لا تحزن مادمت تقرأ

30-8-2023 | 14:58

عالج نفسك بالقراءة والتأمل، هذا ليس كلامنا بل كلام منظمة الصحة العالمية، وقد أقرت تعريفًا لمفهوم الصحة، تخطت به المعنى المحدود، وعرفت الصحة بأنها حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا، والقارئ المحترم سوف يبادرني بالسؤال: أين موقع علاج النفس والروح بالقراءة والتأمل وتنشيط الخيال؟ الإجابة ببساطة يا أستاذنا أن الاتصال عبر تصفح تجارب الآخرين والاطلاع على أوراق التاريخ الإنساني، التي تعبر عن الآلام والمآسي، تكون بمثابة عزاء لكل متوتر ومكتئب، وتهدهد قلوبهم.

وأسلوب الحكي يمنح للمتلقي خيالا خصبًا يتجاوز به الخيال التقليدي، ويرسم له رؤية أعمق وأوسع، ويحفز حيوية الفرد، وتتسق الباحثتان "سوزان الدركين" و"إيلي بيرتود" مع نفس الفكرة، وأصدرتا كتابًا بعنوان "العلاج بالرواية: دليل العلاجات الأدبية من الألف إلي الياء"، ويعد واحدًا من أشهر الكتب المهتمة بالقراءة كعلاج، وظهرت مدرسة في لندن تتبنى فكرتهما، وعالجت مرضى نفسيين بواسطة سماعهم قراءة لكتاب ما.

كان العلاج بالقراءة أكثر حضورا وفاعلية في الزمن الماضي القريب، وصار وسيلة يستخدمها أطباء النفس في علاج مرضاهم، وسجل آثارًا إيجابية في تعافي المرضى، ولكن مع تزاحم القراءات على مواقع التواصل الاجتماعي وتزايد إصدار الكتب الرقمية والورقية، يحذرنا علماء النفس والدين والأجتماع من القراءة بعشوائية، ولابد من انتقاء أنواع القراءة.

والحديث عن علاج حالات الاكتئاب بالقراءة في هذا التوقيت إنما للتذكير بضرورة تناوله بجانب الاكتشافات الدوائية والطرق الحديثة لعلاج القلق، خاصة بعدما ارتفعت نسبة الإصابة بين سكان الأرض بالأمراض النفسية، وقد فشلت وسائل عديدة في السيطرة على غول الاكتئاب، الذي يفترس نفوس وقلوب البشر في هذا العصر، واستغل كذلك المشعوذين على مستوى العالم تفشي سوء الحالة النفسية بين الناس، وتلاعبوا بعقولهم لاسيما أصحاب النفوس الفارغة والعقول الضالة.

تصاحب الإنسان أمراض جسدية تلازم آلام أحزانه ومخاوفه، منها على سبيل المثال متلازمة التعب المزمن ومتلازمة القولون العصبي وفرط حركة الأمعاء والصداع النصفي، والحل الأمثل لعلاج كل هذه الأمراض في يد الإنسان، وهو البحث عنه في ثنايا نفسه، وأسرع طريقة للوصول إليها استمراره في عملية التعلم والتأمل، وبدوره يجعل القلب يرق ويملأ النفوس حبًا، ونحتاج الحب من أجل أنفسنا ومن أجل من حولنا ومن أجل الطبيعة التي نسكنها.

حين يعلم الإنسان أن ابتسامته لا معنى لها وجاره يبكي، وأن تناوله لطعامه الصحي المشبع بالفتامينات والعناصر المعدنية لن ينفعه وجاره يتضور جوعا، والقراءة أفضل وسيلة لتهذيب النفس وتنقيتها من شوائبها، وأنها تعطي للفكر أمكانية السباحة في الكون والتأمل في أحوال الناس، بعدما طهر نفسه من الأنانية والغرور واللامبالاة.

حسم علماء النفس تلك الفرضية، ودعوا إلى حتمية تفاعل الإنسان مع الدين والأدب والشعر، لكي يبلغ توازنه، ويعيش مستقرًا في حياته وسط ظروف متفاوتة بين الصعب واليسر، واعترفوا أن النفس يجب أن تؤمن بالعقائد الدينية، وأن تكون شغوفة بالقراءة والأطلاع، لتحقق غرضها في أكتساب النفس الهادئة.والقراءة التطعيم المثالي للنفس البشرية من قذائف القلق وانكسار القلب كما ذكر المفكر الفرنسي "نزفيتان تودوق"، ووضح ذلك في كتابه "الأدب في خطر"، وقال إن طوق النجاة للإنسان من ضغوط النفس هي القراءة، وصرح بأنها الوسيلة الناجعة لإعادة تشكيل النفس.

ومن جانب آخر يخاطب علماء الدين إنسان العصر ويخبرونه بتقديم غذاء الروح على غذاء الجسد، وغذاء النفس لا يصح إلا بقراءة آيات الله والسباحة في سمائها، وتجربة السلف الصالح تؤكد لنا أن المعية مع الله من خلال التفكر والتأمل في أسمائه وصفاته كانت وقودهم لتقدمهم على الأمم.

وفي كتاب "الروح" لأبن القيم يقول إن الله جعل كمال كل عضو في الجسد سلامته من أي خلل، وكمال القلب والنفس وسعادتها في معرفتها اليقينية بالله، والتوصل إلى محبته، والإقبال عليه، والإنابة إليه، وصدق الله العظيم في أول ما قال لرسولنا: "اقرأ باسم ربك الذي خلق".

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: