لا يخفى على أحد أن هناك بنات لا يحلمن بالزواج إلا من أجل الأمومة.. تلك الفطرة التي خلقت بها كل أنثى وصارت بعدها تمسك بالعرائس وهي طفلة تدللها كأنها ابنتها.. لكن بعدما زادت نسب الطلاق في السنوات الأخيرة، زادت مخاوف البنات من الزواج، وباعدت بينهن وبين أحلامهن في أن يصبحن أمهات.. وصرنا نسمع عبارات مثل «الحقي اتجوزي عشان تخلفي لك عيل».
موضوعات مقترحة
مضت السنوات وسمعنا عن عمليات تجميد البويضات في مختلف الدول العربية، تلك العملية التي تحدث عبر استخراج البويضات وتجميدها وتخزينها في النيتروجين السائل لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد وفقا لطلب مكتوب من صاحبتها لاستعمالها في حمل لاحق في الوقت الذي تتزوج فيه مهما تأخرت سنها.
فجاءت الفكرة كأنها الحل من مشكلات تأخر الزواج أو التخلص من إلزام البنت بـ «أي جوازة والسلام».
ولكن مع انتشار الكلام عن تلك العملية، وتضامن كثيرات من الفنانات في مصر وخارجها مع الفكرة مثل أروى جودة وأمينة خليل وعبير صبري وغيرهن، صارت تلك العملية عند البعض، «سبوبة» تقود كثيرات من البنات إلى الوهم.. والبعض الآخر ربما إلى الحلم.
فهل تصلح كل عمليات تجميد البويضات في تحقيق حلم الأمومة المؤجل للبنت التي تأخر زواجها؟ هل باتت هي الملاذ الآمن لكل من تخشى الوقوع في زواج فاشل أملا في الأمومة، فتجمد أمومتها؟.. صحيح أباحت دار الإفتاء العملية، وانتشرت بعدها المراكز التي تقوم بها، لكن الأسئلة مازالت مطروحة.. هل تحقق عملية تجميد البويضات حلم الأمومة أم تبيع الوهم بآلاف الجنيهات.. هل تستحق مخاطرها المجازفة؟.. نصف الدنيا تبحث عن الإجابة في هذا التحقيق.
تجارب من الحياة
أجريت أول عملية تجميد بويضات في العالم عام 1986، وأول طفل ولد من بويضة مجمدة من الأم نفسها كان عام 1999.
لكن هنا في مصر، ريم مهنا، كانت أول فتاة مصرية غير متزوجة تُجري عملية تجميد البويضات في أحد المراكز الطبية المتخصصة في الإنجاب بمصر، منذ حوالي نحو سنوات، ريم عرفت للمرة الأولى عملية تجميد البويضات عام 2001 خلال قراءتها بعض الدراسات الطبية، واعتبرت في تلك اللحظة أن هذه العملية فرصتها الوحيدة للتصدي لسلسلة القهر التي تطحن النساء بعد وصولهن إلى سن معينة.
أجريت لريم العملية عام 2017 وهي في عمر الـ 36 عامًا، وقالت: إن الخوف من ردود فعل عائلتها كان السبب في تأجيلها إجراء العملية لعدة سنوات، فقد كانت مقتنعة برغبتها في الزواج واختيار شريك مناسب بعيدًا عن ضغط تقدم السن وقلة فرص الإنجاب، فكثيرا ما كانت تشعر بأن علينا نحو النساء التنازل عن أمرين إما الأمومة أو الشريك، ولكنها بعد اجرائها العملية، شعرت بأنها غير مضطرة إلى الاختيار بينهما.
صحيح وصل إلى ريم تعليقات بعضها وصفها بالجرأة.. وبخاصة أن المجتمع مازال يرفض فكرة حرية المرأة وحقها في تقرير مصيرها، ويخاف كسر تابوه احتياج المرأة إلى الرجل من أجل الإنجاب؛ لكنها تمسكت بحقها.
عقود بلا خصوصية
في رحلة بحثي عن بنات لجأن إلى الفكرة، قابلتها، احترمت أنها رفضت ذكر اسمها، هي في العقد الرابع من عمرها، بحثت عن مركز طبي للحقن المجهري لإجراء عملية تجميد البويضات، بحثا عن فرصة للإنجاب مستقبلا بعد تأخر سن زواجها، لكنها في الوقت ذاته كانت أمام مجموعة من المخاوف، جعلتها مترددة في الإقدام على الخطوة، بالرغم من تراجع معدلات نجاحها مع تقدم السن.
الفتاة تعمل محاسبة لدى إحدى الشركات الخاصة وتعيش بالقاهرة، سعت إلى خوض التجربة بمفردها ، بعد أن واجهت رفضا من أسرتها خشية من تعرضها للنصب أولا وخوفا من كلام الناس ثانيا، ما جعلها أكثر حرصا في البحث عن مراكز مرخصة ولديها سُمعة طيبة، في مجال تخصيب الأجنة في ظل عدم وجود أطر قانونية تنظم عملية تجميد البويضات بالرغم من إتاحتها.
المشكلة التى واجهت الفتاة أن المراكز التي ترددت عليها، رفضت توقيع عقد يتضمن شروط التجميد ويحفظ لها خصوصيتها أو حقها في حالة تلف البويضات أو إساءة استخدامها، فضلا عن المبالغ الطائلة التي ستدفعها حال إجرائها العملية.
حياة بلا ضغوط
على الرغم من كل الصعوبات التي واجهتها لإجراء العملية، كان الموضوع بالنسبة لأسماء – 33 سنة – يستحق المعاناة، تقول أسماء: إنها بعد إجراء العملية أصبحت أكثر استقرارا نفسيًّا، فتحكي عن ذلك قائلة: «أصبحت غير مضغوطة بسن معينة للإنجاب، وهو ما يمنحني فرصة للوقت والتفكير ودراسة أي شريك مستقبلي. الزواج ليس مسابقة لسرعة إنجاب طفل، أنا بلا شك أرغب في الإنجاب، ولكن ليس على حساب تكوين عائلة مستقرة يشعر فيها الطفل بمشاعر أبوة حقيقية وعلاقة طيبة بين الأب والأم، ليكبر وهو سوي وسعيد.»
فشل وتكلفة باهظة
كان لا بد من أن يكون في هذا التحقيق رأي الطب، هل مثل هذه العمليات مجدية في الأساس أم لا، وهل كانت تستحق المعاناة أم لا؟ سألنا الدكتور عبد المعطي السمنودي استشاري الحقن المجهري والمناظير عن الموضوع فأوضح قائلًا: «حالات كثيرة يمكن فيها تجميد البويضات أو بالأحرى والأحدث تجميد جزء من قشرة المبيض، من تلك الحالات وأهمها الإقدام على العلاج الكيماوي قبل الزواج أو بعده، لأنه يدمر بويضات المبيضين تماما ويشوّه ما تبقى منها فتصبح غير صالحة للحمل، ومن بعدها حالات تأخر سن الزواج، ويفضل تجميد البويضات قبل سن ٣٥».
إلا أن المفاجأة حين سألته عن نسب نجاح تلك العملية فكان جوابه: « فشلت تجربة تجميد البويضات تماما لأنه عند استرجاع البويضات يُفقد الكثير منها فضلا عن الثمن الباهظ للعلاج للحصول على عدد قليل منها، ويُفقد معظمها في أثناء الاسترجاع من التجميد، ولذا لجأنا إلى تجميد جزء من قشرة المبيض الذي يحتوي على آلاف البويضات ثم زرعها في المبيض مرة أخرى قبل الزواج أو انتهاء العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، ويسمح هذا بحدوث حمل طبيعي أو حقن مجهري عكس البويضات فلا يسمح إلا بالحقن المجهري».
تكلفة عملية التجميد
تترواح تكلفة العملية من 90 إلى 150 ألف جنيه، حسب عدد البويضات التي ستُجمَّد وحسب حالة كل سيدة، فكل أنبوب له إيجار مستقل يصل إلى 1000 جنيه كل ثلاثة أشهر، وفي حالة عدم التزام الطرف المؤجر بالسداد، فمن حقه فسخ التعاقد وإعدام البويضات، وتلك المبالغ تشمل الكشف وأدوية للتبويض، وسحب البويضات وحفظها في بنوك لحين استردادها، والعملية تستغرق ساعتين وربع الساعة، حيث تُحفَظ البويضات لعدد من السنوات باسم صاحبتها، في بنك متخصص ومؤمن برقابة شديدة، مع الحرص على سرية وخصوصية صاحبتها، من خلال ملف يتضمن بطاقة الرقم القومي ووثيقة ورقما كوديا ببيانات الفتاة التي تقوم بالتجميد، إلا أن تلك التكاليف لا تقدر عليها كل الطبقات الاجتماعية بكل تأكيد.
إلا أن الدكتور عبد المعطي لم يفضل إجراء البنات غير المتزوجات تلك العملية – تجميد البويضات- فهي أوقع وأضمن للمرأة المتزوجة، لأن العينة أفضل لها أن تؤخذ من المهبل، ولكن يمكن أن يُجمد لها جزء من قشرة المبيض كما سبق أن أوضح، وخصوصًا أن تلك العملية تجرى عن طريق المنظار الباطني ولا تستغرق العملية أكثر من عشر دقائق، وأكد أن عمليات تجميد البويضات فشلت هنا في مصر وفي الخارج أيضًا.
حالات يفضل فيها إجراء العملية
من جهة أخرى اتفق مع كل ما سبق الدكتور محمد عاصم الليثي استشاري أمراض النساء والتوليد وتأخُّر الإنجاب.
إلا أنه أكد مع كل ذلك أن أي توتر يصيب السيدة قبل إجراء تلك العمليات يقلل من نسب نجاحها؛ لأن القلق والتوتر يرفعان هرمون الكورتيزون، وهو واحد من أهم أسباب فشل تنشيط البويضات أو الحقن المجهري لسيدة متزوجة، ويصاحبه بالتالي فشل في حدوث حمل، فلا بد قبل الإقبال على تلك العملية من البحث جيدا عن طبيب له خبرة طويلة في مشكلات تأخُّر الإنجاب، والهدوء والتسليم لله قبل كل شيء.
ونصح د. محمد كل سيدة تعاني من ضعف مبكر في التبويض بالإقدام على تلك العملية، وكذلك من تلجأ إلى العلاج الكيماوي، أو مريضة سكر ولم تتزوج، يفضل حسب رأيه الإقدام أيضا على تلك الخطوة.
أما عن تكاليف العملية فهو يرى أنه رغم ارتفاعها نسبيًّا، لكن حسب خبرته في المجال، فإنه يرى أن مصر من أرخص الدول في الحقن المجهري بالتحديد، ولا يرى أن للموضوع علاقة بالـ «سبوبة»؛ لأن كل مرحلة علاجية عالية التكاليف، وخصوصا مع ارتفاع سعر العملة، فيقول في هذا الشأن: «لكِ أن تتخيلي أن هناك دواء هرمونيا كان سعره 100 جنيه قبل أشهر، الآن وصل سعره إلى 600 جنيه، ونحتاج إلى عدد كبير منه في مرحلة التنشيط، فعلى سبيل المثال، لو كانت السيدة الواحدة تحتاج منه إلى نحو 2000 جنيه منذ أشهر، ستكلفها تلك المرحلة الآن ما يقرب من عشرة آلاف جنيه فقط لمرحلة تنشيط البويضات».
وأكد أيضا في السياق نفسه أنه طوال سنوات التجميد لا تُعرَّض البويضات للتلف، وإنما لا يُضمن جودتها، وأنه أجرى بنفسه عمليات تجميد لبويضات نجح في حقنها مجهريا بعد ذلك ونجحت في خلق أجنة.
موقف وزارة الصحة
في المقابل كشف مصدر مسؤول بوزارة الصحة، أنه لا يوجد حتى الآن في مصر أي سيدة حملت جنينا من بويضة مجمدة، على الرغم من أن هناك من قامت بتجميد بويضاتها قبل 17 عاما، مضيفًا أنه لا يوجد قانون ينظم العملية أو يضمن نجاحها، وحذر المصدر من أن بعض المراكز المجهولة تستغل ذلك، وتقوم بتلك العمليات لتحقيق أرباح دون الالتفات إلى جودة عملية التجميد، واستخدام الأجهزة الحديثة للحفاظ على البويضات من التلف، تلك المراكز تراهن على أن النصب والاحتيال لن يتم اكتشافهما إلا بعد سنوات، ووقتها لن يعجزوا عن تقديم تبريرات.
حلال بشروط
أوضحت دار الإفتاء المصرية في سبتمبر 2019 رأيها في حكم عملية تجميد البويضات لاستخدامها في الحقن المجهري مرة ثانية، فأجازوها وفق أربعة ضوابط، وهي أن يكون الدافع لعملية تجميد البويضات مشروعا، وأن يكون موجودا وقت عملية التجميد، وأن تحفظ البويضة المخصبة بشكل آمن يمنع اختلاطها عمدا أو خطأً، وأن تتم عملية التخصيب بين زوجين، بدخول البويضة المخصبة في المرأة وهي لا تزال زوجة له، وألا يتم وضع البويضة المخصبة في غير رحم صاحبتها.
نجمات مع تجميد البويضات
عبير صبري
كشفت العديد من النجمات، عن تأييدهن فكرة تجميد البويضات منهن عبير صبري التي أكدت في حوارات سابقة أنها تؤيد فكرة تجميد البويضات قائلة: «فكرت أعمل عملية تجميد بويضات منذ سنوات حتى لا يفوتني إمكانية الإنجاب».
سوزان نجم الدين
كما أبدت الفنانة سوزان نجم الدين تأييدها الفكرة، في تصريحات إعلامية سابقة، حيث قالت: «لو كنت أعرف هذا الموضوع من قبل، كنت فعلت ذلك، لكنني عرفته أخيرا».
أمينة خليل
كذلك قالت الفنانة أمينة خليل: إنّها تؤيد فكرة تجميد بويضاتها إذا تأخر زواجها، لافتةً إلى أنّها متفهّمة عدم فهم بعض الناس الفكرة، وإذا كان هناك رأي يقول: إنه لا ينفع فعل ذلك، فإن هناك مدرسة تقول: إن العلم جعل باستطاعتنا فعل شيء مثل ذلك، فلماذا لا نفعله؟
عائشة بن أحمد
وقالت التونسية عائشة بن أحمد حول خشيتها من عدم الإنجاب: إن عدم الإنجاب لا يعني انتهاء الحياة، وإن هناك بدائل مثل تجميد البويضات أو التبني، ولو لم يتوافر كلا البديلين فهذا لا يعني انتهاء الحياة قائلة: «موضوع عدم الخلفة مش كارثي».
أروى جودة
قالت الفنانة أروى جودة في حوار سابق: إنها فكرت في فترة من الفترات فى تجميد بويضاتها، رغبة في الإنجاب حين تتزوج مع تقدمها في العمر، وتابعت: «فكرت فيها بالفعل، وكنت عايزة ألحق أخلف زي ما بنات كثير بتفكر بالطريقة دي، وشفنا النموذج ده كتير للأسف، لخوفهن من السن، ولكن فكرت إن لو ربنا عايزني أخلف حيخليني أخلف قبل المعاد اللي فكرت فيه، ولو ربنا رايدها لي كان هيحصل، وعندي الحمد لله أربع بنات، بنت خالتي، وبنات أختي».