Close ad

شهود عيان يروون لـ «الأهرام العربي» لحظات الفزع والموت في المغرب.. زلزال «الجبال المطوية»

23-9-2023 | 21:34
شهود عيان يروون لـ ;الأهرام العربي; لحظات الفزع والموت في المغرب زلزال ;الجبال المطوية;زلزال المغرب
زينب هاشم
الأهرام العربي نقلاً عن

خديجة عبد الحفيظ: أسر بأكملها دفنت تحت أنقاض بيوتها كنت وأخى نحفر بكامل قوتنا بحثا عن ناجين ولم نتمكن من إنقاذ أحد

موضوعات مقترحة

سعاد تاروت: كنت فى طريقى لزيارة صديقتى وتركت أولادى الثلاثة نائمين فى البيت الذى انهار فوقهم  

هبة الله محمد: كنت وأمى نرتب لحفل زفاف أخى وذهبت لشراء بعض الأغراض وعدت مسرعة لأجد أمى وأخى تحت الأنقاض

كانت ليلة نهاية الأسبوع، وكانت عقارب الساعة تقترب من منتصف الليل، أصبح الهدوء السمة الغالبة على أجواء مدينة مراكش المغربية المعروفة بـ»المدينة الحمراء» و»عاصمة النخيل»، وعمت السكينة أجواء البيوت، غالبية سكانها يلتفون حول بعضهم يتسامرون فى دفء وانسجام، وبعضهم ربما خلد إلى النوم استعدادا لصباح يوم قادم مشرق وجميل.

لكن ما حدث كان على غير العادة، تحول الدفء والهدوء اللذان يعمان المكان والسكان إلى صدمة ورعب، الأرض تموج تحت أقدامهم، وبعض البيوت تتداعى أمام أعينهم، ودفنت تحت أنقاضها أحبابهم.
فى لحظة غضب غير متوقعة من الطبيعة، جاءت موجات زلزال شديد بقوة 7.2 على مقياس ريختر، من ناحية «الجبال المطوية»، جبال أطلس فى أقوى هزة أرضية تشهدها المغرب منذ أكثر من 60 عامًا، وكانت مدينة مراكش المغربية الأكثر تأثرا بهذا الزلزال أيضًا، نظرًا لوقوعها قرب نحو 70 كيلو مترا فقط من جبال أطلس، المعروفة بأنها منطقة زلازل، ونتج الزلزال الأخير نتيجة حركة الصفيحة التكتونية الإفريقية عند نقطة التقائها مع الصفيحة الأوراسية.

«الأهرام العربى» كانت فى قلب هذا الحدث الأليم الذى ألم بدولة المغرب وشعبها الشقيق، عبر التواصل مع شهود عيان وبعض من أسر الضحايا، الذين يروون عبر السطور التالية، تفاصيل الصدمة والرعب التى عاشوها فى ليلة قلبت فيها الطبيعة موازين الحياة العادية، وحولتها إلى فصول من الحزن والألم.

حالة من الحزن الشديد، خيمت على دولة المغرب بكل مدنها، وذلك بعد وقوع زلزالها المدمر البالغ قوته 7.2 ريختر، والواقع على عمق 18.5 تحت سطح الأرض، ومركزه جبال الأطلس، المعروفة أيضا باسم "الجبال المطوية"، نظرا لأنها تكونت نتيجة اصطدام الصفيحة التكتونية الأوراسية فى الشمال والإفريقية فى الجنوب، ولقربها الشديد من مركز الزلزال، كانت مدينة مراكش أكثر المدن المغربية تأثرا بالزلزال، تلك المعروفة أيضا باسم "المدينة الحمراء"، التى اشتهرت بجمال مبانيها ذات اللون الأحمر المبهج، وتعتبر محط أنظار السائحين، كونها تضم مواقع أثرية تمثل أحد مواقع التراث العالمى لمنظمة "اليونسكو".
ترك الزلزال وراءه آلاف الضحايا والمصابين، الذين امتلأت بها المستشفيات التى فتحت أبوابها، وغرفها لاستقبال الجرحى والمصابين الذين وصل عددهم إلى نحو من 2700 قتيل، وأكثر من2500 جريح.
أول السطور الحزينة، جاءت عبر مكالمة مع السيدة المغربية "عتيقة محمد" التى انهارت فى البكاء، فور الحديث إليها، وعلا صوتها بالدعاء والرحمة على والدها الذى دفن تحت أنقاض المنزل، واستكملت حديث قائلة: والدى كان كل شىء لى فى هذه الدنيا، كنت أعيش بجواره ورفضت الزواج بعد وفاة والدتى حتى لا أتركه بمفرده، والآن صرت وحيدة بعد انهيار منزلنا.

أما المغربية "شادية حسن"، فتقول: أنا من سكان الدار البيضاء، ذهبت لزيارة خالتى فى مدينة مراكش لقضاء آخر أيام العطلة قبل الدخول إلى المدرسة، وفور أن طرقت باب الدار، فتحت لى وقلبها يكاد يطير من السعادة بهذه الزيارة، ولأسباب تعطلت، جلست معها وذهبت لمقابلة أصدقائى، وما إن وصلت إلى المكان المتفق عليه، شعرت بهزة أرضية عنيفة، وانهيار مبان بأكملها، هنا شعرت بالقلق الشديد على خالتى الوحيدة التى كانت تنتظر عودتى بعد مقابلة أصدقائى، وعدت إليها مسرعة لأجدها ترقد فى المستشفى إثر سقوطها من فوق سلم البيت، فى حالة صحية خطيرة.

أما "إلياس إسماعيل"، أحد سكان مدينة تراودنت بالمغرب، فيقول:  إنه لحظة وقوع الزلزال كان على موعد مع أحد أصدقائه لتوديعه قبل سفره إلى إسبانيا للدراسة، واتفقا على اللقاء فى ساحة مسجد الفناء، حيث الترفيه وأماكن السمر والسهر، لكن المكان كله انقلب رأسا على عقب، بمجرد الشعور بالهزة الأرضية، وجدت كل الموجودين فى الساحة يجرون بشكل عشوائى ولا أحد يعرف إلى أين يذهب، فهذا المكان كان أكثر ما يميزه الزحام الشديد والباعة الجائلون، الجميع لا يعرف إلى أين يتجه ومنهم كبار سن وقعوا على الأرض.

وتروى "خديجة عبد الحفيظ" قائلة: دارنا سقطت فوق رؤوسنا، وهناك مناطق بالكامل هدمت، وسكانها مازالوا تحت الأرض، وتعجز السلطات عن إنقاذهم، وحاولت أنا وأخى البحث عن الضحايا تحت الأنقاض، كنا نحفر بكامل قوتنا، لكن لم نتوصل، وهناك عائلات دفنت بالكامل تحت أنقاض بيوتها بالكامل.

وتحكى هبة الله محمد، التى تعيش فى مراكش مع عائلتها الذين توفوا جميعا بعد وقوع الزلزال بأقل من نصف ساعة قائلة: بعدما وقعت البناية ووقع أيضا أكثر من عشرة بيوت متجاورة، وكل بيت به عائلة لا تقل عن أربعة أو خمسة أفراد، البنايات هدمت بأكملها، ولم يتبق سوى أنقاض، وتستكمل الحديث قائلة: قبل وقوع الزلزال بلحظات كنت أتحدث مع والدتى فى الهاتف، كنا نرتب لعرس أخى، وكنت أسألها عن بعض الطلبات التى تريد شراءها، بعدها سمعت أصوات صراخ وضجيج، الجميع يجرين مهرولا ومنكبا على وجهه، هائما من الفزع والخوف، فتيات يجرين فى الشوارع ويصرخن قائلات: "أمى ماتت"، وآخريات بجانب البيوت المهدمة يبحثن عن فرق إنقاذ، يصرخن ويتوسلون إلى رجال الأمن بالتنقيب عن الضحايا والأهل قبل فوات الأوان، ذهبت إلى بيتنا، لكن لم أجد أحدا من عائلتى أو جيراننا، سقط البيت منهارا على أمى وأخى العريس المنتظر، واليوم وبعد مرور أيام على هذه الكارثة مازلنا فى حالة إعياء شديد وبكاء، نعيش مأساة لم يتوقعها أحد.

ويروى نعمان إبراهيم، حادثة وفاة والده الذى حمله فوق عنقه حتى يهبط به على درج السلم، بعد أن وجد جدران المنزل بالكامل تترنح يمينا وشمالا قائلا: كنا نجلس أنا وأمى وأبى وإخوتى، على الطاولة نتناول العشاء، فى جلسة ربما لم تشهدها أسرتنا منذ سنوات، حيث كان أخى عائدًا لتوه من فرنسا بعد سنوات من الغربة هناك، كنا فى هذا الجمع العائلى السعيد نأكل ونضحك، ونتفق على السفر إلى مدينة الدار البيضاء لقضاء عطلة ساحلية، وإذا بنا نجد البناية تهتز والأطفال تصرخ والجميع يخرج إلى الشوارع، سقطت جدران البيت فوقنا ولم ينج أحد من العائلة بأكملها، سوى أنا وابنتى الصغيرة ذات الثلاثة أشهر، بينما أبى وأمى وأخى وزوجتى اختفوا تماما تحت الأنقاض، استنجدت برجال الشرطة والإنقاذ الذين سرعان ما انتشروا، لكن الكارثة كانت أكبر من أن ينقذوا جميع من دفنوا تحت أنقاض منازلهم.

ويتحدث إدريس قدير، عن موت صديقه الوحيد بسبب الزلزال قائلا: صديقى كان مريضا، كنت دائما أزوره وأشترى له طلباته، هو وأطفاله الصغار، وفى صباح اليوم الذى وقع به الزلزال وجدته يتصل بى يطلب سلفة مالية لتسديد ثمن ترميم بيته، وفى المساء وأنا ذاهب إليه وجدت المنطقة تموج بكاملها، الأرض تهتز، والبنايات تسقط ودفن صديقى تحت أنقاض منزله هو وأسرته.

أما سعاد تاروت، فكانت لتوها قد تركت أولادها بمفردهم فى البيت وذهبت لصديقتها، وبعد أن شعرت بالزلزال عادت إلى البيت، وإذ بها لا تجد فى المنطقة بأكملها، سوى أنقاض ولم تستدل على أولادها، أو بيتها، وعندما علم أخوها بما وقع لها طلب منها أن تلجأ للمخيمات التى أعدتها الحكومة وفرق الإنقاذ لمن فقدوا بيوتهم، وذلك بعد أن قضت يومين كاملين تجلس فى الشارع تنادى على أولادها الثلاثة الذين توفوا نائمين، ولا تعرف ما إذا كانوا ماتوا تحت الأنقاض أم تم إنقاذهم.

ويتحدث مكنى مصطفى، أحد جيرانها قائلا: لم تكن سعاد بمفردها من عاشت لحظات الجنون وشتات العقل، فغيرها كثيرون ممن فقدوا أولادهم وآباءهم وعائلاتهم بالكامل تحت الأنقاض بسبب الزلزال، الذى هدم بيوتا كانت قديمة البنيان، حتى لو لم تكن قديمة، فهذا الزلزال القوى الذى شهدته البلاد، كان كفيلا بهدم بنايات حديثة، ونحن لم نر فى حياتنا مثل هذه الأحداث، فكان الأقوى على مدار عمرى بالمغرب، ومثل المغرب مثل أى بلد آخر نجد الرعاية والاهتمام، وفرق الإنقاذ فى المدن المهمة والكبيرة، وأعلم أن الزلزال طال أغلب مدن المغرب، وللأسف فى مدينتا الصغيرة، كنا ننفطر من الألم بسبب وقوع حالات الوفاة الكثيرة واستغاثة حالات أخرى لم نقدر بجهودنا الذاتية إنقاذها، بينما لم نجد من يأخذ بيدها وينقذها من فرق الإنقاذ، أو دور الإغاثة، فزادت مصيبتنا، وأصبحنا بلاى مأوى وبلا أهل وبلا بيوت ولا ندرى ماذا نقول هى إرادة الله.

أخطر الزلازل فى المنطقة العربية

على الرغم من أن المنطقة العربية من مناطق الزلزال متوسطة الشدة، فإن ما تعرضت له أخيرا من زلازل شديدة، يشير إلى تغييرات كبيرة، تجعلها تتحول إلى مناطق زلازل شديدة الخطورة،.
فى المنطقة العربية، هناك حزام البحر الأحمر وخليج العقبة الذى يتجه شمالا إلى الأردن والأراضى الفلسطينية وسوريا، ويتقابل مع شرق الأناضول. وهناك حزام منطقة البحر الأبيض المتوسط، الذى يبدأ شرقا من جنوب غرب تركيا وقبرص ويمتد غربا إلى أن يصل إلى المغرب، مرروا بمصر وليبيا والجزائر،. وهناك حزام يقع فى غرب المغرب مع المحيط الأطلسى، ويؤثر على المغرب وموريتانيا والسنغال ومناطق أخرى.

أخطر الزلازل التى ضربت المنطقة أخيرا:
> > ضرب زلزال بقوة 7.8 على مقياس ريختر، كل من تركيا وسوريا وقتل أكثر من 40 ألف شخص فى البلدين، وذلك يوم فى 6 فبراير 2023.
> >  ضرب زلزال بقوة 7.3 على مقياس ريختر، المنطقة الحدودية بين إيران والعراق وراح ضحيته 630 قتيلاً على الأقل، وأكثر من 8100 جريح، و70 ألف نازح.  وذلك فى 12 نوفمبر 2017.
> >  ضرب زلزال بقوة 6.3 على مقياس ريختر المغرب، وقتل 650 شخصًا معظمهم من سكان المناطق القروية وجرح 926، وشرد ما يصل إلى 15 ألف شخص. وذلك فى 24 فبراير2004.
> >  ضرب زلزال بقوة 5.8 على مقياس ريختر مصر، وكان مركزه بالقرب من قرية دهشور، بمحافظة الجيزة، وتسبب فى وفاة 561 شخصا وإصابة نحو 13 ألفا، وذلك يوم 12 أكتوبر عام 1992.
> > ضرب زلزال بقوة 6.2 على مقياس ريختر محافظة ذمار شمال اليمن، قتل 2800 شخص وجرح 1500، وأصبح 700 ألف شخص بلا مأوى. وذلك فى 13 ديسمبر عام 1982.
> > ضرب زلزال بقوة 7.3 على مقياس ريختر الجزائر، وقتل نحو 5 آلاف شخص وأصاب 9 آلاف شخص وذلك فى 10 أكتوبر عام 1980.
> > ضرب زلزال بقوة 8.8 على مقياس ريختر المغرب ، ووصف وقتها بأسوأ زلزال فى تاريخ المغرب، حيث قتل ما بين 12 إلى 15 ألف شخص. ويعرف باسم زلزال أغادير، وذلك فى يوم 29 فبراير عام 1960.

المناطق الأثرية الأكثر تضررا

تأثرت عدة مناطق أثرية فى دولة المغرب بالزلزال الشديد، الذى تعرضت له مساء الخميس قبل الماضى، منها مناطق مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمى.
ومن أكثر المساجد تأثرا بالزلزال مسجد تينمل الكبير، الذى تعرض لدمارٍ جزئى كبير، كما سقطت أجزاء كبيرة من صومعته بسببِ الزلزال، الذى تسبب فى الدمار الجزئى لعددٍ من المبانى التاريخية والأثرية، ويعرف أكثر باسمِ المسجد الأعظم، هو مسجد يعود للقرن الثانى عشر، ويقع فى قرية تينمل فى جبال الأطلس الكبير بالمغرب، ويعتبر نموذجًا مهمًا ومثالًا بارزًا على العمارة الموحدية فى المغرب.

كما تعرض مسجد الفناء، الذى يعد أهم علامات مدينة مراكش العتيقة، لضرر شديد، حيث ذكرت تقارير أولية أن جزءا من المئذنة التى تعلو جامع الفنا، وهو ساحة سوق ومركز للزوار.

ويعد مسجد الكتبية فى مراكش، من أعرق المساجد المغربية، إذ بنى عام 1147، على أنقاض أحد القصور المرابطية القديمة، وذكرت وسائل إعلام مغربية، أن المسجد تعرض لأضرار، لكن لم يتضح حجمها على الفور، وتعرف مئذنته باسم "سقف مراكش".

كما تهدم جزء من الأسوار العائدة للقرن الثانى عشر، المحيطة بالمدينة التى بنتها سلالة المرابطين نحو عام 1070.

ويقول محمد الشرقاوى البزيوى، أستاذ التاريخ المعاصر، وباحث فى قضايا الشأن الدينى: لقد قطعنا مراكش شارعا شارعا، ووقفنا على الآثار والمدينة العتيقة بصفة عامة، وابتداء من الأسبوع المقبل، وفق تعليمات الوزير، ستبدأ وزارة الثقافة إجراءات مع مكاتب دراسات ومختبرات ستحدد بالضبط مستوى التدخلات التى تتطلبها المواقع المتضررة".

ويضيف قائلا: عندنا فى المغرب يتم العمل بشكل جماعى، وليس فرديا، وهناك قرار وزارى بأنه سيتم ترميم جميع المآثر، بسبب الزلزال وهناك لجنة خاصة لمتابعة الأمور بوزارة الثقافة والشباب والتواصل.
لكن الجهود كلها منصبة حول ما يجرى للبؤر الرئيسية للزلازل، وإغاثة المواطنين والمؤن الغذائية وهى الأولوية، بينما ترميم الآثار بعد ذلك وستولى المملكة المغربية اهتماما كبيرا لها، لحجم الكارثة وننتظر ترميم السور التاريخى لمدينة مراكش، الذى أصيب بضرر بالغ ويخضع لشروط ومقاييس خاصة، كما تضررت مجموعة من الآثار التاريخية فظهرت شقوق فى السور التاريخى للمدينة العتيقة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة