دعوة إبراهيم.. ونبوءة موسى.. ترنيمة داوود.. وبشارة عيسى.. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. محمد يارسول الله.. يا حبيب الله.. يا أمين الله.. يا نبي الله .. يا محمد.. يا رسول الله.
كانت هذه مقدمة أغنية تتر مسلسل "محمد رسول الله" بصوت المطربة ياسمين الخيام وتأليف الشاعر عبدالفتاح مصطفى وتلحين جمال سلامة، في بداية الثمانينيات، وظلت هذه الأغنية الساحرة إلى الآن أيقونة الاحتفال بالمولد النبوي.
رغم أنها تعرضت لبعض الأزمات في البداية؛ حيث روى الملحن جمال سلامة كيف تم تكفيره آنذاك قائلا: إنه عندما انتهى من اللحن وسمعه المخرج أحمد طنطاوي صرخ قائلا: "إيه ده يا دكتور ده كفر إنت حاطط البيانو فى عمل دينى؟"، حيث كانت أول مرة تدخل فيها آلة البيانو فى عمل دينى، وطلب منه تغيير اللحن!
وتابع سلامة: "كان باقي على رمضان يومين، وزعلت ونزلت من الأستوديو وروحت المعمورة، وفوجئت بعرض المسلسل فى أول أيام رمضان وبه ألحاني ولكنني لم أجد اسمي على التتر، وكنت قبلها بأسبوع حضرت فرح بنت الرئيس السادات في المعمورة، فأسرعت إلى بيته وطلبت مقابلته وبالفعل سمح لي بلقائه، وعندما أخبرت الرئيس بالقصة، اتصل على الفور بهمت مصطفى، رئيس التليفزيون وقتها وقال لي: متزعلش ياعم بكرة اسمك هينزل، وفعلا تاني يوم لقيت اسمي على تتر المسلسل.
وبعد مضي سنوات عديدة من هذه الواقعة، ظهرت دراسة أكاديمية مهمة عن إعداد بعض مؤلفات جمال سلامة الدينية للعزف على آلة البيانو، قام بها الدكتور باسم زاهر مدرس البيانو بشعبة التربية الموسيقية في كلية التربية النوعية بجامعة أسوان.
وعلى الرغم من حالة الجدل الواسع بين دول العالم بشأن مخترع آلة البيانو منذ بدأ به الإيطالي كريستوفوري إلى أن دخلت الصين في المنافسة، ثم صنعت ألمانيا أول بيانو مربع 1742، ثم طوره جون برودوود عام 1781، ثم ظهر بعده البيانو المطوّر على يد سيباستيان إيرارد الذي حصل بواسطته على براءة اختراع؛ لإنّه استطاع أن يجمع بين موسيقى فيينا والموسيقى الإنجليزيّة.
تركنا نحن هذا الجدل والتطور الملحوظ في الآلات الموسيقية وتوقفنا على حدود "التحريم"! وهذه هي أزمتنا الجوهرية، فقد حرم عديد من المتطرفين والمتشددين الغناء والموسيقى؛ رغم أن أهل المدينة المنورة استقبلوا الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام بالدفوف والطبول، وحسب رواية لعائشة رضي الله عنها حينما دعاها النبي لتشاهد كيف يرقص أهل الحبشة بالحراب في المسجد، فتقول إن النبي سمع لغطًا وصوت صبيان، فقام فإذا قوم من الحبشة يرقصون، والصبيان حولهم فقال: "يا عائشة، تعالي فانظري"، فجاءت عائشة ووضعت ذقنها على كتف الرسول وأخذت تشاهد من ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لها: "أما شبعت، أما شبعت؟ قالت: فجعلت أقول لا لأرى منزلتي عنده.
ليتنا نتعلم من رسولنا أخلاقه وسلوكه وقيمه، وكيف كان محبًا وكيف كان يمازح زوجاته، وكيف كان لينا متسامحًا، بعيدًا عن الغلظة والقسوة التي حاولوا كثيرًا أن يصبغوا ديننا بها ولم ينجحوا.
ولا أعلم من منح هؤلاء صكوك الجنة وأحكام التكفير، وإنما المنطق حين نفعل العقل أن التطور سنة الحياة، وإذا كانت الآلات الموسيقية قديمًا بدائية مثل الدف والطبل والناي فقد طالها التطور، كما طغى على كل تفاصيل حياتنا، ومن يتشدق بالكفر والتحريم تجدهم يستخدمون العطور الفرنسية وليس البخور، ويركبون سيارات ألمانية وليست الناقة والخيول، ويرتدون ملابس لماركات عالمية، ويسكنون القصور وليس الخيام، ويجالسون علية القوم، بل وتحول بعضهم لنجوم فضائيات وتركوا منابر العلم، وكأنهم خارج نطاق الخدمة.
ويبقى الأهم الآن أن نستمع إلى أغاني ونشاهد مسلسلات على نفس مستوى تلك التي أثرت في طفولتنا ووجداننا..أم أنه كتب علينا العيش على الأطلال في كل ما يداعب الروح ويبهج النفس..
دعوا الخلق للخالق وليعمل كل في مجاله بمنتهى الحماس والحب والإتقان، ولا توقفوا نزق الإبداع..
وكما تغنت الست ياسمين الخيام "أمتك يا محمد تستحق الشفاعة" نعم نستحقها علها تمحو ذنوبنا.
كل عام والأمة الإسلامية بكل الخير.