Close ad

هدوء أم عواصف.. ماذا يحدث بالقارة السمراء؟

4-9-2023 | 18:45

يتبادر في هذه الأيام بذهن المهتمين بالشأن الإفريقي سؤال مفاده: ما الذي يحدث في القارة السمراء؟ وهل هناك علاقة للصراعات الدائرة والأجواء السياسية المضطربة في عدد من البلدان الإفريقية بما يحدث في العالم كله من اضطرابات، لعل أبرزها أو ما يبدو على السطح الحرب الروسية الأوكرانية؟ وإلى أي مدى هناك ضلوع للقوى الكبرى فيما تشهده القارة من اضطرابات؟ وهل حقًا تسعى المنظمات الدولية الكبرى لتسوية هذه الصراعات؟ 

جميعها أسئلة مشروعة جدًا وطبيعي أن ترد في أذهان المتابعين أيًا كانت مواقعهم من الأحداث، لكن طرحها باهتمام ومحاولة البحث عن إجابات يأخذ مسارًا أكثر جدية بالنسبة لدول الجوار ودول القارة الأخرى والتي لا يخلو أغلبها من أزمات سياسية أو اقتصادية.

وبنظرة على ما جرى خلال الأسابيع الماضية منذ ما حدث في دولة النيجر في السادس والعشرين من يوليو، وتعرضت النيجر لحالة من الفوضى السياسية، بعد الإطاحة ببازوم، والنيجر تقع في قلب منطقة الساحل، وتزخر بثروات وتملك معادن إستراتيجية، حيث إن لديها كميات كبيرة من اليورانيوم، كما يوجد الحديد والفوسفات والفحم والنفط، والكثير من العناصر. 

ولم تمر أسابيع حتى وقعت أحداث الجابون في 30 أغسطس الماضي، بعد أن ظهرت مجموعة من الضباط على شاشة التليفزيون، ليعلنوا أنهم "يضعون حدًا للنظام الحالي"، ويلغون انتخابات فاز بها الرئيس علي بونجو أونديمبا، وتم الإعلان عن أن جميع مؤسسات الجمهورية قد تم حلها، وكان ذلك بعد لحظات من إعلان هيئة الانتخابات الوطنية بأن بونجو قد فاز بولاية ثالثة.

وربما اختلف الموقف الفرنسي مع الجابون، ولم تطالب باريس بعودة رئيسها علي بونجو، بينما أكدت مطالبها ونداءاتها بعودة رئيس النيجر، محمد بازوم، والذي قال ماكرون إنه يتحدث معه يوميًا، كما طالبت بعودة النظام الدستوري، وأيدت توجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" لاستخدام القوة العسكرية لإعادة بازوم.

بينما في ليبيا لا  تريد الأطراف الفاعلة إنهاء الأزمة السياسية الطاحنة في البلاد والمستمرة منذ 2011، حتى باتت تقف على حافة الحرب الأهلية، ومع المساعي الدولية، وأبرزها من جانب مصر التي تدعم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن مع ذلك اندلعت اشتباكات بين الميليشيات المسلحة المنتشرة فى العاصمة طرابلس، بما يشكل تهديدًا للمشهد السياسي، وتزايد الانفلات الأمني في ظل وجود هذه الميليشيات المنتشرة في غرب ليبيا، التي يدعمها تنظيم الإخوان، وبعض الدول الأوروبية، التي تستفيد من استمرار هذا الوضع غير المستقر بالأراضي الليبية للحفاظ على تهريب النفط لأطول فترة ممكنة مقابل سعر بخس، مع العلم أن الميليشيات تتحصن بالمدنيين، لذلك أوقف الجيش عملياته ضدهم؛ حرصًا على أرواح المدنيين، الأمر الذي شجع أطرافًا دولية لإرسال ميليشيات أكثر إلى الغرب لنهب خيرات البلاد.

ولا تزال مصر تسعى بكل الفرص الممكنة لمساعدة ليبيا وشعبها لإعادة توحيد الصف وإضفاء الشرعية على مؤسساتها وحماية سيادتها، استكمالًا للمفاوضات في العامين الماضيين، التي أسهمت في تحقيق تقدم نحو التوصل إلى تفاهم بشأن القوانين الانتخابية التي من شأنها أن تسمح باتخاذ المسار السياسي والديمقراطي وإجراء الانتخابات.

وفي الوقت الذي يحذر فيه دبلوماسيون وباحثون من واقع المشهد السوداني، اقتراب السودان من سيناريو الانهيار في حال استمرار القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، مع العلم أن الأسلحة التي وصلت لقوات الدعم السريع من الخارج ساهمت في استمرار الحرب طوال الأشهر الماضية وحتى هذه اللحظة، فقد كانت أسلحة غير تقليدية من مضادات للطائرات وسيارات الدفع الرباعي، ورغم ذلك لا تتوقف المساعي الدولية، وعلى رأسها المصرية، من إنهاء الاقتتال الواقع منذ منتصف أبريل، والذي تسبب في فرار ما يقدر بأكثر من مليون شخص من السودان إلى دول مجاورة، وفي وجود أكثر من 6 ملايين على شفا المجاعة، وأكثر من 14 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات، وتواصل مصر تحركها الدؤوب لعودة الاستقرار للسودان، وفي أول زيارة له إلى الخارج منذ اندلاع الحرب يلتقي رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بالرئيس السيسي في العلمين، والذي أكد موقف مصر الراسخ بالوقوف بجانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، خاصةً خلال الظروف الدقيقة الراهنة التي يمر بها، آخذًا في الاعتبار الروابط الأزلية والمصلحة الإستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين. 

ويأتي هذا اللقاء في سياق الجهود والتحركات المصرية الأخيرة خصوصًا بعد قمة دول جوار السودان التي دعت لها القاهرة، والتنسيق الأمريكي المصري مؤخرًا في ملف السودان، والتواصل مع الأطراف الدولية من أجل التوصل لصيغة تنهي الحرب والصراع.

وبشكل عام فإن إفريقيا ـ لا شك ـ تمثل مطمعًا دوليًا للقوى المتصارعة في العالم اقتصاديًا وسياسيًا، لما تتمتع به من موارد طبيعية لم تزل بكرًا، وهذا ليس وليد اليوم وإنما التنافس على إفريقيا مستمر منذ نهاية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا، التي بدأ دورها يتراجع الآن في وجود قوى أخرى في هذا الصدد مثل الصين وروسيا اللتين سعت كل منهما لملء هذه المساحة.

ونجد دولة مثل فرنسا لها اهتمام خاص بالمعادن الإستراتيجية وبالأخص اليورانيوم، ومن ثم حافظت على التواجد العسكرى بمنطقة الساحل والصحراء لحماية مصالحها الاقتصادية، خصوصًا في ظل أزماتها الداخلية الخالية.

إذن ليس مستبعدًا أن الاضطرابات بالقارة الإفريقية بمثابة دلالة على تحولات النظام الدولي والتوازنات الجديدة بين القوى الكبرى، وأيضًا هو انعكاس للأزمات الداخلية التي تعاني منها الدول الإفريقية، وتظل الجهود المصرية رغم تشعب الأزمات ممتدة لإرساء الاستقرار بالقارة حفاظًا على مقدراتها من واقع الضرورة التي يمليها الأمن القومي والرباط التاريخي والجغرافي ووحدة المصير، ولاستكمال مسيرة التنمية الشاملة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: