تزايدت أعداد الكلاب الضالة، بشكل لافت، في شوارع المدن والضواحي، وكذلك القرى التقليدية، والسكنية والسياحية، ونشاهد يوميًا أعدادًا تنتشر في قطعان بعد أن كانت فرادى أو أكثر قليلا، ومع انتشارها ترتفع بسببها حالات تعرض مواطنين، غالبيتهم من الأطفال، للعقر من هذه الكلاب السائبة، ونتذكر مؤخرًا وفاة طبيبة شابة في ضاحية حدائق الأهرام، نتيجة سكتة قلبية بسبب الخوف من تجمع كلاب حولها، وتقدر أعداد حالات عقر الكلاب للبشر بنحو نصف مليون حالة سنويًا، ويرتفع هذا الرقم بنسبة 20% كل عام، فضلا عن إصابات آخرين، وكذلك حالات الرعب والخوف التي تصدر عن الكلاب، وتؤدي إلى اضطراب أو شلل للحياة الطبيعية للناس.
وظاهرة انتشارها متداخلة، تحمل أبعادًا تشريعية، واقتصادية، وبيئية، وسلوكية، ومجتمعية، وإنسانية، وهي كذلك مشكلة محلية، دولية، حيث هناك إستراتيجية عالمية للتعامل مع الكلاب السائبة وغير السائبة، أقرتها منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الصحة الحيوانية، وصادقت عليها مصر "2018"، وتضع منظمة الصحة العالمية على صدر موقعها عنوانًا يقول: "الخطة الإستراتيجية العالمية الجديدة للتخلص من داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030 "، ولدى مصر أيضًا إستراتيجية للتنمية المستدامة، كما حرص دستورها على حق الحيوان والرفق به كما نص في مادته "45".
خطورة الظاهرة، التي تتمدد وتختفي، لتعود مجددًا اليوم بشكل أكثر خطرًا على الإنسان والحيوان معًا، بعد أن عاد الكلب الضال بأعداد تشكل خللا للتوازن البيئي، ونظرًا لخطرها المتنامي، فقد عقد مجلس النواب، عبر لجانه، اجتماعًا لدراسة تفاقم الظاهرة التي تستدعي إجراء حصر لعددها أولًا، ثم الاتفاق على أسلوب علمي إنساني بيئي رحيم، وهذا الأسلوب في جوهره يحافظ على التوازن البيئي، والتنوع البيولوجي بين كل من الكلاب والقطط والفئران وغيرهم، والذي أبدعه "الله سبحانه".
وإذا كانت أعدادها طبقًا لبيانات رسمية، تتراوح ما بين 5 – 6 ملايين، فقد ذكرت جمعية الرفق بالحيوان أن عدد الكلاب الضالة يتجاوز 30 مليون حيوان، وقد يكون الرقم الأخير الأكثر واقعية، إذا علمنا أن أنثى الكلب تلد ما بين 4- 5 مرات، وفي الولادة الواحدة تنجب ما بين 8 - 10 كلاب صغيرة، يستمر ويعيش منها نحو 50% كل سنة، أي أن أنثى الكلب الواحدة، تلد أكثر من 20 كلبًا كل عام.
الحلول والتعاطي مع هذه الظاهرة عديدة سواء بالقتل باستخدام السم أو القبض على الكلاب ومحاولة تعقيمها، أو إخصائها، أو التعاطف معها وإطعامها والعناية بها، إلي اقتراحات بتصديرها إلى الخارج، مرورًا بحمايتها وتوفير الرعاية لها، كما تهتم الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، بالتعامل مع الحيوانات الضالة وتطعيمها حتى لا تنشر أمراضًا أو تنقلها للبشر، لكنها لا تستطيع أن تطور برامجها، في ظل غياب التشريع الملزم، حيث تقدمت نقابة البيطريين بمشروع قانون لمجلس النواب، منذ أكثر من عامين، ومازال خطر الكلاب الضالة يتزايد مع غياب القانون الملزم لحماية الإنسان والحيوان والبيئة.
وتنبع ظاهرة الكلاب الضالة، من تفاقم حجم القمامة في الشوارع، والتي تمثل البعد الحاضر والمغذي للظاهرة، حيث توفر القمامة للكلاب مأوى وغذاء يساعدها على التكاثر والانتشار، ولابد من استمرار حالات التوعية والتعقيم، أما عملية الاخصاء فقد جاء حكم الشرع كالتالي: "يجوز إخصاء الحيوانات إذا كان في ذلك مصلحة معتبرة شرعًا ولم يؤد إلى هلاكها.. أما إذا لم تكن هناك مصلحة معتبرة شرعًا، فلا يجوز لما فيه من إيذاء الحيوان بدون فائدة".
أما الجانب المادي الخاص بفاتورة توفير الأمصال، فقد أشارت وزارة الصحة، منذ 4 سنوات، إلى أن توفير الأمصال يكلف الدولة حوالي 146 مليون جنيه، وتوقعت أن تصل هذا العام إلى نحو نصف مليون جنيه، ولدى الحكومة إستراتيجية للسيطرة على مرض السعار والإعلان عن خلو البلاد منه.
الكلاب الضالة، ويطلق عليها في مصر "الكلب البلدي"، لديها مميزات، من النادر أن تتوافر لكلاب أخرى، كما ذكر موقع "زولكر"، مثل الذكاء والصحة الذهنية، ويمكن تدريبه على الأوامر والأصوات، ولا تحتاج إلى أنظمة غذائية معقدة كباقي الأنواع، لذلك من السهل اقتناؤها، وهي سريعة الاستئناس ولديها وفاء وتتمتع بروح اجتماعية وتحب أصحابها، ويمكن الاعتماد عليها في الحراسة والمراقبة.
الحياة هي علاقة تبادلية بين الكائنات، أبدعها الخالق، سبحانه، في خلقه، وهي هنا بين طرفين، هما الإنسان، والحيوان ممثلا في الكلب، فالإنسان عليه أن يقوم بدوره وواجبه نحو الكلب، بحصر إعدادها، وتطبيق برامج للتحصين، والرفق بها وإطعامها، أو التأكد من أسباب الضرر واللجوء إلى إخصائصها، أما التخلص منها سواء بالسم أو القتل، فهذا لا يقره الحيوان قبل الإنسان، كما يحدث خللا للطبيعة.
لدينا إستراتيجية عالمية وأخرى محلية، واهتمام الدستور بوضع مادة للرفق بالحيوان، إلا أن ترجمة هذه الشعارات والنصوص والإستراتيجيات ينتظر لائحة تبسط وتشرح كيف نعامل هذا الحيوان الذي له حق الحياة والعيش كما هي حق للإنسان، فالكلب لا يختار لنفسه أن يكون ضالًا، أو شرسًا، أو عدوانيا، فقط هذه فطرته التي فطر عليها، فلا أقل من الرحمة به، فهو لا يمتلك صفات التبرير أو المراوغة التي يمتلكها الإنسان.
[email protected]