عبارة عفوية، همس بها وزير الدفاع البريطانى «بن والاس» فى حكومة حزب المحافظين البريطانى بزعامة ريشى سوناك، جاءت تعبيرا عميقا عن الضجر من استمرار نزيف السلاح الغربى فى المسرح الأوكراني.
«لسنا متجر أمازون».. كانت ردا على قائمة طلبات، قدمتها حكومة أوكرانيا لدول حلف الناتو، بخاصة بريطانيا، الصوت الأوروبى الأعلى فى دعم أوكرانيا علنا وسرا، وأكثر من قدم لها أسلحة، ودعما إعلاميا وشعبيا بلا حدود.
اعتذار رئيس وزراء بريطانيا ريشى سوناك لكييف عن زلة لسان وزيره، لم يمنع الغضب الأوكرانى المكتوم، بدا فى رد الرئيس الأوكرانى زيلنسكى، عندما قال نحن ممتنون لبريطانيا، ولكن يبدو أن الوزير والاس لديه حاجة خاصة.
بدا تعبير الوزير البريطانى المخضرم ترجمة للشعور بالخيبة الغربية، من مسار العمليات الحربية بين روسيا وأوكرانيا، فالأسلحة الغربية المتدفقة إلى هناك لم تجعل الهجوم الأوكرانى المضاد، يعيد روسيا إلى ما قبل 24 فبراير 2022، ولم يجعل القوة تميل لصالح أوكرانيا، ثم إن الغرب يشكو من نقص الأسلحة والذخائر التقليدية فى مخازنه، والعالم يشكو من ركود اقتصادى بسبب هذه الحرب.
أوكرانيا لم تنضم إلى حلف الناتو، وليس هناك أمل فى المدى المنظور، والحرب تدور ضمن دائرة مرسومة لا تتخطاها الأطراف المتنافسة، فالدائرة النووية تعنى نهاية حتمية للكرة الأرضية.
عبارة بن والاس، المستقيل من حكومة المحافظين، رسالة غريبة من الشخص المتحمس للحرب فى جبهة أوكرانيا، وقد كان من أوائل المسئولين الكبار فى الغرب، الذين وقفوا منذ البداية ضد تدخل روسيا فى أوكرانيا، وتنبأ بأن حربا حقيقية أو باردة ستقع بين موسكو ولندن خلال سنوات.
والاس كان حالما بمنصب الأمين العام لحلف الناتو، وكان لأمريكا تصور مختلف، وأبقت على الأمين الحالى ينس ستولتنبرج إلى الأول من أكتوبر من عام 2024، كانت ذريعة أمريكا أغرب من مواقف والاس، فالرجل الذى خدم طويلا مع ثلاث حكومات للمحافظين، متهم بالإفراط فى دعم كييف، عكس رغبة واشنطن، ويسعى إلى تقديم أسلحة إستراتيجية قد تشعل حربا عالمية، وهذا إفراط غير مقبول، فيجب أن تكون الحرب تحت الضبط ، من خلال استمرارها كاستنزاف لروسيا، وحصارها اقتصاديا وسياسيا دون الاصطدام المباشر، وبن والاس يرغب فى توسيع الصدام!
إذن، حظرته واشنطن، فتبخرت الأحلام والأماني، وقرر مغادرة منصبه طوعا، ومغادرة عضويته السياسية فى البرلمان البريطانى فى الدورة المقبلة، فقد أعلن أنه لن يترشح فى الانتخابات مرة أخرى، برغم أنه فى الثالثة والخمسين تقريبا.
على الجانب الآخر فى كييف، جاء وزير دفاع جديد هو رستم عمروف بدلا من أليكسى ريزنيكوف، وعمروف من تتار القرم، لكنه ولد فى سمرقند بأوزبكستان.
عمروف رسالة عميقة المعنى، فمن ناحية القومية لديه حنين لاستعادة القرم! ومن ناحية السياسة كان مفاوضا فى كل الحوارات المباشرة بين الروس والأوكرانيين فى السنوات الماضية، وينتمى إلى مدرسة تؤمن بالاقتصاد المفتوح، لكن مؤهله الأهم لتولى منصبه المهم، هو انتماؤه لمدرسة محمد فتح الله جولن، الشيخ التركى المقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية.
غياب بن والاس وحضور عمروف، يعنى أن الحرب تأكل أبطالها دائما، وتصنع آخرين مصادفة أو حسابا، وعمروف حساب ختامى دقيق، فمن تصادم السلاح الثقيل فى بداية الحرب، إلى صعود نجم المسيرات فى الأشهر الماضية، هناك رؤية لحرب أخرى تقع بين المعارك، وهى حرب الثقافات والقوميات والانحياز العرقى واللغوى والديني.
وإذا كانت روسيا تستعين بكتيبة أحمد الشيشانية، فإن أوكرانيا لديها نفس المخزون، لاسيما إذا كان مخزونا محملا بميراث طويل من التطاحن بين قوميات مختلفة، شاء حظها الجغرافى أن تتجاور معا، وتتصادم دائما، وتتعاون أحيانا، وتعاد الكرة مرة بعد مرة على مدى قرون طويلة.
والاس وعمروف رسالة واحدة، عنوانها «هذا هو الدرب الأخير فى حرب، يمنع أطرافها أنفسهم بقسوة من الانزلاق إلى حافة الهاوية».