الممر والحزام والطريق ونحن..

11-9-2023 | 16:28

في سباق عالمي محموم يشهده العالم اليوم، على الأدوار والوظائف الكونية، خصوصًا الاقتصادية، تظهر مشروعات وتُطرح مبادرات، ربما تكون من وحي الخيال، ولكن يبقى الواجب الوطني دائمًا، في أهمية التعاطي معها، والتفاعل، ومحاولة الطرح والإضافة، حتى إذا ما شاء لها الوجود والتحقق، أن نكون جزءًا رئيسيًا فيها، وليس ضيوفًا مرحبًا بهم على مضض. 

وآخر الطروحات مشروع الممر الاقتصادي الذي خرج من هامش اجتماعات قمة العشرين في الهند، هذا المشروع الذي يسعى إلى ربط أوروبا مع الهند بالشرق الأوسط، ويبدو أنه يأتي لتحجيم ومنافسة مشروع الصين الحزام والطريق، لأن الممر في التصور المتاح حاليًا، يمضي في نفس المحطات والمنشآت والسلاسل التي خطتها مبادرة الحزام والطريق لإحياء طريق الحرير القديم، الذي يربط أوروبا بالصين، بينما الممر الاقتصادي يقف في نهاية الخط عند الهند.

في كل الأحوال، فإن الظهور المفاجئ للولايات المتحدة في دعم الممر الاقتصادي يشير إلى مدى الانزعاج الحاصل من مجموعة بريكس الخماسية، ونجاحها في توسعة مترابطة ومحكمة بضم ست دول جديدة على رأسها مصر، وهي المجموعة التي تفاءلت بالانضمام إليها دوائر رجال الأعمال في مصر، وكان للانضمام صدى إيجابي في الشا رع، الذي ينتظر انخفاضًا في الأسعار، أول العام المقبل، على خلفية إمكانية التبادل التجاري مع أحد عشر دولة مهمة ومشهورة باقتصادها العملاق، الاستيراد والتصدير بالعملات المحلية، وما سوف ينعكس على الاقتصاد المصري بسبب تخفيف ضغط الدولار الأمريكي على السوق المحلي. 

وأتصور أن مصر ستدرس بعناية مشروع الممر الجديد، وأتمنى أن يكون الدرس اقتصاديًا، وأن تتخذ قرارها بالمشاركة في المشروع، بكل الطرق، حتى لا يتم تجاوز مصر، بما يحمله من تهميش لمشروعات مصر القومية، وعلى رأسها قناة السويس، والموانئ المصرية العملاقة، ومحطات ومراكز الطاقة المتجددة، وشبكة الطرق والسكك الحديدية الجديدة في البلاد.

سيكون من العسير قطعًا تجاوز حقائق الجغرافيا، فالمشروع إذا ما تخيلناه، قادم من الهند إلى الجزيرة العربية ثم أوروبا، والمعبر إلى أوروبا هي مصر. 

أما إسرائيل فهي تنتظر أن يتم احتواؤها في المشروع، الذي يمتد منها إلى أوروبا، وتسعى وتهتم بأن يقودها الممر إلى طريق التطبيع مع السعودية، وهو فحوى ما قال به رئيس الحكومة الإسرائيلية تعليقًا على المشروع. 

يجب ألا يفوتنا الاشتراك في الممر الاقتصادي، وهو حتى الآن خيال محض، وإذا ما انتوى المتفقون عليه البدء في التنفيذ، فإن مصر يجب أن تكون حاضرة بقوة الفعل أو بقوة النفوذ.

إلا أنه ما يثير القلق هو النأي العربي المشترك عن طرح مبادرات اقتصادية كبرى يكون لها القدرة على التأثير في الدوائر والخطط التي ترسم يوميًا من حولنا، أو على الأقل المشاركة والتواجد في المبادرات الدولية الحالية، ويستوقفني عدم التوصل حتى الآن ـ مثلا ـ إلى شبكة ربط كهربائي عربي وشبكة ربط سكك حديدية عربية، ملاحة عربية، وعملة موحدة.

وقد أثير موضوع العمل على إنشاء عملة عربية موحدة، مرات عدة، آخرها ما طرحه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، خلال منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في شهر يونيو الماضي. هذه العملة التي ينبغي العمل للوصول إليها، تساعد على تقوية موقف الدول العربية في الصراعات الاقتصادية أو الحرب الباردة الاقتصادية في العالم اليوم، عالم متعدد الأقطاب الكل يسعى إليه، لكن في الأساس ينبغي أن نكون إحداها، والعملة الموحدة أحد أسلحتها. 

ونعرف أن هناك مشروعات وأوراقًا طويت حول السوق العربية المشتركة والبنك العربي الموحد وغيرها، لكن أهمية إطلاق عملة عربية موحدة تبرز الآن، وينبغي أن تعمل عليها جامعة الدول العربية، ورغم "البريكس" فإن مزايا العملة العربية الموحدة كثيرة، لأنها كما هو واضح بالضرورة، تسهل التجارة البينية وتساعد على الاستقرار المالي للدول العربية، وتحسين وضع بعضها، خصوصًا من ضحايا التضخم، بما في ذلك الإنقاذ الجماعي للاقتصاد في دول العملة الموحدة، كما هو الحال في منطقة اليورو.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة