الصحافة القومية هي المعنى الحقيقي للصحافة الوطنية وكلمة الحقيقة.. هي أداة قوية لإحداث التغيير ونقل الحقائق، بأسلوب السرد الجميل.. الصحافة القومية هي عين الواقع، وقلمها الذي ينقش تفاصيل الحياة بحرفية فائقة.. الصحفي الوطني يشبه الشاعر الذي يجوب أرجاء الوجدان الإنساني بحثًا عن الجواهر المخفية، إنه يستنطق الأحداث ويستدرس الحقائق، ثم يقدمها للعالم بلغة مشوقة تنسجم مع إحساس القلوب، يتغلغل في أعماق الأحداث ليكشف عن الجوانب الخفية ويوضح الروح الحقيقية للقصة.. ليس للإثارة كالصحافة الصفراء أو الصحافة الممولة لأهداف خارجية أو الصحافة صاحبة التوجه السياسي..
الصحافة الوطنية هي صوت الضعفاء وصاحبة الحقيقة، إنها المهنة التي تسلط الضوء على الواقع وتحمل راية العدالة، الصحفي هو الوسيط بين الجمهور والوقائع، ينقل الأحداث بأمانة وصدق ووطنية ..
مهنة الصحافة هي مسئولية كبيرة تتطلب تفانيًا وإخلاصًا، إنها مهنة تنقل الأحداث وتوثق التاريخ، وترسم ملامح الواقع بألوانه المختلفة، الصحفي ليس مجرد كاتب، بل هو فنان يصاغ بوعي وإبداع ليصنع أدبًا معاصرًا يترك بصمة في ذاكرة الزمن.
الصحافة القومية الوطنية التي تتحرى الدقة هي نبض المكان والزمان اللذين يحتويان البشر الذي يعمل ويبني ويرتقي ويحب ويقيم العلاقات المختلفة ويفكر ويسعى للتعبير عن أفكاره وآماله وحاجاته بصور شتى، فهي أيضًا هذا المعين القديم لاحتواء كل هذه التفاصيل والأحداث الكبرى وجميع المجالات التي اهتدت إليها البشرية، بحيث صار هذا المعين هو الوسيط الناقل لخبر كل شأن، وذلك اعتمادًا على حب المعرفة والمتابعة فكانت أوراق البردي المصرية منذ آلاف الأعوام المساحة الغضة الأولى للنشر والإعلام، مستندة إلى كل قيم تلك الحضارة التي كانت السبب الأوفى لهذا الازدهار، ومن ورق البردي إلى الأحجار ومرورًا بكل عصر ووصولًا إلى الأوراق التي نعهدها بقيت الصحافة ميثاقًا بين صانعي الأخبار ومتلقيها، حتى أضحت بالنسبة للأمم المتحضرة عملًا وطنيًا وقوميًا.
من كل ذلك عرفنا الصحافة وفي القلب والأساس منها الصحافة القومية التي وُلدت وعاشت نبراسًا للأمم وخاصة الأمة المصرية، تساندها في الشدائد وتدفع بهدير الجماهير إلى قلب الشوارع؛ فيعرف أبناء الأمة في كل أرجائها أنهم على قلب رجل واحد في وجه المحتل، وتبني معها الأمجاد وتحتفي بالنصر فيعرف الوطن كله أن مصر تحيط شموخها شموخًا وعزة، حتى أثمرت التجربة الصحفية القومية على مر العصور رموزًا صحفية من الكتاب الذين ملأوا الآفاق وعيا ومعرفة وحماسًا وعلمًا وحكمة، فلا يكفي المداد لتدوين تلك الرموز، ليس لكثرتها فحسب فأي مقام يتسع لأسماء بحجم روزا اليوسف وإحسان عبدالقدوس وعلي ومصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل وصلاح منتصر وأنيس منصور ومحمود السعدني وإبراهيم حجازي وسلامة أحمد سلامة وصلاح الدين حافظ وغيرهم في هذا العقد الفريد الذي لا يزال يزين جيد صاحبة الجلالة في ملمحها وعمقها القومي وصولًا إلى اللحظة الراهنة.
فإذا ما صاح صوت الزمن الراهن والعصر القريب، نجدها تشير إلى الصحافة القومية كجندي في الخطوط الأمامية من الميدان وكحائط صد منيع في ظهر الوطن وأمام صدره، تتحدى معه التحديات الجسيمة، وتنير دروبًا من الرؤية الناصعة والوعي الناضج أمام الرأي العام، صامدة كفنار السفينة في بحر يسبح فيه العالم فوق أمواج من الشائعات، وحروب المعلومات، ومتصدية للفتن وممحصة للوقائع، وكاشفة للزيف وبارزة للحقائق وممهدة طريقًا نحو وحدة الأمل والأهداف والمساعي.
وكل ذلك لم يكن لتكتمل صورته لولا انبثاق الحلم تلو الحلم، أحلام وآمال تنبري وتأخذ هيأتها القويمة مع حلم الجمهورية الجديدة التي برزت عوالمها منذ اللحظة الأولى من الحلم بها، وحيث دُحرت قوى الشر، والتفت الأيادي حول الوطن وعلا صوت البناء والتنمية وإعادة الدماء لوريد الحياة المصرية في عصر ذهبي شهد طفرات جمة ووثبات واسعة وانطلاقات مهولة تتلمس المستقبل بخطى واثقة، وكيفما ازدانت جوانب الحياة كافة بأجواء زهور التنمية، وصرنا نرى مع كل إشراقة شمس مشروعًا قوميًا جديدًا، يتم تنفيذه، وآخر يتم التخطيط له، ومبادرات خلاقة ودعمًا مستمرًا للشباب والمرأة والأطفال، وتقوية أركان المحافظات النائية والمحرومة، وكسر هالة المركزية الزائفة.. وغيرها وغيرها من الأفكار والطموحات والإنجازات على أرض الواقع، حتى استشعر المواطن المصري من جديد قيمته كإنسان ابن حضارة وجدت فوجد التاريخ، مع بزوغ فجر الجمهورية الجديدة تحت قيادة حكيمة وملهمة ومؤمنة وفاعلة لا يثبط همتها أي عائق.
كل ذلك كان في مرمى المداد وواحة الأوراق والبوابات، فتجلت الصحافة القومية في أبهى حُللها، وقد شملها التطوير كجزء من المنظومة الكبرى والصورة الأشمل، وبالجهد الموفور والخطوات السديدة للهيئة الوطنية للصحافة، تمت هيكلة المؤسسات القومية وتطويرها بحيث شهدنا نقلة نوعية على مستوى الصحفيين وعلى مستوى المحتوى المقدم؛ ليناسب هذا الكم والكيف الضخم من قواعد المجد التي ترسي بنيان الجمهورية الجديدة، التي احتاجت إلى صحافة أيضًا بمواصفات عالمية نقطف ثمار تجربتها مع المنصات الإلكترونبة، بعد إرساء خطة طموح لتدريب الصحفيين على منطق ولغة التحول الرقمى، جنبا إلى جنب مع الصحافة الورقية التي تحتفظ بشغفها ورونقها وهيبتها، ليكونا معا مجدافية ملاح الكلمة في سفينة الصحافة القومية الوطنية ذات الهيبة والمصداقية والشجاعة والحس الوطني الدائم في ربوع الجمهورية الجديدة والوطن العربي والشرق والعالم.