظل التوترات الاقتصادية الحالية، وبالتالي ينبغي للمؤسسات الإعلامية الكبرى أن تستفيد من هذا الاهتمام وتستثمر في إنتاج محتوى ذي قيمة مضافة بدلاً من الاعتماد على الأعداد الكبيرة من المشاهدين فقط، يجب عليهم أيضًا أن يستفيدوا من فهم الخوارزميات وعمليات العرض على هذه المنصات، وذلك من أجل تقديم محتوى يلبي توقعات واحتياجات الجمهور، ويقدم معلومات دقيقة وذات جودة عالية بدلاً من الأخبار المضللة وغير الدقيقة.