في المسار البيئي الوطني لتنمية مستدامة، ولدت الأسبوع قبل الماضي، الدورة الأولى لـ "منتدى الاستثمار البيئي والمناخي"، تحت مظلة وزارة البيئة، وهو تطور متجدد يحاكي المبادرة "الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية" برعاية وزارة التخطيط والتنمية الإقتصادية، والهدف لكلاهما تمهيد وإعداد الطريق للاستثمارات الخضراء، والتي بدورها تصل بنا، حاليا ومستقبلا، إلى استدامة التنمية.
تكامل الحالة الرقمية مع الحالة البيئية، أيضا يساهم بقوة لتحقيق هذه الاستدامة.. حدث ذلك خلال فعاليات المنتدى، بإطلاق "منصة مصر الرقمية المتكاملة"، المتخصصة في بث بيانات السوق والدراسات المعنية بالمناخ والبيئة، وتوفير دراسات الجدوى الاقتصادية والفرص الاستثمارية الجديدة، لأن الاتجاه للطاقة الخضراء واعتماد سبل ومشروعات الاقتصاديات النظيفة، لا يهتم بحلول لتحديات المستقبل فقط، بل أيضا لمعالجة أزمات الحاضر، الذي يواجه أزمة طاقة حادة، تعتمد على النفط، ويعاني منها العالم الصناعي والنامي معا، حيث ترتفع أسعاره، وتتفاقم مشاكله مع تناقص المخزون.
كان المنتدى بمثابة ورشة عمل تدريبية شاملة، فقد جمع كافة الأطراف، الرسمي مع الأهلي، المستثمر ورجل الأعمال مع المسئول ومتخذ القرار، العالم مع الطالب، المنتج مع المستهلك، صاحب المشروع مع الفني والصانع، شيوخ الخبرات البيئية مع المتطوعين الشباب، كما تناغمت الحالة البيئية مع كل الانشطة والخدمات، ليصبح البند البيئي في صدارة الأولويات، فإن "الحالة البيئية" تتكامل مع كافة الوزارات، وتتفاعل مع كل المحافظات بلا استثناء، وتتشابك مع الهيئات والكيانات الاقتصادية والاجتماعية، والمهنية، فلا تجد نشاطا أو منتجا، إلا وكان المكون البيئي حاضرا ذا علاقة مباشرة أو غير مباشرة تحت مظلة "الشأن البيئي".
وهذا، وان أضاف أعباء جديدة ومهام متزايدة على الوزارة، فإن الوزيرة د. ياسمين فؤاد وطاقم وزارتها، تعمل وكأنها بمهام وزارة سيادية تمارس تخصصها المتنامي والمتشعب ليغطي كافة الزوايا والاهتمامات والتخصصات بنسبة 360 درجة.
المزيد من التكامل والتنسيق مطلوب بين "المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية"، وبين "منتدى الاستثمار البيئي والمناخي"، وخاصة بعد إنشاء المنصة الإلكترونية، ووحدة الاستثمار البيئي والمناخي، فإن تقييم المشروعات البيئية والمناخية سيشكل فرصة جيدة لرصد واعتماد المشروعات الأكثر نفعا وجدية والأكثر قابلية للتطبيق المتخصص، لتكتسب البيئة وقضاياها كل يوم مدارًا أوسع، فلم تعد خيارا يمكن تحريكه أو تأجيله، بقدر ما هو واقع ملح يتماس مع يوميات الناس والكائنات والطبيعة.
كانت الجلسة الأخيرة للمنتدى، وترأسها د. علي أبو سنة رئيس جهاز شىئون البيئة، من بين أهم الفعاليات لأهتمامها بالسياحة البيئية، حيث تحمل بعدا بيئيا وثقافيا واقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وسلوكيا في وقت واحد، وكما حددته "الجمعية الدولية للسياحة البيئية" هذا النوع من السياحة بأنه "السفر المسئول إلى المناطق الطبيعية التي تحافظ على البيئة، وتحافظ على رفاهية السكان المحليين، وتنطوي على التفسير والتعليم".
وإذا كانت الجهود الرسمية قد نجحت في الربط بين البيئة والمناخ بالاستثمار، فإن قطاع السياحة البيئية يعتمد على المكون البيئي المحلي، ومن ثم فإن تطوير هذه السياحة، بتأهيل البنية التحتية والطبيعية، وتقديم الخدمات بما لا يحدث تلوثا هناك بكافة أشكاله، فضلا عن تأهيل السكان المحليين في المحميات الطبيعية، أمر ملح.
لن نعيد تكرار حقائق يعلمها الجميع، وهي أن الموارد الطبيعية والبيئية والثقافية والبشرية التي تتمتع بها مصر، ما يضعها في صدارة الوجهات السياحية في مجال البيئة، لكن هذه الصدارة والوجود على خارطة السياحة العالمية مازال متواضعا، مقارنة بما تكتظ به بلادنا من موارد في كل اتجاه.
لدينا ما لا يملكه الآخرون من تراث وتاريخ وجغرافيا وآثار ومعالم ومتاحف ومسارات دينية، إلا أن الحصيلة، مازالت متواضعة لا تتناسب وطموحاتنا.. تم تطوير المحميات الطبيعية، عبر حملة "Eco Egypt" واهتمت، ومازالت، برفع الوعي لدى سكان المحميات، كما ذكر د.أبو سنة، وأضاف أن جهود وزارة البيئة أحدثت تحولا لدى المواطنين بالمجتمع المحلي بالمحميات، لترتفع تصاريح ممارسة النشاط إلى 125 تصريحًا، بعد أن كانت 15 تصريحًا عام 2018، ووصلت عوائد المحميات إلى حوالى 82 مليون جنيه.
وبرغم هذا النمو الجيد، أعتقد أن الوزيرة ورئيس شئون البيئة، لا يكتفيان بهذا الإنجاز الذي تحقق، فمازال لدينا الكثير لتنشيط هذا النمط من السياحة التي تنفرد بها بلدنا، ومن منطلق أن السياحة البيئية النظيفة أحد أهم أركان التنمية المستدامة.
هناك ضرورة لإعادة اكتشاف مصر عبر هذه السياحة، لتصبح وجهة السياحة البيئية الأولى على الكوكب.. كل مصر، جنوبها بثرائه المتحفي الخالد، وشرقها الكثيف بشعابه برا وبحرا، وغربها بغروده الرملية والحجرية المتفردة، وسيناء لديها 7 محميات طبيعية ودينية وثقافية، ناهيك عن أول عاصمة لمصر "الإسكندرية" بقلاعها ومكتبتها وتاريخها.
وضع مصر على خارطة السياحة البيئية المستحقة مسألة لا تحتاج إلى جهود استثنائية، بقدر ما هو مطلوب تطوير برامج وخطط الترويج والتسويق للوجهة السياحية، وبعث وإحياء الرونق والصيانة الجيدة للمنتج السياحي البيئي فائق الندرة، فضلا عن توحيد جهة القرار السياحي البيئي، والأهم إزالة المعوقات المادية والسلوكيات البشرية من أمام طرفي المعادلة، "السائح ووجهته".
[email protected]