بداية، كل التهنئة للدكتور طارق سيد، الذي توج يوم الخميس الماضي بـ وسام الشمس المشرقة-أشعة ذهبية وفضية، الذي يمنحه الإمبراطور ناروهيتو، نيابة عن حكومته، تقديرا لإنجازات مواطن مصري، موهوب، ومساهماته في تعزيز العلاقات المصرية-اليابانية، وتحديدا، في جانبها الثقافي، المتعلق بفنون وطقوس الشاي.
أيضا، كل التحية والتقدير والامتنان لسفير اليابان بالقاهرة، أوكا هيروشي، الذي استطاع –بمهارة غير مسبوقة- في الغوص بدهاليز المجتمع المصري، من قاعه إلى قمته وفي كل الأنحاء، للكشف عن جواهر متيمة بمحبة اليابان من المصريين.
قبيل حضوري مراسم الاحتفال بتتويج الدكتور طارق، بدار سكن السفير أوكا بالقاهرة، شاءت الظروف أن أشهد فيلما تسجيليا جرى بثه قبل بدء الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لحفلشاي ياباني -بطقوسه المهيبة-في نيويورك.
بدأت الدورة الأممية بقيام الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو جوتيريش، بـ قرع جرس السلام، الذي تبرع به ناشط السلام الياباني، ناكاجاوا تشيوجي في عام 1954، وهو مصنوع من عملات معدنية، قدمتها الدول الأعضاء بالجمعية العامة.
في كلمته الموجزة بهذه المناسبة، قال جوتيريش: "إن السلام هو وظيفتنا الأساسية، وليست مسئولية الحكومات والرؤساء وحدهم، فالسلام يخص كل واحد منا، دعونا جميعا نكون جزءا من هذه الدفعة من أجل السلام".
معلم تقاليد الشاي الياباني الشهير، سين جينشيتسو، قدم –بنفسه- الشاي لسفراء الدول الأعضاء، وقرع جرس السلام، داعيا أن يعم السلام، بقوله: "نحن نواجه وقتا حرجا، فليبذل كل سفير بالمنظمة الدولية جهدا لمد يد العون للدول الأخرى".
المعلم الياباني، الذي يشغل منصب سفير النوايا الحسنة للأمم المتحدة للعمل من خلال ريادته في فن طقوس الشاي، وجه حديثه للسفراء قائلا: "كوب الشاي مستدير، وهو يمثل الأرض، لذا فأنتم تحملون أرضا صغيرة بين يديكم، واليوم، أود أن تشعروا بالتوحد مع الشاي الأخضر، المقدم إليكم الآن في أكوابكم بهذا الحفل".
وفيما كانت عيناه مليئتان بالدموع، قال المعلم الياباني: "لا يمكن للكلمات أن تعبر عن الفظائع الحقيقية للحروب، لا ينبغي أن يحدث هذا على الأرض، يمكن أن يصبح القلب طيبا مع كوب بسيط للشاي، وبالتالي، لن تكون هناك أية حروب بعد الآن".
قصدت أن أنقل حرفيا وقائع بدء الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة بطريقة مؤثرة وفريدة، تمثل إحدى ظواهر "قدس أقداس" الثقافة اليابانية، الداعية إلى السلام من خلال تعزيز الروابط الإنسانية، وتعظيم الاحترام والترابط بين البشر.
هذه الروح السامية، التي توفرها طقوس وفنون حفلات الشاي اليابانية، يرفعها البعض في بلاد الشمس المشرقة إلى حد التقديس والصلاة، بما تتضمنه التفاصيل من تدريب روحاني، يعتبرها آخرون مناسبة للتجمع العائلي الحميم بمجلس أنس.
كثيرة هي المرات التي حظيت بها بحضور طقوس تقديم الشاي، خلال إقامتي في اليابان، مراسلا لـ الأهرام الغراء (2001-2005)، وفي مهمات صحفية وزيارات سياحية، متعددة وشبه سنوية، حتى أوائل نوفمبر 2019، وتوقفت بسبب الإغلاق.
في دار سكن السفير الياباني بحي جاردن سيتي، وفي العديد من المناسبات المتعلقة بثقافة بلاد الشمس المشرقة على مدار سنوات في مصر، شهدت تنظيم حفلات لفنون وطقوس تقديم الشاي يقودها- بمهارة وحرفية- المعلم الموهوب طارق سيد.
طارق هو أول مصري يقوم بتأليف كتاب باللغة العربية، بعنوان: طقوس الشاي وثقافة اليابان "ماتشا"، وقد جرت العادة -فيما سبق صدور هذا الكتاب منذ أيام- أن يبحث المواطن العربي عن فنون ثقافة الشاي اليابانية من مصادر ومراجع أجنبية.
في كلمته بمناسبة تتويجه بأرفع وسام إمبراطوري، وهو يعادل في اليابان جائزة "نوبل" العالمية، من حيث التكريم المعنوي، قال الدكتور طارق سيد: "لقد تعلقت بثقافة اليابان منذ سنوات دراستي في قسم اللغة اليابانية بجامعة القاهرة (خريج دفعة 1984)، وتعلمت في تلك الفترة العديد من جوانب هذه الثقافة الرائعة".
أضاف: "طقوس الشاي الياباني كانت محل اهتمامي وشغفي دائما، وقد عملت بجد لاستكشافها وفهمها على مدار العقود الثلاثة الماضية، وإن تعمقي في فنون الشاي، وفلسفتها تعلمت منه التواضع والانسجام والتقدير لـ اللحظات الصغيرة في الحياة".
بدوره وفي كلمته، أشاد السفير الياباني أوكا هيروشي بتعاون طارق سيد في خلال الفعاليات والمناسبات التي أقامتها السفارة، الخاصة بتقديم الشاي، وبصفته الرائد الأول في نشر هذه الثقافة بمصر، بما عزز علاقات الصداقة والتآخي بين البلدين.
كلمة السيد أوكا هيروشي عن الدكتور طارق، ووصفه بأنه الرائد المصري والعربي الأول لثقافة تقديم الشاي اليابانية، نبهتني إلى الحضور اللافت للسفير -نفسه- على جميع الأصعدة والمستويات، وبشكل يفوق معظم سابقيه من اليابانيين.
على مدى عقدين من اهتمامي بالملف الياباني، اقتربت من قامات دبلوماسية يابانية، في بلاد الشمس المشرقة –نفسها- وفي مصر، وقد فاضت برعايتها لي، وفتحت أسرار اليابان لي من أوسع أبوابها، هي مع حفظ الألقاب: تاكايا سوتو، ناتسؤو أريما، يوكيو أوكاموتو، كاورو إيشيكاوا، نوريهيرو أوكودا، تسوكاسا أيمورا، تاكيشي اوكوبو، كوتارو سوزوكي، وتاكيرو موري.
أيضا وخلال الفترة نفسها، تشرفت بالاقتراب من قامات دبلوماسية مصرية، تعلمت منها الكثير، وهي مع حفظ الألقاب: محمود كارم، وهيب المنياوي، عبدالفتاح عزالدين، هشام بدر، وليد عبدالناصر، هاني صلاح، صلاح عبد الصادق، طاهر فرحات، هشام الزميتي، أيمن كامل، وأحمد فاروق.
هذه القائمة الطويلة-العريضة من الدبلوماسيين المصريين واليابانيين، قصدت أن أذكر أسماء من اقتربت منهم، لدورهم السامي في تعزيز علاقات الصداقة والإخاء بين مصر واليابان، وصولا لما تتمتع به الآن من شراكة إستراتيجية شاملة، وأشهد أن السفير الياباني الحالي بالقاهرة، أوكا هيروشي، قد سجل -هو الآخر- اسمه في قائمة الشرف، بإجماع يسوقه كل من تعامل معه عن قرب، بصفته من أوائل الرواد.
[email protected]