تراجع المساحات المنزرعة من المحاصيل الزيتية فى الأراضى المصرية كمحاصيل القطن والسمسم وفول الصويا وعباد الشمس يرجع إلى عدم تطبيق الدورة الزراعية وكذلك الزراعة التعاقدية التى تضمن للمزارع تسويق المحصول، فضلا عن أن فجوة الاستيراد تتسع بسبب سياسة الجزر المنعزلة التى تعيشها الوزارات المعنية بزراعة وصناعة وتسويق تلك المحاصيل الزيتية المهمة.
هذا بعض مما طرحه الدكتور محمد عبد الحميد عطية، أستاذ المحاصيل بمركز بحوث الصحراء، فى حواره لـ «الأهرام التعاوني»، مضيفا أن زراعة دوار الشمس تعد الأفضل فى الأراضى المصرية مقارنة بباقى المحاصيل الزيتية الأخرى لتحملة الاجهادات البيئية المختلفة والامراض، علاوة على تحميلة على زراعات اخرى وتحقيق الاستفادة القصوى من وحدة المساحة، كذلك أزمة واردات السمسم السوادنى إلى مصر أربكت أسعار الصناعات الغذائية التى تعتمد عليها.. فإلى نص الحوار.
< كيف ترون أزمة المحاصيل الزيتية فى مصر؟
توجد فجوه غذائية للمحاصيل الزيتية تتجاوز نسبة 98 % على حسب تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، كما تحقق مصر من 1- 2 من الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزيتية، ونستورد ما يقارب من 2.6 مليون طن سنويا من نواتج المحاصيل الزيتية سواء كانت زيوت مكررة أو غير مكررة أو بذور لاستخلاص الزيت منها، كما يعد فول الصويا من أكثر المحاصيل التى يتم استيرادها حيث يصل لحوالى 2 مليون طن سنويا مما يكلف خزانة الدولة العديد من المليارات.
وتشير أيضاً إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء والتى تدل على تدهور زراعة المحاصيل الزيتية أن عباد الشمس تراجعت المساحة من 73 ألف فدان عام 1991 الى 15 الف فدان لعام 2016. كما تراجعت مساحات الفول الصويا من 100 الف فدان عام 1991 الى 32 الف فدان عام 2016، بينما تراجع القطن خلال فترة التسعينات من 2 مليون فدان الى 20 الف فدان خلال الوقت الحالي.
أما السمسم فقد تراجعت مساحته من 70 ألف فدان عام 1991 الى 64 الف فدان عام 2014، بينما ظل الفول السودانى المحصول الوحيد الذى لم ينخفض على مدار ال 10 سنوات الأخيرة حيث بلغت المساحة المنزرعة 134 الف فدان.
وتشير الإحصاءات على أن نصيب الفرد على مستوى العالم من الزيوت 32 كجم سنويا بينما يبلغ نصيب الفرد فى مصر 20 كيلو جرام مما يشير لعجز يبلغ 12 كجم.
< ما أهم أسباب تدهور وانخفاض الإنتاجية؟
عدم اتباع وتطبيق الدورة الزراعية حيث لا تأخذ المحاصيل الزيتية القدر الكافى من حيث مساحات الدورة الزراعية. وأيضا انخفاض الإنتاج المحلى من محصول القطن والذى كان يعتمد عليه فى إنتاج الزيت حيث انخفض الإنتاج من 394 الف طن فى عام 2006 إلى 83 الف طن فى عام 2015 وكذلك عدم توافر الإجراءات والسياسات الحكومية المشجعة على زراعة المحاصيل الزيتية، وكذا وجود التنافس بين محاصيل إستراتيجية ومحاصيل ذات ربحية أعلى مثل القمح وارتفاع أسعار المحاصيل الزيتية المحلية عن المستوردة، فإهمال الدورة الزراعية والزراعة التعاقدية وراء تراجع مساحات المحاصيل الزيتية فى مصر.
< برأيكم، هل توجد أسباب أخرى لتراجع المحاصيل الزيتية؟
بالفعل توجد أسباب أخرى كاتجاه الدول المنتجة للزيوت بأن تستعمل الفائض منها فى إنتاج الوقود الحيوى نتيجة ارتفاع أسعار البترول؛ حيث تمتلك هذه الدول 60 % من إنتاج الزيوت النباتية، وكذا عدم وجود سياسة تسعيرية وتعاقدية مع المزارعين على شراء المنتج من المحاصيل الزيتيه، وعدم توافر أماكن مجمعه لتجميع المحاصيل الزيتية ومصانع لاستخلاص الزيوت فى أماكن زراعتها.
بالإضافة لعدم استغلال الأراضى المستصلحة حديثا والأراضى الصحراوية فى زراعة المحاصيل الزيتية وكذا عدم الاستفادة من أراضى الزراعة المطرية بالساحل الشمالى الغربى والشرقى بسيناء وتوفير ريات تكميلية لإنتاج محصول اقتصادى من المحاصيل الزيتية، علاوة على ضعف منظومة الإرشاد الزراعى للتوعية الكافية بأهمية زراعة تلك المحاصيل عزوف المستثمرين والقطاع الخاص عن المشاركة فى زراعة وإنتاج المحاصيل الزيتية، بالإضافة إلى عدم توافر الأصناف الجيدة والعالية الجودة والمقاومة للآفات والأمراض، وأخيراً قلة الوعى لدى معظم المزارعين عن أهم الممارسات الزراعية اللازمة لزيادة الإنتاجية.
كما أشدد هنا بأن استمرارية سياسة الجزر المنعزلة وعدم الترابط والتكامل والتجانس بين الوزارات المعنية بزراعة وانتاج وتسويق المحاصيل الزيتية ( الزراعة، الصناعه، التجارة، الري، الإستثمار) تتسبب فى تفاقم وتصدر أزمة الزيوت فى مصر.
< ماذا عن أفضل المحاصيل الزيتية التى يمكن التوسع فى زراعتها بمصر؟
تتربع زراعة محصول دوار الشمس على عرش المحاصيل الزيتية أهمها وأفضلها فى مصر لعدة أسباب يأتى فى مقدمتها إمكانية زراعته فى الأراضى الرملية والجيرية منفردا أو تحميلا على بعض المحاصيل الأخرى (الطماطم، الفول السودانى، لب الكاوتش، الخيار، الذرة الشامية وغيرها)، وكذلك قصر فترة النمو ولذا يمكن زراعته فى 2-3 عروة فى موسم النمو الواحد، العروة الصيفية المبكرة: خلال شهرى مارس وإبريل، العروة الصيفية: خلال شهرى مايو ويونيو،العروه النيلية: فى مصر الوسطى والعليا خلال شهر يوليو وحتى اوائل أغسطس كما يمكن زراعته كمحصول شتوى فى الوجه القبلى محملا على القصب.
كما يزرع محصول دوار الشمس بعد المحاصيل الشتوية المبكرة مثل الحلبة والفول البلدى والشعير والأعلاف كالبرسيم المصرى، ويمكن زراعة الذرة الشامية النيلية بعد دوار الشمس ناضجة فى أوائل يوليو، ودوار الشمس يمكن زراعته فى اى وقت تكون الأرض خالية وخاصة عند توافر الأصناف المبكرة قصيرة العمر.
كما تحتوى بذور دوار الشمس على نسبة عالية من الزيت (40 -45%) والذى يعد من أفضل الزيوت النباتية بعد زيت الذرة الشامية والأكثر استهلاكا فى مصر، علاوة على أن الكسب المستخرج من البذور سواء المبشورة أو غير المبشورة ذو قيمة غذائية عالية، وتدخل فى صناعة علائق الحيوانات والدواجن، كما يمكن زراعته فى الأراضى التى تعانى من نقص وشح فى المياه والأراضى الملحية حتى 3000 جزء فى المليون.
< وماذا عن أهم أصناف دوار الشمس؟
الصنف سخا53 تجود زراعته فى جميع مناطق الجمهورية ويمكث فى الأرض من 90-95 يوم فى الموسم الصيفى الرئيسى، ويصل إلى 100 يوم فى العروة المبكرة والنيلى وتصل نسبة الزيت إلى 40-42%.
الصنف جيزة 102: تجود زراعته فى جميع مناطق الجمهورية ويمكث فى الأرض من 70-75% حتى النضج، مقاوم لأمراض عفن القرص والساق نسبة الزيت 41-43% ومتوسط الإنتاجية 1-1.5 طن/فدان.
كما يلاحظ هنا ضرورة مراعاة الالتزام بمواعيد العمليات الزراعية المختلفة من خف وعزيق وتسميد.
< كيف يمكننا تقليل الفجوة من الزيوت وزيادة انتاجيتها؟
يمكن تقليل فجوه الزيوت وتقليل واردتنا منه من خلال الخروج إلى البيئات الصحراوية والتوسع الأفقى لزيادة الإنتاجية بمناطق (سيوه - الوادى الجديد - جنوب وشمال سيناء، توشكي، الساحل الشمالى الغربى)، وكذلك استخدام الرى التكميلى بواسطة طرق حصاد مياه الأمطار واستعمال خزانات المياه واستغلال الخنادق والثواني الرومانية وتحلية مياه البحر الآبار الجوفية، وأيضاً اختيار المحاصيل الزيتية والتى تتناسب مع البيئات المختلفة كدوار الشمس والكانولا والقطن وفول الصويا والسمسم والكتان.
كما يمكن تقليل الفجوة أيضاً بواسطة وضع إستراتيجية للسياسات التسعيرية للمحاصيل الزيتية أى التعاقد مع المزارعين على زراعة وتوريد المحاصيل الزيتية؛ نظراً لأن عدم تواجد التعاقدات والسياسة السعرية يجعل المزارعين فى حالة عزوف عن زراعة المحاصيل الزيتية على اعتبارها غير مجزية، علاوة على صعوبة التسويق وعدم منافسة المحاصيل الأخرى وكذلك العمل على تواجد شركات العصر والاستخلاص فى أماكن منتشرة على مستوى الجمهورية قريبة من أماكن الإنتاج، وكذا اختيار أفضل الأصناف التى تتحمل الإجهادات المختلفة، وكذا استخدام الممارسات الزراعية، والتى تتناسب مع كل بيئة من البيئات المختلفة (التكنولوجيا الحديثة فى الرى والتسميد، والأسمدة الحيوية المختلفة، مواعيد الزراعة، وآلية الحصاد، وطريقة الزراعة).
< هل توجد توصيات أخرى لتقليل الفجوة الاستيرادية؟
ضرورة العمل على تطبيق الدورة الزراعية حتى تأخذ المحاصيل الزيتية قدرها فى المساحات المقررة، وكذلك مشاركة القطاع الخاص والمستثمرين لزيادة المساحة الأفقية وزيادة الإنتاجية والاستفادة من المساحات البينية بين أشجار الفاكهة (الزراعات التحميلية) وزراعتها بالمحاصيل الزيتية وذلك بهدف رفع كفاءة إستخدام وحدة الأرض ومحاصيل الفاكهة الأكثر انتشاراً بالبيئات الصحراوية.
كما يمكن تقليل الفجوة بالتغلب على مشكلة الصرف المغطى بالدلتا والتى تمثل من 20 الى 25 %، والتى تسوء إنتاجيتها وبذلك يمكن استغلال هذه المساحات فى زراعة المحاصيل الزيتية.
كما أطالب أيضاً بضرورة وضع ضوابط تلزم المستثمرين فى الوادى الجديد وغيرها من المحافظات بتخصيص مساحة معينة فى أراضيهم لزراعة أحد المحاصيل الزيتية والقمح.
ومن العوامل المهمة وذات التأثير الإيجابي على الإنتاجية هو مواعيد الزراعة ونجد اختلاف مواعيد الزراعة من بيئة لأخرى فنجد على سبيل المثال البيئات الصحراوية مثل سيوة والوادى الجديد والطور، تكون مواعيد الزراعة الصيفية مبكرة عن بقية البيئات الاخرى وتحت ظروف شمال سيناء تتفق مواعيد الزراعة سواء الشتوية او الصيفية مع الدلتا.
< كيف أثرت الأزمة السودانية على واردات السمسم كمصدر للزيت؟
فى الواقع أن الأزمة السودانية لن تؤثر على واردات السمسم كمصدر لزيت، كما ترددت الأقاويل نظرا لأنه ليس من المحاصيل الزيتية التى تتصدر إنتاج الزيوت فى مصر كعباد الشمس والذرة كما ان المكسب من بيع السمسم مضمون لاستخداماته المتعددة دون الحاجة لاستخدامه كمصدر للزيت.
كما يمكن القول أيضا هنا بأن الأزمة فى الأراضى السودانية أربكت أسعار جميع الصناعات الغذائية التى يدخل فى صناعتها بزيادة أسعارها كالحلاوة الطحينية والطحينة وكذلك صناعة المخبوزات.
< وما أهم التوصيات الإرشادية لزراعة المحاصيل الزيتية؟
تتنوع التوصيات الإرشادية بين عمليات الري والتسميد، حيث يفضل بداية أن الرى باختلاف طرقه يجرى فى الصباح الباكر و تجنبها أثناء فترة الظهيرة وارتفاع درجات الحرارة، وكذلك عدم ترك المياه الراكدة فى الحقل بعد الإنتهاء من الرى وصرفها لتجنب انتشار مرض الذبول بالإضافة إلى إجراء الرى باحكام على فترات منتظمة طوال موسم النمو، وعدم تعطيش النباتات فى الفترة الأولى من حياتها حتى لا تؤثر على قوة النمو الخضري، وايضا تجنب الرى بعد ظهور علامات النضج.
كنا ينصح بضرورة العناية بالرى خلال الفترة الحرجة للمحصول نظرا لأن الإهمال فى الرى خلال هذه المرحلة يؤدى إلى خفض المحصول بنسبة 30 الى 40 %، كما تختلف فترات الرى من منطقة لأخرى على حسب نوعية التربة ودرجة الحرارة وموسم النمو.
< ..والتوصيات الفنية لعمليات التسميد؟
تعد عمليات التسميد من أهم العوامل المؤثرة على إنتاجية المحاصيل الزيتية وخصوصا فى الأراضى الصحراوية والاراضى المستصلحة حديثا، كما يعتبر التسميد العضوى مصدر للازوت ويعمل على تحسين بناء التربة ويقلل من فقد مياه الري.
ونوصى بأن معدل الإضافة من التسميد العضوى يجب ان يتراوح ما بين 20 إلى 25 متر مكعب / فدان وخصوصا إذا كانت الأراضى تزرع لأول مرة، كما يفضل كمر السماد العضوى لمدة 4 الى 6 شهور قبل الإستخدام للتخلص من بذور الحشائش.
كما يراعى أيضاً عند الرش إلا تكون الأرض شديدة الجفاف ويرش بعد 2 - 3 يوم من الرى ويجرى الرش فى الصباح الباكر بعد تطاير الندي، كما يجب أن يكون اتجاه الرش مع إتجاه الريح وايقافه مع شدة الرياح. كما يجب عدم الإسراف فى التسميد عن الكميات الموصى بها من الأسمدة الازوتية حتى لا تكون أنسجة النباتات غضه، وتكون عرضة للإصابة بالحشرات والآفات وخصوصا القمم النامية، كما يوصى بإضافة الجبس الزراعى نظراً لاعتباره مصدراً هاما لعنصر الكالسيوم، كما أنه المسئول عن جودة وصلابة القرون ويعمل على امتلائها وكبر حجم البذرة فى الفول السوداني، إضافة إلى تحسين خواص التربة الطبيعية والكيميائية لتهيئة ظروف ملائمة للنمو والمعدل الأمثل للإضافة من 500 كيلو جرام إلى 1 طن، وتضاف أما عند تجهيز الأرض للزراعة أو قبل التزهير نثرا حول النباتات. كما يبدو النضج الفسيولوجى لنبات الكانولا فى إصفرار الأوراق وتحول البذرة إلى اللون البنى فى القرون الطرفية إلى اللون الأسود فى القرون السفلية.