تعلن والطين يكسوها عن مولد جديد

19-9-2023 | 16:05

كأنها دمية يكسوها الطمي، لكنها طفلة في الدقائق الأولى من عمرها، ما زال الحبل السري عالقًا بها، أين ذهبت أمها؟ جرفها الإعصار بعد أن وضعت حملها، فلا تحزنوا أعزائي الثكالى، هناك رب سيرعاها، وقد تلقفتها الأيادي الحانية، وانتزعتها من الطين، هي آية الله، يخرج الحي من الميت، كما يخرج النور من الظلمات، لابد من استمرار العمران، ولن يتوقف الإنسان عن غرس بذوره، ما دامت الشمس تشرق.

وعجوز المغرب تتجول وسط حطام بيتها، لعلها تعثر على ما يسترها، ويكون عونًا لها على مواصلة مسيرتها على الأرض، وبرغم أحزانها لا يبرح الأمل فؤادها، وتتملكها عزيمة الإصرار على إعادة رفع قواعد منزلها من جديد، وهذا المكلوم يمشي مطأطئ الرأس ومن خلفه قبور فلذات أكباده، وقريبًا سوف تخبو عنه حدة الفراق، وسيرفع رأسه، وقلبه يتوطن بداخله غصة، وسيخطو نحو رحلة جديدة في حياته، برغم أن قدميه في البداية تخطو بثقل.

وما الحياة إلا أمل، والأمل يجعلنا نرتقب ساعة قادمة أفضل، ويقول رسولنا الخاتم: "إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدي أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها"، وذكرى الحبيب لا تفارقنا ونحن نتحدث عن الأمل، لاسيما وذكرى مولده العطر تدثرنا بأجوائها، فكم من محن تقلبت على المصطفى سيد الخلق، ها هو يواري ابنه القاسم ومن ورائه ابنه عبدالله، ولم يلبث وقتًا طويلًا حتى وارى ابنه إبراهيم، وعمره لا يتجاوز سبعة عشر شهرًا، وينطق لسانه الشريف بالحديث وعيناه تذرفان بالدموع: "إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَي رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ".

حزن النبي على الفراق، ولم يركن إلى الحزن، الذي استعاذ منه، ودعا الله أن يذهب عنا الحزن، الحزن يورثّ العجز والفشل، وقال ابن القيم إن القرآن الكريم نهي في أكثر من موقع عنه، وقال تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا"، وقال تعالى على لسان الرسول: "لا تحزن إن الله معنا".

ولم يغفل النبي عن الإبلاغ عن سلوك المسلم الواجب إزاء نازلة أصابته، أن يدعو الله ليلهمه الصبر، ويردد قوله الشريف: "ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، ، وأخلف له خيرًا منها"، والدعاء به وسيلة لتتنزل على المصاب السكينة، ولتهون عليه الألم، من أجل أن يستمر في العطاء وقلبه لم ينقطع الأمل عنه.

وتأتي البشارة من الخالق عز وجل ويقول: "وبشر الصابرين"، وفي أقداره تبزغ آياته، وتتلقف ضحايا الكوارث أيدي الرحمة الإلهية، حتى يدرك الأحياء قيمة الحياة والعمران، وليحافظوا جميعًا على بقاء الحياة، فلا يقتل أحدهم أخاه، ولا يعيثون في الأرض الفساد.

وأخبرنا الله تعالى في آياته أن الزرع يخرج من بين الصخر مخضرًا، وأن وسط ظلمة وصلابة الصخر تجد الدودة رزقها، وأنه يخرج من أصلاب الجاحدين من يسجد له زلفى حامدًا، وقد مات رسول الله وترك لنا نورًا، وهو الكتاب والسنة، لكي نحيا بهداهم.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة