هكذا هم المبدعون لا يرحلون عن محبيهم ما دامت أعمالهم خالدة في جبين الزمان، فروائعهم التي ملأت الأرض حُباً، تأبى إلا أن تسكن قلوب العاشقين ما بقي خفقانها، ربما تنطبق هذه الحقيقة بشكل أكبر على كروان الشرق فايزة أحمد التي تحل اليوم ذكرى رحيلها الأربعين في الواحد والعشرين من سبتمبر عام ١٩٨٣م.
موضوعات مقترحة
قُدر لأغنية "لا ياروح قلبي" أن تكون الأغنية الأخيرة لفايزة أحمد، حيث شدت بها قبل رحيلها بأيام، لكن ظروف ميلاد هذه الأغنية جعلتها تحظى بلقب "الأغنية اليتيمة"، فقد كتبها الشاعر الغنائي حسين السيد، ووقع الاتفاق مع الموسيقار رياض السنباطى، وفايزة أحمد، لكن السنباطي توفى في 9 سبتمبر عام 1981م دون أن يتم الكوبليه الأخير منها، وبعد عامين لحق به المؤلف حسين السيد في 27 مارس عام 1983م، دون أن يتم إنجاز الأغنية، التي أعلن نجل الموسيقار أحمد السنباطي عن إنجازها بعد إضافة إليها بعض المقاطع اللحنية التي تركها السنباطي في تسجيلاته الموسيقية الأخيرة.
في الفترة الأخيرة التي سبقت تسجيل الأغنية كانت فايزة أحمد تقصد المستشفى كل يومين من أجل الحقنة التي تزيل عنها آلام السرطان، وفي تلك الفترة أحاطتها أسرتها بالحب والرعاية، وبخاصة أولادها طارق وعمرو وفريال وزوجها الموسيقار محمد سلطان والعديد من الأصدقاء والفنانين منهم الموسيقار محمد عبد الوهاب، والمطربة وردة بعد أن تناست الخلافات والمنافسة الطويلة بينهما.
كان الغناء الدواء الوحيد الذي يجعلها ترتاح من الألم، ولم تتوقف في قمة آلامها عن الاستمرار في العمل، وأبقت على برنامج حفلاتها المُحدد.
واصلت فايزة جلساتها اليومية مع الفنان أحمد السنباطي، نجل الراحل رياض السنباطي لإكمال لحن والده الذي وضعه لفايزة أحمد ولم يكمله بسبب رحيله، ثم بدأت تحفظ اللحن وتجري التمرينات ثم حددت موعد التسجيل.
في ذلك الوقت وأثناء ذهابها من المستشفى إلى الاستديو مباشرة، صرحت فايزة لإحدى الصحف:"رغم الآلام المبرحة، كنت مُصرة على دخول الاستديو لتسجيل آخر ألحان الموسيقار رياض السنباطي؛ وذلك لسبب واحد، وهو أنني رغم تاريخي الطويل، لم أغنّ للسنباطي لحناً واحداً، ولم يجمعني به عمل، نسيت المرض ونسيت الآلام، وذهبت لتسجيل أغنية "لا يا روح قلبي أنا"، للشاعر حسين السيد، وعند تسجيلها شعرت بأنه كان يجب أن أفعل ذلك حتى لا أموت من دون أن أغني للسنباطي ذلك العبقري."
في غمرة الآلام التي اعترت الفنانة فايزة أحمد اتجهت إلى استوديو 45 بمبنى ماسبيرو، وشدت بأغنيتها الأخيرة، وهى جالسة على كرسي من شدة الإعياء، تحيط بها الفرقة الموسيقية، ورغم مرضها ققد أودعت فايزة كافة طاقتها الصوتية وإحساسها الرائع في غناء تلك الأغنية الجميلة، فكانت بحق مسك الختام لمسيرتها الفنية.
بعد أن أنهت الأغنية بكى كل من في الاستديو، من الشجو الذي أدت به فايزة الأغنية، حيث قال الموسيقار هاني مهنى، أحد أعضاء الفرقة إنه لم يسمع فايزة تغني بهذا الشكل الآخّاذ، الرائع النبرات، المتزايد الجمال والإبداع، فيما عبرّ أحمد السنباطي عن سروره قائلا:"إن والدي سيرتاح في قبره الآن فهو لم يكن يطمح بأكثر من هذا الجمال والروعة وحسن الأداء".
وبعد صدور الأغنية أجمع كل من استمع إليها بأنها العمل الأجمل الذي توّج مسيرتها الغنائية.
ومن الغريب أن فايزة تبدو وكأنها كانت ترثي نفسها في ثنايا كلمات هذه الأغنية التي تقول:"من النهاردة هعيش لأجمل حلم شفته.. وهفتكر بدموع أحلى عمر عشته"، ومع ذلك لم تعش فايزة، وماتت بعد أيام من تسجيل الأغنية، لكن بقي صوتها الذي لا يزال يلهب مشاعر الملايين من عشاقها حتى بعد 40 عاما من وفاتها.
فايزة أحمد خلال تسجيل آخر أغنياتها برفقة أحمد السنباطي وهاني مهنى