تناولت الدراما قصصًا كثيرة عن القاتل المتسلسل، وقدمت فى صور مختلفة، لعل أشهرها فى مصر جرائم "ريا وسكينة" التي قدمتها السينما، والتليفزيون، والمسرح بأشكال مختلفة، وتجد تلك النوعية طريقها إلى الجمهور بسرعة لما تتميز به من إثارة وتشويق، وبخاصة تلك التى تحتوي على عدد كبير من جرائم القتل.
وبعيدا عن القصة الحقيقية لمسلسل"سفاح الجيزة" كان طبيعيا أن يثير المسلسل جدلا واسعا حيث لم تقدم الأحداث الحقيقية كما عرفها بعض من سمعوا أو تابعوا تلك القصة، وأكاد أجزم أن العلاقة بين الحقيقة والخيال مجرد الاسم، فما قدمه المسلسل فى حلقاته المعدودة وهي ثماني حلقات، يختلف كثيرًا عما هو مسجل فى ملفات قضية سفاح الجيزة المعروفة.
أحداث المسلسل تدور في إطار من الجريمة والدراما، حول عدد من الجرائم الغامضة، والدوافع التي امتلكها جابر الذي وُصف لاحقًا بأنه قاتل متسلسل، بعد أن تسبب في ذعر بمحيط سكنه لسنوات.
وقام بدور السفاح الفنان أحمد فهمي، وهو يدعى فى الأحداث جابر، ويبدو ان خبرته التى اكتسبها خلال سنوات عمله فى التمثيل أسهمت فى نجاحه خلال عمل غير عادي، كتب من خلال ورشة عمل من محمد صلاح العزب، وعماد مطر، والسيناريست إنجي ابوالسعود، فقد ابتعدوا كثيرًا عن التقليد أو نقل صور أو حتى التشبيه بما يقدم فى الأفلام الأجنبية التى أصبحت تمثل أكثر نسبة وتجد اهتماما من المشاهدين حتى العرب وأقصد هنا أفلام الرعب.
وهنا لا يمكن الخروج بعمل عن حوادث قتل بشكل مثير للدهشة ومميز لولا مخرج متميز مثل هادي الباجورى ومساعده، محمود زهران، وكان لما يطلق عليه "كاستينج" دوره فى إقناع المتلقى بأن الأحداث شبه حقيقية، أو حتى واقعية، لأن شخصية مثل الممثلة لبنى ونس الممثلة المعبرة دائمًا عن المرأة حادة الطباع.
وفى مثل مسلسلات تتعامل مع فكرة التشويق إن لم يكن لدينا مونتير موهوب تسقط الفكرة، ففى الحلقات لا تشعر بالقطع، أو حتى بأن المزج مفتعل، بل هناك سلاسة فى ترتيب المشاهد بفضل مونتير موهوب هو أحمد فوزى، فكثير من الأعمال الفنية قد تكون مربكة بسبب عدم فهم المونتير لطبيعة كل مشهد، وتكتمل تلك الحالة بموسيقى تصويرية معبرة برغم أنها تشبه كثيرًا الموسيقى الشعبية الأمريكية، لكنها فرضت نفسها على عمل عن الجريمة والقتل المتسلسل.
وقد خرج من "سفاح الجيزة" الفنان باسم سمرة بشخصية مختلفة غير شخصياته التى نشاهده فيها، المحقق الهادئ، وأعتقد أن خبرة هادي الباجورى ساعدته في أن يحافظ على إيقاع شخصياته بالهدوء وبخاصة أحمد فهمى، فإن كانت الشخصية فى الواقع تتطلب "نيرف"، أو توتر معين، ابتعد هو عن التوتر الخارجي بأن ظل هادئا وكأنه لم يرتكب جريمة واحدة خلال الأحداث.
وجوه جديدة وممثلون جدد، اختياراتهم كانت فى صالح العمل حتى يسهم وجودهم فى زيادة نسب الصدق للأحداث "ركين سعد" ممثلة أردنية لها روح مختلفة قدمت دورا مهما، العبقري صلاح عبدالله، كعادته يعطى شخصياته عمقا، حنان يوسف أم جابر المتألقة دائما، لديها قدرات هائلة تشبه كثيرًا نعيمة الصغير فى تعايشها مع الشخصية.
محمد عبدالعظيم ممثل يتألق دائما بعد أن قدم دوره المميز فى تحت الوصاية مع منى زكى يظهر هنا فى دور الأب المغلوب على أمره، جيهان الشماشرجى، ريم حجاب، داليا شوقى، ناهد رشدي، سارة خليل، نادر جودة، آدم مجدى خليل، ميمى جمال، نسمة بهي، هايدي خالد، إيفا وجميل عزيز، اختيار موفق لعمل يؤكد أن أهمية ونجاح الدراما ليست بعدد الحلقات؛ بل بفكرة جيدة و"كاستينج" موفق.