عالم اللا سلم واللا حرب

19-9-2023 | 16:19
الأهرام العربي نقلاً عن

تقترب الحرب الروسية - الأوكرانية من النهاية، تعيش الآن حالة اللا سلم واللا حرب لزمن طويل.

 فشلت سياسة عض الأصابع بين المتنافسين، عادت قطع الشطرنج تقريبا إلى أماكنها السابقة، قبل اندلاع الأزمة فى 24 فبراير 2022.

انكشفت المواقف بوضوح فى قمة العشرين التى عقدت فى الهند.

الكتلة الغربية، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، تلقت انتكاسة فى توصيات القمة، وجاء تصريح الرئيس البرازيلى لولا دى سيلفا، بليغا وفصيحا عن الحال، فالرجل قال بوضوح، إن مكان  هذه الأزمة هو الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

شعر الرئيس الأوكرانى زيلينسكى، بأن حماسة الغرب فترت فى نهاية المطاف، وتقريبا خرجت تصريحات متفائلة من العاصمة الروسية موسكو بنتائج القمة.

أما العاصمة الأمريكية واشنطن، فيبدو أنها ستكون مشغولة لأشهر طويلة، بإعلان كيفين مكارثى، رئيس مجلس النواب الأمريكى، عن جمع أدلة لعزل الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى فصل جديد من الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، بدأ بتقديم الرئيس دونالد ترامب إلى أربع محاكمات مختلفة، فى وقت يحظى فيه بشعبية جارفة فى منافسات الانتخابات الرئاسية 2024.

الحال فى أوروبا لا تختلف عن حال واشنطن، فالملل من إطالة أمد الحرب الروسية - الأوكرانية دون حسم، يجعلها وكأن أوروبا الخاسر الوحيد، من حرب تدور على أراضيها، وهى التى كانت تفكر فى أن الحرب العالمية الثانية، هى آخر الحروب فى القارة العجوز، وقد وجدت نفسها فى صراع تفتيت يوغسلافيا السابقة، ثم فى حرب العرق السلافى المنقسم، غير تلك الحروب المندلعة على هوامشها فى إفريقيا والمنطقة العربية، نتيجة ربيع أسود، عمدت إلى تغذيته بالتدريب والأموال والدعاية.

رقعة الشطرنج المغلقة هذه فى نهايتها ضوء فى آخر النفق، فكما فشلت سياسة عض الأصابع، وكادت تتحول إلى حرب عالمية ثالثة ونهائية، يفنى فيها البشر والحجر، حدث أن تقدمت دول، وتطورت أمم، وأدركت كتل سياسية عالمية، أن لعبة الشطرنج هذه لم تعد مفيدة، وأن ما تم التخطيط له بليل، صارت تذروه عواصف التغيير العنيف، عبر المناخ المنفلت مرة، وعبر تغير مزاج العالم مرات، وعبر الهروب من صورة مضللة، رسمتها الدعاية المزيفة على مدى عقود طويلة.

الشاهد أن النظام الدولى تغير فى الواقع رغما عن أصحابه الأصليين، ودون معرفتهم فى الحقيقة.

يتجلى هذا التغيير فى أبرز صوره، فى البحث عن عملة أو عملات عالمية بديلة للدولار، وعودة اقتصاد المقايضة، واستخدام الذكاء الصناعى فى عصر صناعى جديد، تتنافس فيه مراكز بعيدة عن مراكزه الأولى فى الغرب.

صار النظام الدولى القديم، كمن وجد نفسه فى متاهة، كلما وصل إلى نهايتها انفتحت أخرى، والدليل ما يجرى فى إفريقيا من تمرد على سياسات استعمارية، طالت أكثر مما ينبغى، والعجز التام من قبل المستعمرين القدامى عن أى فعل.

الشاهد أن أصحاب النظام الدولى استهلكوا طاقتهم فى معارك مستمرة، كانت كل حرب تلد أخرى، وأرادوا أن يكون جميع البشر  كشرائح موبايل، على طريقة القياس الموحد للسلع، ولكن الناس ليسوا كذلك.
أليس غريبا أن الدول والشعوب التى خضعت للاستعمار، صارت أكثر إدراكا للمصير، وتعمل على تجنب تكرار التجارب المريرة التى عاينتها على مدى طويل؟ بينما الدول التى تتخذ من نفسها منبرا للتقدم والتحضر، تكرر التجارب نفسها، بنفس القياس الذى فشلت فيه سابقا؟

يبدو أن التكرار لا يعلم الشطار لديهم.

إنها تدور كما قال جاليليو عن الأرض ذات يوم، وها هي تدور.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: