الأبناء هم الفلك الذى تدور حوله حياة الوالدين، يعملان من أجلهم ويكافحان لتوفير كل متطلباتهم ويضحيان براحتهما ليوفرا لهم سبل الراحة ويبذلان كل غال لإسعادهم، لذلك ليس فى الحياة أقسى على الوالدين من شعورهما بعدم التقدير لكل ما قدماه لأولادهم، فما أصعب أن تستمع إلى تلك الجملة من أحد الوالدين "ابنى غير ممتن لكل ما فعلناه من أجله". للأسف أصبحنا نسمع هذه الشكوى كثيرًا خصوصا من المراهقين، فما أسباب عدم الشعور بالامتنان لدى الأبناء وكيف نعالج هذه المشكلة.
موضوعات مقترحة
تقول د. ميسون الفيومي أستاذ العلوم السلوكية واستشارى العلاقات الأسرية: عدم الامتنان والتقدير للنعم ولمجهود الوالدين غالبا ما نجدها لدى المراهقين حيث تعتبر فترة المراهقة من أهم وأصعب الفترات التي يمر بها الإنسان لأنها المرحلة الانتقالية من الطفولة إلى الشباب واكتساب المعارف والمهارات، والهوية الخاصة لمواجهة الحياة. كما أنها مرحلة تمهيدية لمرحلة الرشد.
وأشارت إلى أن علماء النفس قسموا مرحلة المراهقة إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى تبدأ من سن الحادية عشرة إلى 14 عامًا، وتعرف بالمراهقة المبكرة، أما المراهقة المتوسطة فتبدأ من سن 15 إلى 17 عامًا، في حين تبدأ مرحلة المراهقة المتأخرة من سن 18 إلى 21 عامًا، حيث تتشكل شخصية الإنسان وكل ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات يصبح جزءًا أصيلًا من مكونات شخصيته.
وأوضحت أن فترة المراهقة تتسم بالعديد من التناقضات، فالمراهق يشعر بكل شيء وعكسه في آن واحد نتيجة التقلبات المزاجية حيث الشعور بالسعادة، والحزن والحب والكراهية، الكآبة والانطلاق، وذلك أمر طبيعي نتيجة للتغيرات الجسمانية والذهنية والعاطفية والاجتماعية فهي مرحلة التخبط وعدم الاستقرار، وأهم السمات التي تميز هذه المرحلة شعور المراهق بالعصبية والعناد والحساسية الزائدة من دون مبرر والشعور بعدم التوافق النفسي الذي يؤدي إلى زعزعة الثقة بالنفس وهي من أهم المشكلات التي يتعرض إليها المراهق، ويتصف سلوكه بالمبالغة في المشاعر بكاء وحزن، ضيق مستمر والشعور بالعزلة والافتقار العاطفي.
وتضيف د. ميسون الفيومي قائلة إن أهم ما يميز هذه المرحلة الميل إلى الجنس الآخر، وهذا شعور طبيعي من جانب المراهقين، وجهل بعض الآباء بذلك قد يسبب مشكلات كبيرة بين المراهقين والأبناء، لذلك على الآباء توخي الحذر ومصاحبة أبنائهم لتقديم النصح اللازم في التوقيت المناسب، وأضافت أن هذه المرحلة تتسم أيضًا برفض السلطة الأبوية، لذلك يرفض المراهق تعليمات والديه رفضا شديدا ولا يسمع كلامهما لاعتقاده بأنهما على خطأ ويكون ولاؤه لأصحابه يسمع كلامهم ويسير على خطاهم عن إيمان بأنهم على صواب ويزيد التباهي أمام الأصدقاء لإثبات رجولته وحب استعراض الذات، لذلك قد يلجأ المراهق إلى ممارسة سلوكيات غير مرغوب فيها مثل التدخين أو الإدمان والسهر لساعات متأخرة من الليل مما يثير غضب والديه لذلك لابد أن يتصف الوالدان بالهدوء وحسن التعامل معهم، فالتعامل بقسوة مع المراهقين يضعف شخصيتهم ويصبحون شخصيات تتسم بالجبن أو تفلت الأمور نتيجة فقدان الشعور بالأمان وتبدأ رحلة البحث عن أصدقاء السوء لتعويض الشعور بعدم الأمان، وهنا تأتي أهمية التواصل الأسري والحوار المفتوح مع الأبناء بسماع مشكلاتهم والأهم الاهتمام بتلك المشكلات وعدم السخرية منها أو وصف المشكلة على أنها تافهة لا تستحق الاهتمام فهذا يكسر شعور المراهق ويضعف التواصل بينه وبين أسرته، وكذلك على الوالدين تشجيع المراهقين لممارسة الأنشطة المختلفة كالرسم والرياضة لشغل أوقات فراغهم واكتشاف ذاتهم وتحسين مهاراتهم الفكرية والحركية للحد من نوبات الغضب والاستياء، ولابد من تعويد المراهق على القوانين الخاصة بالبيت مثل قانون احترام المواعيد وقانون الشكر والاعتذار واحترام الكبير وقانون العقاب الذاتي وكيفية تطبيق العقاب وغيرها من القوانين التي يجب أن يتعود عليها المراهق لبناء شخصية سوية، كما يجب العمل على تحفيزه ماديًا ومعنويًا لممارسة السلوك الإيجابي كجزء من شخصية المراهق.
وتضيف د. ريهام أحمد عبدالرحمن أخصائي الإرشاد النفسي والتربوي: تعد مرحلة المراهقة من أصعب المراحل العمرية في حياة الإنسان، فهي مرحلة تتسم بالتقلبات المزاجية الحادة وتشتت الاختيار والتركيز، والرغبة في الاستقلال، وبناء الهوية الشخصية، وبالتالي يجب أن تكون الأسرة على وعي بطبيعة هذه المرحلة العمرية الحرجة.
وحتى تستطيع الأسرة بناء شخصية المراهق القوية لابد من تعويد الأبناء على تحمل المسؤولية، والمشاركة في الأعمال المنزلية البسيطة منذ الصغر كترتيب غرفة النوم، والمشاركة في شراء بعض المستلزمات الضرورية للمنزل ليعرفوا قيمة المال وكيفية حسابه وادخاره، فالمشاركة وإن كانت تبدو بسيطة لكنها تعود الأبناء على تحمل المسئولية والشعور بالثقة والإنجاز.
وأكدت أهمية غرس قيمة الامتنان في نفوس الأبناء من خلال تعويدهم على تقديم الشكر إلى الآخرين خصوصًا الآباء والأمهات، ومن خلال تدريب الطفل على ممارسة الامتنان بشكل يومي كأن يذكر أكثر ثلاثة أشياء يمتن لهم خلال اليوم، مثلا: امتن لصحتي، امتن لوجود أبي وأمي بجواري، امتن لقدرتي على الإنجاز، وهكذا إلى أن تصبح عادة الامتنان جزءا مهما في حياة الأبناء تساعدهم على النظر للحياة بإيجابية ورضا.
وتتسم مرحلة المراهقة بالعصبية والغضب غير المبرر وذلك بسبب تغير الخصائص الجسدية والنفسية للأبناء الأمر الذي يستوجب من الآباء عدم الدخول مع المراهق في معارك خاسرة ولكن عليهم بالنصيحة غير المباشرة ومصادقة الأبناء والإنصات إليهم باهتمام وتقدير فذلك كل ما يطلبه المراهق.
وتضيف د. ريهام بأن الدراسات النفسية أثبتت أن ممارسة المراهق للرياضة بشكل يومي يساعده على الشعور بتحسن المزاج والسعادة النفسية والثقة بالنفس، وبالتالي التقليل من العصبية وردود الفعل السلبية تجاه الآباء فلنحرص على ممارسة الأبناء للرياضة بشكل يومي. كما ناشدت الآباء والأمهات أن يكونوا لأبنائهم قدوة في بر الوالدين وصلة الأرحام فالطريق المختصر للتربية السليمة للأبناء بكونكم قدوة لهم في التعامل مع الآخرين.
وأشارت إلى أن إحدى الدراسات النفسية بجامعة كاليفورنيا أكدت أن العطاء سلوك إيجابي يعزز الشعور بالسعادة والنشوة والرضا عن الذات ويضاعف سعادة الإنسان 40% عن المعدل الطبيعي، فبممارسة الأبناء لمهارة العطاء للآخرين يدركون قيمة ما عندهم من نعم، كالتطوع في الأعمال الخيرية ومساعدة الآخرين وزيارة المرضى.
ومن جانبها، تقول د. سمر سويلم المتخصصة فى العلاج الأسرى والتنمية البشرية: إن الطفل يظل يبحث طوال حياته عن الانتماء والقبول خصوصًا من أهله المتمثلين في والديه، وعندما يسيء ابني التصرف لابد أن آخذه في حضني، وأقول له «خليك في حضني أنا أحبك، زعلي من سلوكك ليس له علاقة بحبي لك، أنا كده كده بحبك في كل حالاتك مهما عملت لكن لم أحب سلوكك». عندها سيشعر بقدر كبير من الراحة لأنه شعر بامتنانك لوجوده في حياتك رغم كل أخطائه، تخيلوا معي بعد 10 أو 20 عامًا من اليوم أولادك يجلسون مع بعضهم بعد ما كبروا واستقلوا بحياتهم وتركوا البيت يتذكرون أيامهم في بيتكم.. فماذا تحبون أن يقولوا؟