وكأني قد عثرت على كلماتي تلك في بردية مصرية قديمة، فعقدت مقارنة بين محتواها وما يحدث الآن، سمعت فيها نبض الأجداد العظام، وقرأت ما سطرته أيديهم، فكتبت هذه الكلمات، إلى أولئك الذين ينتظرون سقوطها إلى الذين يتمنون الشر لها، إلى هؤلاء وهؤلاء في كل مكان وزمان، قلناها لكم من قبل، وسنعود لنكررها الآن، إلا هذه البلدة الطيبة التي اختصها الله سبحانه وتعالى بالتجلي الأعظم على أرضها، فهي أرض الأمان والسلام المذكورة، وهي مكللة بالهيبة والجلال في التوراة والإنجيل والقرآن.
نبعث برسالتنا اليوم إليكم لنعلمكم بحقيقتنا الغائبة عنكم، ونبلغكم بأننا مختلفون عن الجميع لا تنخدعوا بهذا الكم اللامتناهي من الاعتراض والشكوى الذي نعدده كل يوم ونكرره، فنحن بيننا وبين أنفسنا لا نراكم بالأساس حين نثير عاصفة الكلام المعهودة بيننا، حين نروي مئات المرات تفاصيلَ ليست بجديدة علينا، حين نتقاسم عذابات تؤرقنا أو تنال من البعض منا.
لقد تعودنا الحديث الطويل عن كل حدث يمر بنا بغية التخفيف بذلك عن أنفسنا تلك طريقتنا المعتادة في مواجهة الصعاب، وربما تكون إحدى طرق علاجها بالمزيد من التسفيه والتحقير وإطلاق الضحكات، نتناولها سردًا فيما بيننا، ونتبادلها في أوقات فراغنا نكررها بلا ملل ونسجلها كالبرديات التي تقص علينا ما واجهه الأجداد من قبل، لا تغرنكم ثرثرتنا الدائمة، فنحن حين يتعلق الأمر بأمن مصر ستجدوننا في لحظة قد أخذنا وضع الاستعداد، بعد أن وضعنا كل ما كان يشغلنا جانبًا؛ لنرفع رايتها التي تقهر كل محال.
إنها الفطرة التي وضعها الله بداخلنا، تظهر وتعلن عن نفسها بقوة حين نتحسس الخطر الذي يحاك لنا، وقبل أن يخطو أولى خطواته، نقوم لنشمر عن سواعدنا في الحال، نتسابق معًا في حفر مقبرة للطغاة فنحن صناع اللعبة، نحن من أجدنا إدارتها وبرعنا في الرمي بها، نحن من دمرنا بها، على مر العصور، كل أعداء الحياة.
يشاهدنا البعض ونحن نوزع المشكلات التي تواجهنا، كما توزع الحلوى على الأطفال، نتقاذفها كالكرة في ساحة اللعب مستهينين بها، يرانا هكذا فينخدع فينا أو ربما يتشكك في وطنيتنا، ويكاد يجزم بأننا لسنا على قلب رجل واحد، يرانا نلهو ونمزح وسط الصعاب، فيسارع بإصدار حكمه علينا بأننا أناس غير متزنين، تلك هي اللعبة التي أتقناها منذ قديم الزمان، ولم ينازعنا فيها أحد مهما مرت بنا الأيام والسنوات.
تعلمناها هكذا منذ نعومة أظفارنا في وقت الشدة نتكاتف، نتلاحم، نتآلف لنهب كالإعصار فنباغت من دون سابق إنذار كل من هددنا، مدافعين عن وطننا بكل شجاعة، ستجدوننا هناك على طول خط المواجهة كالأُسدِ في عرينها تزأر، فتلقي الرعب في نفوس كل من سولت لهم أنفسهم، في لحظة حمق، الاقتراب من هذا العرين الآمن والحصين.