دلتا جديدة فى قلب صحراء الضبعة تستهدف استصلاح 2 مليون فدان
مشروع قومى لاستزراع 1.5 مليون فدان يستهدف تنمية المناطق النائية
صندوق للتأمين على الماشية وحماية الثروة الحيوانية من الأزمات الطارئة
لعل أبرز التحديات الخطيرة التى كانت تواجه القطاع الزراعى فى مصر بعد ثورة يوليو عام 1952 وتحديدا بعد الإعلان عن قانون الإصلاح الزراعي، هى ظاهرة التعدى على الرقعة الخضراء، ورغم أن هذا التوقيت ظل فى الأذهان بمثابة عيد للفلاح بعد قرارات إعادة توزيع ملكية الأراضى على صغار المزارعين، ألا أن العديد من الأزمات واجهت أبناء القطاع الأخضر طوال السبعين سنة الماضية بعد تفاقم أزمة التعدى على الأراضي، كان على رأسها تفتت الحيازات الزراعية، وعدم القدرة على تطبيق نظام الدورة الزراعية، وتراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية، وزيادة الهدر الكبير من مياه الري، وتراجع كفاءة التربة الزراعية، وقد ظلت أخطر التحديات التى خلفتها هذه الظاهرة تراجع المساحات الخضراء فى مصر، وقد ظلت لعقود طويلة مسمار فى نعش النمو الاقتصادى للبلاد، باعتبار أن الزراعة أحد الركائز الأساسية لدعم الاقتصاد الوطنى وتأمين المخزون الإستراتيجى من الغذاء.
من هنا كان لازمًا على الدولة المصرية أن تتجه خلال السنوات الأخيرة إلى تبنى إستراتيجية عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والنهوض بالقطاع الزراعى ليس فقط بالتوسع فى المساحات الخضراء وزيادة الرقعة الزراعية، بل فى قطاعات الثروة الحيوانية والسمكية، إضافة إلى خدمات وبرامج اجتماعية وتنموية أخرى، تليق بطموحات أبطال الإنتاج من الفلاحين، وتدعم أبناء القطاع فى مواجهة الأزمات الطاحنة المتراكمة منذ عشرات السنين، وقد بدأت تظهر مؤشرات نجاحها جليًا على الساحة، بعد أن كانت مجرد شعارات مقتصرة فقط على فعاليات ومؤتمر وذكرى الاحتفال بأعياد الفلاحين فقط، تنتهى آثارها عقب انتهاء كل حدث دون تقديم أى جديد، وهو ما دفعنا فى هذا العدد وفى ذكرى مرور 71 عامًا على عيد الفلاح والذى يوافق التاسع من سبتمبر كل عام، أن نفتح إنجازات القطاع الزراعى خلال السنوات الأخيرة ودورها فى دعم ومساندة أبناء القطاع..
فى البداية يمكن أن نتطرق للحديث عن حزمة المشروعات الزراعية القومية التى نفذتها الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بهدف تحقيق التنمية الزراعية المطلوبة، وزيادة إنتاجية مصر من المحاصيل الزراعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الحبوب، والأهم مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية التى خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، ويأتى فى المقدمة تبنى الدولة مشروع زراعة واستصلاح الـ1.5 مليون فدان، أحد أهم المشروعات الزراعية القومية التى تنبتها الدولة بعد 2014 لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل، ومواجهة ظاهرة «تفتت الحيازة» عن طريق إسناد الملف إلى شركة الريف المصرى لتولى مهمة طرح المساحات الزراعية البكر للمزارعين بأسعار مدعمة، وتوفير كافة الخدمات وأعمال البنية التحتية التى تساهم فى دعم المنظومة الزراعية والاستثمار بتلك المناطق، وقد نجحت مصر فى التوسع فى خطة امتداد هذا المشروع للوصول إلى مناطق، توشكى وغرب «غرب المنيا» والمغرة والفرافرة والوادى الجديد ومنطقة شبة جزيرة سيناء، وذلك بهدف توفير المساحات المناسبة للمزارعين بجميع المحافظات.
بدأت الدولة فى تنفيذ مشروع «الدلتا الجديدة» فى قلب صحراء الضبعة، أحد أهم المشروعات الزراعية القومية التى تنفذها الدولة خلال الفترة الأخيرة، وتستهدف زراعتها على مساحة 2 مليون فدان وفقًا للتقارير الرسمية التى أصدرتها الحكومة، وقد بدأت بالفعل فى زراعة ما يقرب من 500 ألف فدان أى ما يمثل ربع المساحة وهى مشروع «مستقبل مصر»الزراعى.. الدكتور أحمد الخطيب أستاذ الاقتصاد الزراعى أكد أن هذا المشروع العملاق أحد الشرايين الزراعية التنموية الكبيرة فى هذه المنطقة، وقد شارك فى تنفيذه العديد من الجهات البحثية من مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة ومركز بحوث الصحراء، وشارك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى افتتاح موسم القمح الماضي، كما نفذت الدولة أكبر مشروع لتوفير مياه الرى بالمنطقة، وهى أكبر محطة معالجة فى مصر والشرق الأوسط تستهدف مد المشروع بمياه الري، وتوفر ما يقرب من 7.5 مليون متر مكعب من المياه يوميًا لرى أراضى المشروع بمياه تم معالجتها ثلاثيًا.
وأضاف الخطيب، أن أهمية هذا المشروع تأتى فى مجموعة من المحاور، أهمها فتح الباب أمام التوسع فى مشروعات الاستثمار الزراعى فى منطقة الصحراء الغربية، وخلّفت الآلاف من فرص العمل لشباب تلك المناطق خاصة أبناء مطروح والإسكندرية والبحيرة والمناطق القريبة من المشروع، أتاحت الفرصة لإنشاء المناطق اللوجيستية ومحطات التصدير إلى الخارج، زيادة إنتاجية مصر من المحاصيل الزراعية سواء الإستراتيجية أو محاصيل الخضر، إضافة إلى دعم منظومة التصدير إلى أسواق العالم، موضحًا أن المشروعات الزراعية القومية لها أبعاد أخرى ليس فقط على المستوى الاقتصادي، إنما على المستوى الاجتماعى والسياسي، فالشعوب التى تمتلك غذائها تكون سيدة قراراها، وبداية قوية لتضامن ودعم الدول العظمى لها للنهوض باقتصادها، قائلًا: « يمكننا القول أن مصر الآن على الطريق الصحيح نحو التنمية الزراعية المستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى بعض المحاصيل الزراعية الهامة على رأسها القمح والأرز»..
«مصر نفذت أيضًا المراحل الأولى من مشروع الـ100 ألف فدان صوبة زراعية، وهى أحد أهم الأنظمة الزراعية الحديثة للزراعات المحمية التى تدعم خطة الدولة فى توفير حاصلات الخضر لمواجهة أزمة ارتفاع أسعارها، كما أن المشروع القومى للصوب الزراعية واحد من أكبر المشروعات الزراعية بمنطقة الشرق الأوسط، يستهدف إنشاء 100 ألف فدان من الصوب الزراعية المحمية وزراعتها بأهم محاصيل الخضر المطلوبة، منها الخيار والفلفل والطماطم وغيرها من الحاصلات المطلوبة محليًا وعالميا، كما يتم تنفيذه بواسطة الشركة الوطنية للزراعات المحمية التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة أحد أهم الكيانات الوطنية التى حققت نجاحات غير مسبوقة فى القطاع الزراعى بمختلف المجالات..
الدكتور أحمد شلبي، خبير الاقتصاد الزراعى يؤكد أن المرحلة الأولى من مشروع الصوب الزراعية والتى نفذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة تستهدف إنشاء 5 آلاف صوبة زراعية على مساحة 20 ألف فدان بمناطق الحمام وتحديدا فى منطقة قاعدة محمد نجيب، كما بدأت توسعات هذه المرحلة التى سبق وأن افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى منطقة العاشر من رمضان، وقرية الأمل بسيناء شرق الإسماعيلية، وهى أحد المشروعات الزراعية الهامة التى نفذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة وساهمت فى دعم منظومة تصدير الحاصلات الزراعية للعالم، كما وفرت ما يقرب من 40 ألفا و500 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، كما أن المشروع يقع على مساحة 4900 فدان، إضافة إلى دورها فى توفير بعض المنتجات الزراعية بجودة عالية وطوال السنة فى السوق المحلي، مضيفًا أن أهمية الزراعات المحمية تكمن فى توفير مياه الري، وتحقيق أكبر استفادة من المساحات المنزرعة خاصة وأن الصوب توازى تقريبًا 5 أضعاف الزراعات الأفقية.
واستكمالا لإجراءات الدولة فى دعم القطاع الزراعى فى مصر، وتخفيف الأزمات التى تواجه المزارعين فقد تبنت مؤخرًا المشروع القومى لتطهير وتبطين وتأهيل الترع ومصارف الري، أحد أهم المشروعات القومية التى نفذتها الدولة على مساحة تقترب من 12 ألف كيلومترا على مستوى المحافظات، ولعل أهمية هذا المشروع العملاق بالغة، باعتباره أحد المشروعات المتعلقة بمواجهة تحديات المياه التى تواجه المزارعين.
أما الدكتور أحمد جلال، عميد كلية الزراعة بجامعة عين شمس قال: «إن مصر تتمتع بتاريخ زراعى طويل منذ عهد الفراعنة مرورًا بالفاطميين والحملات الأجنبية التى دخلت مصر، ومن هنا علينا أن نؤكد أنه فى ذكرى مرور ما يقرب من 71 عامًا على عيد الفلاح وما تبعه من إصدار قانون الإصلاح الزراعى بعد ثورة يوليو 1952 حدثت تغيرات كثيرة فى القطاع الزراعى فى تلك الفترة، يأتى على رأسها الاتجاه نحو استيراد القمح من الخارج، لتغطية احتياجات المستهلك المصرى الذى بدأت ثقافته الغذائية وقتها تتغير إلى الاعتماد إلى القمح فى الغذاء بشكل رئيسى بدلًا من الذرة والشعير، وظلت هذه الخطوة تتطور مع الزيادة الكبيرة فى عدد السكان حتى أصبح هناك اعتماد رئيسى على استيراد القمح من الخارج، لكن فى نفس الوقت لاقى هذا الإقبال الكبير طفرة بحثية كبيرة ساهمت فى استنباط أصناف تقاوى جديدة نجحت فى أن ترفع إنتاجية فدان القمح من 8 أرادب إلى متوسط 20 إردبا أو يزيد، وهذا بالطبع إنجازًا كبيرًا حصده المزارع السنوات الأخيرة.
وأضاف: «الأزمة الحقيقية التى واجهت الدولة على مر العصور انحصار أبناء القطاع الأخضر على الشريط الحدودى لمجرى نهر النيل على الجانبين الشرقى والغربي، وتركوا المساحات الصحراوية الشاسعة دون استغلال، وهو ما دفع الحكومة البدء فى تبنى حزمة من المشروعات الزراعية القومية على رأسها مشروع الدلتا الجديدة والـ1.5 مليون فدان والـ100 ألف فدان صوبة زراعية، وطرح أراضى جديدة بالمناطق المستصلحة بمساحات كبيرة لسد الفجوة من تآكل الرقعة الزراعية بسبب التعديات التى حدثت عليها خلال العقود الماضية، والحقيقة كان هذا التوسع من الأهم الإنجازات التى حققتها الدولة المصرية للمزارع فى ذكرى عيده، مشيرًا أن وفقًا لإحصائيات رسمية فإن منذ عام 1984 وحتى 2018 بلغت حالات التعدى على الأراضى الزراعية حوالى 1.2 مليون فدان وكانت أكثرها بعد أحداث الفوضى التى شهدها الشارع المصرى بعد 2011، لكن وفى السنوات الخمس الأخيرة جرمت الدولة التعدى على الرقعة الزراعية فى نفس الوقت وفرت بدائل قوية بالتوازى مع تغليظ العقوبة على مرتكبى هذه الظاهرة.
«زيادة إنتاجية مصر من المحاصيل الإستراتيجية ربما يأتى على رأس أولويات الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة خاصة وأنه وفقًا لتقارير عالمية فإن معدلات الفرد من القمح سنويًا يجب ألا تتعدى 80 كيلو جرام من القمح حتى يمكن أن يغطى الإنتاج العالمى احتياجات المستهلكين، إلا أن المفاجأة فى مصر فإن استهلاك المواطن يتجاوز 180 كيلوجرام قمح سنويًا أى بفارق 100 كيلو عن المعدل العالمي، وهو ما يتطلب وجود حلول جذرية وسريعة لمواجهة هذا العجز».. استكمل الدكتور جلال كلامه، حيث أكد أن المعاهد البحثية بوزارة الزراعة والتابعة لمركز البحوث الزراعية إضافة إلى كليات الزراعية بالجامعات المصرية على رأسهم جامعتى عين شمس والقاهرة حققوا طفرة كبيرة فى ملف استنباط أصناف تقاوى جديدة من القمح والذرة والأرز خلال السنوات الأخيرة، ومن هنا يمكن نخرج بقاعدة مهمة، وهى أن نجاح البحث العلمى يضاعف الإنتاجية، ويوفر تكلفة استصلاح مساحات جديدة من الأراضي.
وأشار عميد زراعة عين شمس، أن من أخطر التحديات التى تواجه القطاع الزراعى خلال السنوات الأخيرة هى أزمة نقص المخزون المائي، خاصة مع ثبات حصة مصر من مياه نهر النيل والمحددة بـ55 مليار متر مكعب سنويًا قبل أزمة سد النهضة بإثيوبيا، فى ظل الزيادة السكانية الرهيبة التى تشهدها مصر وبالتزامن من تحديات التغيرات المناخية التى أثرت على كميات المياه، وقد أثبتت التقارير الرسمية أن مصر تحتاج لحوالى 125 مليار متر مكعب مياه سنويًا حتى تكفى احتياجاتها، وهذا يعنى أن نسبة العجز سنويًا من المياه تصل لحوالى 770 مليار متر.. قائلًا: خلال السنوات الأخيرة الدولة المصرية تبنت إستراتيجية كبرى لترشيد استخدامات المياه وأعلنت عن تنفيذ مشروع تطوير وتحديث أنظمة الري، كما نجحت فى إنشاء العديد من المشروعات الكبرى لمحطات معالجة لمياه، واتجهت أيضًا إلى مشروعات التحلية، واستغلال المياه الجوفية فى زراعة المناطق الجديدة وفقًا لدراسات بحثية وافية، وهذا بالطبع خطوات مهمة نحو التعامل مع التحديات المائية الصعبة فى البلاد.
«الاتجاه نحو تطبيق فقه الأولويات كان على رأس إستراتيجية الدولة فى النهوض بالقطاع الزراعى وتوفير المحاصيل الهامة للمستهلك المصرى وتأمين المخزون الإستراتيجى من الغذاء خاصة بعد الأحداث العالمية الصعبة التى خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية».. أضاف الدكتور جلال أن القيادة السياسة وجهت مؤخرًا بتبنى برنامج قوى للتوسع فى محاصيل الذرة والقمح والفول الصويا، باعتبارها محاصيل ذات أولوية بالنسبة للمستهلك المصري، وقد بدأت وزارة الزراعة فى الإعلان عن تطبيق منظومة التعاقد مع المزارعين على المحاصيل الزيتية لتوفير الزيوت والأعلاف.
وأضاف قائلًا: «الحكومة أطلقت منذ أكثر من 3 سنوات منظومة كارت الفلاح وقد حققت طفرة كبيرة فى استقرار صرف مقررات السماد للمزارعين، كما تبنت مشروع قومى «لإحياء البتلو»، لكن هناك بعد التحديات التى لا تزال تواجه القطاع الزراعى فى مصر أهمها بطء مناقشة وإصدار التشريعات والقوانين المنظمة للقطاع، وأحد أهم الركائز الأساسية لدعم خطة الدولة فى زيادة إنتاجية المحاصيل.