لهفة الأشقاء لإغاثة الجارة المنكوبة تٌظهر معادن الرجال، وصفها العرب القدماء بالنخوة، فإذا بالأوفياء من ذوي الشهامة من المغرب إلى الخليج يفزعون لنجدة أهل المغرب، ولم يلبثوا سويعات إلا وسارعوا إلى غوث غرقى ومصابي ليبيا، وضجت أصواتهم في السوشيال ميديا بالدعاء والدعوات لبذل العطاء، وتصدر لهم "هشتاج".. "#أغيثوا المغرب" و"هشتاج" آخر "#أغيثوا ليبيا".
النخوة فضيلة راعاها رسولنا الحبيب وحرص عليها، وكان أول من علم البشرية الإخلاص والمبادرة إلي إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وجعلها دليلًا على صحة عقيدة المسلم، ووثقها بصدق إيمانه بالله، فمن أحرص عليها أجزل الله له في العطاء، واصطفاه مع الشهداء والقائمين على عبادته، وهنا يقول النبي: "أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ…"ويعني المسجد النبوي، وشّرف الحبيب في حديثه: "الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ".
وما أثمن أن تظل أجواء الاحتفال بذكري مولد أشرف الخلقً، ونحن نتأسى برافدة من روافد أخلاق الرسالة النورية الخاتمة، ونجدة المنكوبين تعد من شهامة العظماء، ولم يستثنِ منها رسولنا الكريم أحدًا من غير المسلمين، رغم عداوة قريش وإيذائها للمسلمين، جاء أبوسفيان إلى النبي وطلب منه الاستسقاء، فكيف يرفض؟ وقد وصفه رب العزة بقوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم".
وهو من علم أهل الشرك في فتح مكة المعنى الحقيقي للنخوة، وقال: "يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء.. الناس من آدم وآدم من تراب"، ثم يلقنهم درسًا عمليًا في النخوة والشهامة يوم فتح مكة، ويقول لهم: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم"، قالوا أخ كريم وابن أخ كريم"، قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
النخوة والشهامة لا تثير سوى الرجال والنساء الأوفياء، وقيل عنهم "يسارعون في الخيرات"، يخلصون في الأداء بقلب سليم، ليس من قبيل الزهو، أو تسديد الفواتير، أو من أجل تسجيل مواقف بطولية زائفة، وفوق ذلك يقدمون أغلى ما يملكون بنفس راضية، ولما الدهشة ومعلمهم النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، فقد بادر أبوالدحداح إلى حضرة الرسول فور سماعه قول الله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له"، وتبرع في حينها دون تردد بأفضل ما يملك في مقابل نخلة في الجنة، وكان بستانًا من أجمل وأكبر بساتين المدينة المنورة.
[email protected]