في توقيته ومضمونه جاء بيان أمانة الحوار الوطني الصادر اليوم حول الانتخابات الرئاسية المقبلة حاملًا من الرسائل ما يمثل منهاج عمل وطني يحدد التزامات واضحة لكل أطراف العملية السياسية والقوى الوطنية في مصر، من أجل إنجاز انتخابات رئاسية تنافسية لأهم استحقاق دستوري في مصر التي تخطو نحو الجمهورية الجديدة بخطى وثابة وثابتة،..جمهورية تعلي قيم الحرية والديمقراطية، والعمل والإنتاج.
أمانة الحوار الوطني حددت ما يمكن وصفه بضمانات واضحة لتوفير مساحة مشتركة تجمع كل القوى خلف هدف واحد؛ وهو دعم دولة القانون والحرية المسئولة، ولعل البيان كان واضحًا في البند الأول بالدعوة لدعم الحياة السياسية؛ إذ اعتبر البيان ذلك مطلبًا ضروريًا، ووصف ذلك بقوله إن ذلك أصبح مطلوبًا بقوة، وممكنًا بلا مخاطرة، بعد نجاح الدولة والمجتمع في القضاء التام على خطر الإرهاب وغيره من أشكال التطرف والعنف والتحريض عليه.
كما كان البيان حاسمًا واضحًا بضرورة أن تتاح للأحزاب حرية التحرك لعرض برامجها على المواطنين، وتشجيعهم على الانضمام وممارسة العمل الحزبي بحرية، بالتوازي مع دعم حرية وسائل الإعلام؛ للقيام بدور مجتمعي حيوي وفاعل، وأعتقد أن هذه الإجراءات - التي اعتبرها بيان أمانة الحوار الوطني من الضرورات - تعد مبادئ أساسية لإقامة حياة حزبية سليمة.
فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، حدد بيان الأمانة عدة توصيات؛ في مقدمتها تأكيد حياد أجهزة الدولة تجاه جميع المرشحين، وتوفير المناخ المناسب لكل المرشحين في التحرك لعرض برامجهم بحرية، وضمان وجود تغطية إعلامية متكافئة بين كل المرشحين، وفي المقابل دعا البيان إلى توعية الناخبين بجوانب العملية الانتخابية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية ووسائل وأجهزة الإعلام المختلفة.
ولم يكتف البيان بهذا الحد؛ بل حدد خطة تحرك لما بعد الانتخابات الرئاسية، وفي مقدمتها استمرار العمل على نبذ العنف والإرهاب، والتوسع في العمل الأهلي والنقابي وإتاحة العمل للمنظمات الأهلية بحرية في إطار القانون، كما دعا إلى التوافق المجتمعي حول الإصلاحات الاقتصادية التي تحقق مصلحة المواطنين، وترفع مستوى معيشتهم، وتطبيق إجراءات الترشيد اللازم للإنفاق العام، دون تعطيل لخطط ومشروعات الدولة، وتشجيع الإنتاج والتصدير لدعم عملتنا الوطنية، ومن ثم دعم مستوى معيشة المواطنين كافة.
في تقديري أن أمانة الحوار الوطني بهذه الوثيقة الوطنية المهمة، وضعت الجميع أمام مسئولياته في هذا الظرف التاريخي، وتلك المناسبة الوطنية المهمة، ويقينًا أن مصر بنخبها وشعبها قادرة على أن تنجز هذه المرحلة، وتقدم للعالم صورة حضارية لانتخابات رئاسية تليق باسم وتاريخ مصر.
الأمانة الوطنية تقتضي كل تحرك وطني مسئول يدعم مسيرة هذا الوطن نحو التقدم والرخاء والاستقرار.. وإذا كانت الانتخابات الرئاسية - ذلك الاستحقاق الدستوري الأهم - قد حان أجلها، فإن الأمانة الوطنية تفرض على الجميع أن يجعل منها مناسبة وطنية ننطلق منها إلى الأمام في مرحلة جديدة من العمل والإنتاج وتجاوز التحديات، بعيدًا عن المزايدات الحزبية أو الأيديولوجية الضيقة، والمصالح الشخصية الزائفة.
ومع الأسف تخرج علينا هذه الأيام بعض الأصوات التي ترفع شعار الحرية والليبرالية، وتحاول أن تملي على المجتمع رؤية محددة بل وتضع نفسها في موقع تحديد من يترشح ومن لا يترشح في الانتخابات الرئاسية، في خطاب يتناقض مع مزاعم ليبراليتها، التي تدعيها، متجاهلة أن المواطن المصري لديه من الوعي ما يجعله يختار الأصلح الذي يحقق له أحلامه ومصالحه، أما محاولات التضليل وطمس الحقائق - التي تقوم بها بعض العناصر والقوى الكارهة لهذا الوطن، والتي تسعى لإفساد هذه الانتخابات، وبث روح الإحباط واليأس بين المواطنين - فالمؤكد أن مصيرها الفشل.لان أى مواطن يعى ويدرك حجم ما تحقق على أرض هذا الوطن رغم كل التحديات التي نشهدها .
إن وثيقة أمانة الحوار الوطني حول الانتخابات الرئاسية وضعت النقاط فوق الحروف، وحددت بحس وطني مسئول خارطة طريق واضحة وحاسمة لكل القوى الوطنية لإنجاز هذا الاستحقاق الدستوري بالشكل الذي يليق بمصر وشعبها العريق، يقينًا أن الشعب المصري سوف يفسد هذه المخططات، وسيقدم صورة حضارية أمام العالم كله، حين يخرج للتصويت ويختار بكامل إرادته.