شمعة في مهب الريح

7-9-2023 | 18:11

يقولون إن الزمن، مهما مر لا يستطيع أن يتجاوز الأساطير، وإنه يحفر تاريخها على جبينه، لأنها ليست ملكا لأصحابها، لكنها لكل الأجيال.

كان جثمان الأب المصرى، محمد الفايد، 1929، أغسطس 2023، فى طريقه إلى مثواه الأخير، ليرقد بجوار ابنه دودي الفايد، الذى رحل فى نفس التاريخ أغسطس 1997، منذ 26 عاما، مع سندريلا العصر،  الأميرة ديانا سبنسر، زوجة ملك الإنجليز، تشارلز الثالث، وأم ملك الإنجليز القادم، ويليام،ولى العهد.

خلد الزمن دودى الفايد، وديانا معا، فى رحيلهما المدوى فى نفق بالعاصمة الفرنسية باريس، وهما يهربان من المصورين الباباراتزى، الذين ظلوا يطاردون ديانا، حتى اليوم وبعد رحيلها.

الأب يبكى ابنه، ولم يتوقف البكاء، ويحاول تخليده مع حبيبته الأميرة الراحلة، حتى لحق به واعتزل الدنيا، ويحاول امتلاك قلوب الإنجليز، فيقيم لها نصبا تذكاريا هرمى الشكل فى محل «هارودز»، أشهر المحلات الإنجليزية، فى قلب لندن، وهى ترقص مع حبيبها المصرى، وفى يده خاتم الزواج الذى اشتراه لها دودى، بعد رحلة على يخت والده، واستقرا فيها على الزواج الذى أغاظ العالم.

قصة حب رومانسية إنجليزية ومصرية، لم تكتمل. زوجة ملك الإنجليز، وأم ملكهم القادم، تخلد هى وحبيبها بالرحيل معا، فى نفق باريسى، وسط صدمة العائلة، بل العالم من حولهما، الأب الراحل بعد عمر طويل 94 عاما، خلد تاريخه بشراء أهم عقارين فى أوروبا، هارودز فى لندن، وريتز في باريس، ونادى فولهام الإنجليزى.

ملياردير، من أهم رجال الأعمال فى أوروبا، يشار إليه بالبنان، هاجر إلى لندن ليبنى إمبراطورية مالية، وأصبح من أهم رجال المال والأعمال فى أوروبا، حتى إن الأوروبيين والإنجليز، كانوا يكرهونه، ويغارون منه بلا شك، وكانت تملكهم عنصرية، كيف لابن المستعمرات القديمة أن تستعمر بلادنا ويعمر فيها، ويشترى رموزها.

لأن هذا الشاب، أو المصرى، أو كما كانوا يسمونه في أوروبا، «الفرعون»، لقدرته المالية الفائقة، لدرجة أن الوزراء ورجال الأعمال، والسياسيين فى الحزبين (العمال والمحافظين)، كانوا يقولون عن الفايد إمبراطور بلا إمبراطورية، وكانت الصحافة الإنجليزية تبتزه، بل تكرهه، وتحاول التقليل من شأنه ومن أهميته، كمصرى قادم ليحتل بلادهم، ولم تكن الدنيا غير الآن، كانت العنصرية (سائدة)، وكان الفرعون المصرى، الفايد يرد لهم الصاع صاعين، كان عنيدا وقويا، ولذلك حرموه من الجنسية البريطانية، التي يأخذها من هم أقل منه كثيرا، ولها «سيستم» سهل جدا، لكن الفايد الكبير، لم يسلكه، وذهب إلى اسكتلندا، وكان في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، صاحب جولات مع الإنجليز، وكاد يكون من كبار ملاك اسكتلندا، الباحثين عن استقلالها عن إنجلترا.

وعند رحيل الابن، والأميرة، جن الأب، واتهم المؤسسة الملكية العريقة الإنجليزية، بل وصل الاتهام إلى الأمير فيليب، زوج الملكة إليزابيث الثانية، أنه هو الذى دبر هذا الحادث، ليحرم الأميرة أم الملك القادم، من الزواج من شاب مسلم، ابن مهاجر مصرى، واستغل أن فيليب زوج الملكة كان يكره دودى الفايد، ويسميه حشرة مليئة بالشحم.

نحن أمام قصة حياة حافلة، بطلها دودى الفايد، وحبيبته أميرة القلوب ديانا، التى لا يزال الإنجليز وابناها الأميران يطلقون عليها الأم الحنون، واسعة الأفق، العنيدة للغاية.

والأب العصامى، محمد الفايد، الذى بنى نفسه وبنى إمبراطورية، ولم يرث عرشا، أو إمبراطورية، لكنه كان من المبدعين، وصناع الأعمال جيلا واحدا، كان حمالا يبيع الكوكا فى ميناء الإسكندرية، ورحل عن ثروة تفوق 2 مليار دولار، كتب اسمه من أغنياء العالم فى موسوعة جينز، وعلى أغلفة فوربس الاقتصادية.

هل انتهت الأسطورة، أو خلدت، لا أعتقد، لأنها تعيش بينالناس، وليس من الصعب أن يموت أكثر النساء جمالا وشعبية، التى تقول عن زوجها الأول الملك: عشقته وخذلنى، أما دودى الفايد، حاجة أخرى، إنه عالم جديد لم تعشه الأميرة، التى رحلت فى ريعان شبابها، 36 عاما، لكنها كانت كافية أن تحفر أسطورتها بين الناس، طالما نحن نعيش طفولتها وزواجها وصورتها وجمالها وحياتها، وجنازتها،بل رحيلها المدوى لا يزال محفورا ويتجدد لدى الناس، ولدى الميديا العالمية.

وعندما نقل تمثالها، وهى ترقص مع دودى الفايد على الشاطئ، تحت أجنحة طيور القطرس، ونقل عند قبره، ظل هذا النصب الموجود فى هارودز، ثم بعد نقله الأكثر حضورا في المخيلة، ولدى الناس، إنها قصة مكتملة تنتظر أديبا مبدعا مصريا لكى يكتبها، فتخلد الأسطورة فى ضمير الفن، كما خلدت فى ضمير الحياة، شمعة فى مهب الريح، لكنها لم تحترق، ولن تموت.

رحم الله الفايد الأب، والابن فهما من المصريين الخالدين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة