تبدأ الحياة مع براءة الطفولة العفوية التي يسعى بها الأطفال وراء أحلامهم وطموحاتهم، يلعبون ويلهوون ويسعدون كثيرا في هذه الأوقات التي تصنع لهم العديد من الذكريات السعيدة، التي ترافقهم طوال سنوات حياتهم، ولكن ماذا إذا تحولت هذه السنوات إلى كابوس يطاردهم ولا يستطيعون التخلص منه؟
موضوعات مقترحة
تتحول حياتهم إلى سنوات ضائعة، شبح يتحرش بذكرياتهم ويصنع منهم مجرد عرائس يتم تحريكها من خلال الخيوط واللعب بها ليتدمر الماضي والحاضر والمستقبل!!
زواج القاصرات هو عادة سيئة دمرت حياة العديد من الفتيات الصغيرات البريئات وحرقت حياتهن، لتبقى غضبا في قلوبهن إلى "ما لا نهاية".
منة (20 عاما) إحدى ضحايا الزواج المبكر، حيث تم زواجها وهي في 14 من عمرها بناء على رغبة أهلها، حتى لا يفوتها فرصة الزواج وتقوية العلاقات بين العائلتين والمصالح، هذه الأسباب تسببت في تدمير حياة هذه الطفلة التي لم تكن تعلم ما هو الزواج، تم إجبارها على الزواج نظرا لأنها تعيش في مجتمع يشجع على تزويج الفتيات في سن مبكرة، بهدف منع وقوعهن في الخطيئة وحمايتهن من الانحراف والاستغلال، وفقا لما يتردد بين العوائل، عانت من العنف الجسدي خلال أيام زواجها الأولى، الذي تسبب فيه زوجها، وصارت هذه الطفلة، التي لا يتجاوز عمرها 14 عاما، حاملا.. تقول عندما علمت بحملها "اعتقدت أنني سأتخلص من العنف الجسدي وأن هذا الحمل سيكون حبل النجاة لي.. لم أكن أعلم أنه في الحقيقة بداية الظلم الحقيقي الذي سأتعرض له".
وتحكي لنا منه أنه في أحد الأيام حدث شجار بينها وبين شقيقة زوجها، حيث قامت شقيقة زوجها أيضا بضربها وطردها من المنزل في الليل، ذهبت منه إلى منزل والديها في الليل، وعيناها مليئتان بالدموع، لتطلب منهم عدم إعادتها إلى هذا الشخص الظالم والمستبد، وإلا ستنهي حياتها وبالفعل، وافق والداها على رغبتها في الطلاق من هذا الظالم، وفي الصباح، ذهب والد منة إلى الزوج وطلب منه طلاق ابنته ووافق هذا الظالم، ولكن كان لديه شرط أن تتنازل عن حقوقها وحقوق ابنتها حتى يقوم بطلاقها والتنازل عن ابنتها.
قالت والدتها: "كنت أرغب في أن تتزوج ابنتي وتبني حياة وبيتا جديدا، ولم أكن أعلم أن هذه ستكون النهاية... أنا ندمانة جدا على ما فعلته، وأنني دمرت حياة ابنتي وحفيدتي".
قال والد الفتاة: "لم أكن أعلم أن هذا سيكون نتيجة زواج ابنتي وهي صغيرة ففي مجتمعنا، تتزوج البنات في سن مبكرة، وأمها متزوجة 12 سنة، ونحن متزوجون منذ 25 سنة، وفي مودة ورحمة بيننا".
سلمي ذات الــ 16 عاما طفلة في بداية طريقها لم تكن تعلم ما تخبئه لها الحياة والدنيا لقد تزوجت في سن صغير بسبب جهل والديها، وعلى الرغم من رؤيتهم لأحلام طفلتهم الكبيرة لقد كانت تطمح سلمي في أن تكون دكتورة للأطفال، لمساعدتهم.. ولكن سرعان ما تهشمت أحلامها واصطدمت في أرض الواقع بعد تسليمها لزوجها وقتل طفولتها، لقد عانت سلمي من هذا الزواج وفوق كل هذا عانت من عنف زوجها لها وضربها المستمر، وذات يوم خسرت سلمي جنينها والرحم بسبب ضرب زوجها لها فأصبحت سلمي ضائعة تائهة خاسرة لكل شيء.
تحدثت "ن. ع" البالغة من العمر ٥٠ عاما: "مش قادرة أنسي اليوم ده ولا أن أشيله من ذاكرتي أنا فاكرة تفاصيل اليوم كانت مؤلمة أوي وصعب وصف شعوري وقتها ولكن كان لازم ييجي وقت وأتكلم لأن ده كل ما في استطاعتي لمحاولة تغيير الحاضر لكتير من البنات الصغيرة.. في البداية، كنت طفلة صغيرة في سن ١٢ عامًا، وتم إجباري من قبل أهلي على الزواج من ابن عمي، قالوا لي إنها مجرد لعبة وأنه لا يوجد ما يدعو للقلق ووافقت لأنني كنت طفلة وأحب اللعب، وفكرت أنها حقًا لعبة لم أكن قادرة على فهم ما يخبئه القدر لي، تزوجنا وذهبت معه إلى منزله، وبدأت أشعر بالخوف والرعب كنت هناك وحيدة وبدون أي أحد من أفراد عائلتي، بدأت أفكر في ماذا يمكنني أن أفعل وكيف يمكنني التصرف، كنت محاصرة في هذه اللعبة التي قيل لي عنها، ولم أكن أعرف كيفية الانسحاب منها، حاول معي مرارًا وتكرارًا، ولكنني لم أفهم ما يحدث وماذا يجب أن أفعل... استمررت في الصراخ، ولكن لم يسمعني أحد ولم يحاول أحد إنقاذي وحدث ما حدث بعد ذلك، حملت بابنتي الكبيرة ولم أكن أفهم ما يحدث في بطني وكيف يمكنني أن أكون حاملًا في سن صغيرة وأنا لا أزال ألعب في الشارع ولا أفهم أي شيء مما حدث... عندما ولدت بنتي، تركتها ونزلت للعب في الشارع، ولم أكن أعطيها الاهتمام والتربية الصحيحة، فقد كنت طفلة أيضًا الزواج دمرني ودمر حياتي وحياة بنتي، كنت أكره أنفاس زوجي وأكره أن يلمسني أصبحت أكره عائلتي وكل شيء يتعلق بها، وتراكمت في قلبي كل هذه الكراهية لدرجة أنني أكره بنتي وأعاملها بقسوة، لأنني شعرت أنها سلبت طفولتي مني عندما كبرت قليلاً، تعرضت لحالة نفسية وأصبحت أحلم بهذا اليوم وأصرخ، أصبحت عقدة في حياتي تم توجيهي إلى طبيب نفسي ليساعدني، لأنني حاولت الانتحار أكثر من مرة وفشلت في ذلك، لأن ربنا لم يكن يريدني أن أموت كافرة، استمررت في الشعور بأن هناك شيئًا يطاردني في النهاية، أخذت ابنتي وهربت ولكن عثر زوجي عليا وحبسني وعذبني ومنعني من رؤية ابنتي حتى يتم تعديل حالتي كما قال، اضطررت للتحمل والصمت لأتمكن من البقاء مع ابنتي كنت أموت كل يوم وحتى الآن، ليس لدي ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل، ولا حتى ابنتي بسبب جهلي وضعفي وعدم قدرتي على مساعدتها وتقديم ما تستحقه أنا فقط أطالب جميع الجهات الحكومية بمساعدة الفتيات اللاتي يعانين من مثل هذه الحالات ووضع قوانين تعاقب أي شخص يقوم بإجبار أطفاله على الزواج في سن صغير بأي حجة".
تواصلنا مع الدكتورة شيماء حلمي أستاذ الاجتماع التي قالت: "الزواج المبكر هو خطر جسيم تقع فيه الفتيات تحت سن ١٨ سنة نتيجة للتسرب من التعليم أو الخروج من سلطة الآباء أو الرغبة في الإنجاب في سن مبكر قد تلجأ بعد الأسر لزواج الفتيات مبكر من أجل سداد الديون أو من أجل ميراث أو اعتبارهم عب ماديا عليهم.. قد يؤدى الزواج المبكر إلى العديد من المشاكل منها الطلاق المبكر أو انفجار في الرحم عند الخلفة في سن مبكر".
كما قالت الكاتبة رحاب لؤي "إن السبب الرئيسي لزواج القاصرات هو التخلص من عبء العناية بها بدعوة "سترها" لكن النتيجة التي وصلت لها أن الزواج عادة بيكون مقدمة لكارثة أكبر لأن البنت اللي بتجوز بتكون اتجوزت دون ورق رسمي "عرفي" والزوج ممكن يسافر أو يموت أو يهرب والبنت في الحالة دي ممكن تخلف والطفل وقتها ميبقلوش أب ينسبوه له... فبيتسجل في الأوراق لجده لأمه يعني "أبو البنت" وده طبعا يعمل خلط أنساب ومشاكل كثير جدا ويضيع حقوق البنت بالكامل".
فيما قال د. مصطفى عبدالسلام "أخصائي نساء وتوليد" بطب قصر العيني: "إن هناك العديد من الحالات المأساوية التي كان يجب التعامل معها فورا والتدخل الطبي العاجل بسبب زواج القاصرات وذلك بسبب صغر سنهم والأضرار الجسيمة التي تعرض لها الرحم ومن أصعب الحالات التي عملت عليها كانت فتاة صغيرة تبلغ من العمر 11 عاما كان زوجها لم يعلم كيف يتعامل معاها وتعامل معاها بعنف حتى وصل الأمر للنزيف الحاد وإزالة الرحم ودخولها في غيبوبة كاملة وهذا ما جعلني حزينا للغاية على سوء حظ هذه الفتاة الصغيرة التي فقدت كل شيء في هذا العمر".
وأوضح محمد عزت "مأذون" قائلا: "قانونا مينفعش لكن شرعا يجوز بولي وبشروط النكاح ولا يتبقى في بلدنا، أنا محدش قبلني من حالات زواج القاصرات لكن في أماكن معينة في البلد هنا ممكن يكتبون الكتاب وتكون قاصر بس مش بيوثقوا العقد، من وجهة نظري لو نتكلم عن الشرع فمش هخالف الشرع إنما من الناحية القانونية ممكن موثقش لكن ينفع أو مينفعش بيكون راجع للطب هل هي تتحمل الوطء ولا لا تتحمل، أنا رأيي في زواج القاصرات مش هيخالف الشرع طبعا لأن الشرع لا يحدد سنا للزواج مقلش تنكح المرأة في الثامنة عشرة، لكن في هذا الزمن يمكن أن تكون البنت مش قاصر ومش بتتحمل الزواج، كما أن رأي الدين إذا بلغت الأنثي وتتحمل الزواج... الدين لا يخالف هذا ونرجع للطب إذا كانت الأنثي تتحمل ده ولا".
صورة ارشيفية
فيما قال المستشار القانوني "محمد الهلوتي" "إن نص المادة 227 الخاص بزواج القاصرات ينص على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 50.000 ألف جنيه ولا تزيد على 200.000 ألف جنيه وتقع هذه العقوبة علي كل من تزوج أو زوج ذكرا أو أنثي لم يبلغ الثامنة عشرة سنة، كما يعاقب أيضا بالحبس كل من المأذون أو الموثق بالحبس 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 120.000 ألف جنيه إذ لم يخطر النيابة عن واقعة زواج لمن هم دون السن القانوني".
وقال: أرى أن الطفلة أو القاصرة هي سيدة المستقبل ونصف المجتمع ولها كل العناية والاهتمام والتصدي لكل من يحاول قتل البراءة والطفولة حتي ولو أقدم علي ذلك أب أو أم.. فسيد الخلق أوصانا بالنساء خيرا فقال صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "أوصيكم بالنساء خيرا".
المستشار محمد الهلوتي