الطبيب والمريض المصري

3-9-2023 | 15:59
الأهرام المسائي نقلاً عن

  • كان صاحب منصب وجاه، خرج للمعاش، اختلت موازين حياته بعد خلافه مع زوجته وأولاده، تدهورت صحته، مكث طويلاً في العناية المركزة بعد بتر إحدى ساقيه إثر زيادة السكر الذي تربص بشرايين وأعصاب قدمه.

  • أصيب بمرض جلدي من المستشفى انتقل إلى شقيقه الوفي الذي رافقه في رحلة مرضه ولم يتركه وحيداً يوماً بالمستشفى، انتقل المرض من الشقيق إلي أسرته.

  • جاءني مع زوجته واثنين من أولاده كلهم يعانون نفس المرض بدرجات مختلفة، كتبت لهم الروشتة وأبلغتهم بنصائح صارمة في غلي وكي الملابس الداخلية بالمقلوب، والاستحمام المستمر بالماء الساخن.

  • تنهد الجميع الصعداء ثم قالت الزوجة : ما اسم هذا المرض؟ قلت لها : هي حشرة ميكروسكوبية تتوطن تحت الجلد وتنشط وتخرج بالليل وتثقب الجلد لتضع البيض في آخر طبقة من الجلد، مما يثير الهرش بطريقة هستيرية لا يطيقها المريض وتحرمه النوم.

  • كررت السؤال  فكررت الإجابة، ألحت مرات فقلت لها: من الآيات الجميلة في كتاب الله الكريم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" فهناك أشياء إن إلح الإنسان على معرفتها ساءته معرفتها، أحياناً عدم المعرفة بالتفصيل تكون أفضل، معرفة كل شيء بالتفصيل قد تضر صاحبها ضرراً بالغاً.

  • ألحت مراراً هي وزوجها، قلت لهم طالما أصررتم على المعرفة فهو "الجرب"، وكل أسرتكم مصابة به.

  • شعرت بانكسار الزوج لسماعه اسم المرض، قلت له: معذرة أنتم الذين طلبتم بإصرار.

  • هذا الموقف تكرر معي مرات، أرفض مصارحة المريض المصاب بالجرب فهو يصيب الأسرة كلها ويعتبره المصري عاراً عليه.

  • معرفة الاسم تؤدي لاكتئاب وضيق للمريض، ولو أنه عالجه دون معرفة الاسم سيمر الأمر بسلام ويتحسن سريعاً ولا يعلق بذهنه.

  • جاءني مريض مصاب بالجرب دون أن يعرف اسم المرض وكان في حالة انهيار نفسي لأنه قضى ليلة في قسم الشرطة وشعر أن المرض معد وأنه سيصيب أسرته، فلما طمأنته وكتمت اسم المرض، عانقني بشدة وهو يبكي قبل انصرافه.

  • أحيانا تأتي امرأة شابة ومعها ابنها الصغير وقد أصيب بالبهاق، وأراها مكروبة ملهوفة تكاد تبكي مع كل كلمة تنطقها وتحاول استنطاقي باسم المرض فأقول لها: هذا بسيط إنه نقص في صبغة الميلانين سيتحسن بالتدريج مع الوقت والعلاج.

  • تستحلفني مراراً أنها مرعوبة من البهاق وخائفة منه، أردد: دعي المسميات جانباً واطمئني، سيتحسن كثيراً وعليك فقط بعمل كذا وكذا.

  • المصريون عامة لا يتحملون اسم البهاق، يخافونه كثيراً ، وخاصة الأم علي أطفالها ، فعالج المرض بكل دقة دون نطق اسمه.

  • أحياناً تأتيني شابة في سنوات الجامعة تعاني "صلع وراثي" في شعرها فأرفض أن أذكر لها اسم المرض، لأنه عادة ما يدمر الفتاة وخاصة إذا عرفت أمها أو حماتها أو خطيبها، يسألون ما هذا المرض فأردد: زيادة في هرمون معين يؤدي إلى تساقط الشعر، وإن شاء الله ستكونين أجمل عروسة وشعرك سيعود أفضل مما كان، كلمة الصلع الوراثي تدمر المرأة المصرية في أي عمر وسواء كانت آنسة أو مدام، كلمة صلع وحدها مفزعة.

  • المصري يختلف عن الأوربي ولعل الجميع سمع قصصاً كثيرة لمرضى السرطان لم يعرفوا كنه ولا اسم مرضهم فتحسنت صحتهم ومعنوياتهم وهزموا المرض وتغلبوا علي أحزانه .

  • وقد تحدثت في مقال سابق عن قصة الإعلامي الشهير د/محمد سعيد محفوظ ، حينما أسر إليه دكتور الأورام البريطاني أن أمه لن تعيش إلا عاماً واحداً فاتفق مع أسرته علي كتمان اسم المرض وكلام الطبيب البريطاني ، وحاول إسعادها بكل السبل وإدخال الفرحة عليها مع العلاج الصارم فإذا بها تعيش 13 عاماً كاملة وحينما رآها الطبيب البريطاني بعد خمس سنوات عجب بشدة وقال لابنها د/محفوظ هذه معجزة تخالف قوانين الطب، فحكي له ما صنعه وأسرته معها .

  • المريض المصري لو قال له الجراح : إن جراحة القلب المفتوح نسبة 10 % منها وفيات ما أقبل عليها أحد، وما تقدم لها مريض ، ولكن يطمئنه ويطلب الدعوات والباقي علي الله.

  • كتمان العلم في الطب وغيره أقرت به الشريعة لحاجة أو مصلحة أو لدرء مفسدة أكبر، وليست كل العلوم وحقائقها تقال لغير أهلها أو في غير مكانها، وكان أنس بن مالك لا يحدث أيام الحجاج بحديث العرنيين الذين أمر الرسول "صلي الله عليه وسلم" بقطع أيديهم وأرجلهم لفسادهم في الأرض وذلك حتى لا يتخذه الحجاج ذريعة لظلم الناس والبغي عليهم، وهذا من فقهه العظيم.

  • المريض في موقف حساس ودقيق والمصري خاصة معنوياته يمكن أن ترتفع إلي السماء بكلمات أو تهبط إلي الأرض بأخرى .

  • هناك مرضي يقولون لبعض أطبائهم مزاحاً بعد الكشف عليهم أنا كده خفيت "أي تحسنت من المرض"، لتواضع الطبيب وحسن استقباله وحديثه وكلماته الجميلة وطمأنة المريض والطبطبة عليه وهدهده نفسه الحائرة.

  • كلمة مثل "السرطان" لو نطق بها الطبيب أمام مريضه المصري يتحطم فوراً، وحينما تنهار معنوياته سينهار كل شيء.

  • لو أردنا أن نخبر المريض بشيء يكون بطريقة القرآن"وليتلطف" أي بطريقة الاقتراب عن بعد مع التدرج والتريث، فلا نقل للمريض "أنت لن تنجب أبداً" ولكن يمكنكم الآن كفالة طفل يتيم يسعدكم ويرضيكم حتى تنجبوا إن شاء الله.


كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة