28-8-2023 | 13:16

يصيبك قيظ الصيف بالظمأ الشديد، ويترتب على هذا العطش خلل ما في جسدك قد تشعر بالإعياء أو الهبوط وربما يصل بك الأمر الى الإغماء، وحين تشعر بالجوع الشديد ربما يترتب عليه مغص وألم في البطن، وحين تشعر بالبرودة الشديدة فلابد من ارتداء ملابس ثقيلة للتدفئة ووقت الاحترار نخفف ثيابنا.. 

كل تلك الأحاسيس من عطش وجوع وحر وبرد والطريقة التي يتفاعل بها جسدنا تلقائيا يطلق عليها الحاسة السادسة، فنحن جميعا نمتلك خمس حواس (السمع، البصر، الشم، اللمس، التذوق) أما هذه السادسة فهى المحرك الذي يربط بين إشارات المخ والاستجابة الجسدية وقد تكون أسرع عند البعض فتجد الشخص مدركا احتياجات جسده ومستجيبا لها بشكل أسرع.

أما ما يسمى بالحاسة السابعة فهذا شأن آخر، فهي حاسة روحية تستشعر الحقيقة وتجيد التمييز بين الكذب والصدق وتجعل صاحبها قادرا على قراءة الشخص الآخر وتفسير الأحداث بشكل أكثر دقة فتختصر لديه وقتًا قد يطول مع غيره حتى يصل إلى نفس النتيجة وكأنها عين ثالثة للرؤية.

لكن الحدس هو تصور فوري للمبادئ الأولية، وبالتالي تعبير عن معرفة أكيدة لأن الفكر يصل إلى محتوياته مباشرة، وترى أستاذة علم النفس الإكلينيكي جان سيود فاكشين أن الأمر "ليس فيه أي جانب روحاني"، إذ يعتمد الحدس على التجميع السريع لكمية كبيرة من المعلومات الحسية في لحظة معينة، وهو نوع من المسح يكون في حدود 360 درجة، وفي مستوى أدنى من الوعي وتضيف "يتطلب الحدس قدرة كبيرة على التقاط بعض الإشارات الضعيفة الموجودة في بيئتنا. 

هذا الإدراك الحسي الواسع للغاية، الذي ينتقل بسرعة عالية في دماغنا، يمكن أن يرتبط أيضًا بعناصر تم حفظها بالفعل لتكتسب فجأة معنى محددا.

 وغالبا ما نرفض هذه القناعة العميقة التي تظهر فجأة لأنه يستحيل علينا تفسيرها، على عكس الاستدلال أو الاستنتاج أو التفسير المنطقي.
 
أما البصيرة  فهي إدراك الأمور على حقيقتها فهي الإدراك التام الحاصل في القلب، وفي العصور القديمة ربطها العلماء بالأحلام على اعتبارها حالة من التنبؤ والرؤى الثانية، وقد أجرى أرسطو تجارب على الأحلام التنبؤية، وأكد أن بعض الأحلام قد تكون رموزًا ورسائل وأسبابًا لمعرفة شيء ما أو التنبؤ به.

وقد غرق العلماء والفلاسفة في هذه الديلمة للوصول ألى تعريفات واضحة، ولكن اختلفت النتائج، إلا أن الآية 46 في سورة الحج  من قول الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ..) صدق الله العظيم 
فتوضح لنا أن بصيرة القلب أقوى وأهم من بصر العين، وأن نعمة البصيرة يفضل الله بها بعضنا على بعض.

إذان فالحدس محله العقل والبصيرة محلها القلب والروح، وفكرة الحدس هذه في اعتقادى هي ما قامت عليه تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي، وفقا للمعلومات والمدخلات التي يضعها صانع المحتوى، والتي تمكن العقل الاصطناعي من ربط المتشابه والوصول الى نتائج منطقية، ولكن هل يمكن لشخص أن يُمنح مثل هؤلاء البصيرة؟! 

الإجابة بكل تأكيد لا، وكما قال الشاعر الثائر محمود درويش: لستُ أعمى لأبصر ما تبصرون، فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي إلى عدمٍ أو جنون. 

بينما رأى الطبيب الفيلسوف مصطفى محمود أنه: عن طريق النفس أتحكم في الجسد.. عن طريق العقل أتحكم في النفس.. وعن طريق البصيرة أضع للعقل حدودًا. 

وهذه العلاقة الديناميكية بين العقل والقلب والنفس تتطلب حالة من التوازن حتى تتضح الرؤية أمام عيون الروح والقلب أملا في قمع التزييف والتضليل والوقوع فريسة سهلة في شباك الخداع والخذلان.

نقي روحك داخليًا من شوائب الأحقاد والغل والغيرة والحسد وما شابه، وسوف تتجلى بصيرتك لترى محيطك الخارجي بكل وضوح فعوادم الكراهية تحجب الرؤية حتى لو استخدمت تليسكوب جيمس ويب الفضائي، فالرؤية الصحيحة تأتي من داخلك.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة