بعدما تخطى عقبة الثانوية العامة.. خبراء ينصحونك: اترك لابنك حرية اختيار الكلية

21-8-2023 | 14:28
بعدما تخطى عقبة الثانوية العامة خبراء ينصحونك اترك لابنك حرية اختيار الكليةمعركة الآباء والأبناء بعد الثانوية العامة
أمل شاكر
نصف الدنيا نقلاً عن

كل عام يعيش أولياء الأمور حالة من القلق على مستقبل أبنائهم في انتظار ماراثون نتائج الثانوية العامة وفرحة النجاح واختيار التخصص الجامعي، وهنا يصبح الأبناء في حيرة من أمرهم بين ما يريده الآباء ويرغبون فيه، وما يتفق مع قدراتهم وميولهم وما يتطلبه سوق العمل، فما الاختيار الأفضل؟ توجهنا بهذا التساؤل إلى مجموعة من الخبراء والمتخصصين لمساعدة الأبناء والآباء على اتخاذ القرار السليم.

يقول د. عصام لطفي أستاذ الاقتصاد والخبير المصرفي إنه من الأمور الجوهرية أن يتم طلب المشورة والنصيحة قبل اتخاذ قرار مصيري أو بدء مرحلة جامعية وحياتية جديدة، لكن علينا ألا نخلط بين إعطاء المشورة للابن والتدخل في اتخاذه للقرار، لأنه صاحب الشأن وعليه اتخاذ القرار الذي سيترتب عليه مستقبله ليتحمل تبعاته.

وللأسف نجد الكثير من الآباء لاسيما الأقارب وربما الزملاء والمعارف يتدخلون في اختيار الأبناء للتخصصات ومجالات الدراسة، فهو مشهد متكرر كل عام فور إعلان نتيجة الثانوية العامة، فالأب يحلم بكلية يرى أنها المناسبة لابنه، والابن تحركه ميوله ورغباته للدراسة في اتجاه آخر يتناسب معه.

ومن الظلم إجبار الأبناء على الدراسة في مجال معين لتحقيق أحلام الآباء التي فشلوا في تحقيقها. وبعض الآباء يعتبرون أن مهنتهم هي النموذج الأمثل للنجاح وينظرون لأبنائهم على أنهم امتداد لهم في الحياة العملية من دون مراعاة ميول أبنائهم وهل قدراتهم تتناسب مع هذه التخصصات أم لا؟ كما ينظر بعض الآباء إلى أبنائهم على أنهم في مرحلة عمرية لا تسمح لهم باتخاذ قرار مصيري يتوقف عليه مستقبلهم، كما أن هناك بعض التخصصات تعتبرها بعض الأسر مستوى مهنيا أقل، وهناك بعض الآباء ممن يفضلون كليات القمة كالطب والهندسة والاقتصاد العلوم السياسية والصيدلة والألسن والإعلام وغيرها ويصرون على أن يلتحق أبناؤهم بهذه الكليات بغض النظر عن ميولهم وقدراتهم. وفى الحقيقة أنه اعتقاد خاطئ فلا توجد كليات قمة وكليات قاع، فجميع الكليات تحتل القمة ولها أهمية حقيقية في المجتمع.

ويضيف د. عصام لطفي أن دور الأسرة مهم، فعليها أولا إرشاد ودعم ومساندة الأبناء وتشجيعهم على الالتحاق بالكليات المناسبة لقدراتهم وميولهم ومهاراتهم، سواء كانت فنونا أو كليات عسكرية أو سياحة، أما الطالب الذي لم يحقق النتيجة المتوقعة والتحق بكلية مثل التربية الرياضية والآداب والحقوق فأمامه فرصة أكبر أن يتفوق ويصبح عضو هيئة تدريس. وثانيا ننبه إلى جانب مساندة رغبات الأبناء فيما يدرسون أيضا البحث والتعرف إلى متطلبات العرض والطلب في سوق العمل، فمثلا هناك كليات ومجالات جديدة منها الحاسب، وكليات التمريض، وكليات علوم الإعاقة التي تتعامل مع أصحاب الفئات الخاصة، والمعهد الصحي وبه أقسام الأشعة والتحاليل الطبية وتركيبات الأسنان فجميعها كليات تتمتع بمستقبل كبير في سوق العمل.

سوق العمل

يقول د. هشام رشدي أستاذ الإعلام المساعد بجامعة المنوفية: المدقق في أمور الحياة يرى أن متطلبات سوق العمل قد تختلف عن أنظمة التعليم وأن التفوق ليس له علاقة بكليات معينة دون أخرى، ولو رجعنا إلى الوراء قليلا لوجدنا هواجس نتائج الثانوية العامة التي تثير القلق بين الطلاب وأولياء الأمور ظنا منهم أن هناك ما يسمى بكليات القمة وأخرى دون القمة، والحقيقة أن هذا المفهوم خاطئ وليس له أساس من الصحة، ولا بد من أن ندرك جميعا أن النجاح عمليا لا يستند إلى كليات معينة وأن القضية التي يقع فيها الكثير من الأبناء تسلط الآباء وإلحاقهم بكليات ومجالات لا يرغبون العمل بها، وبالتالي يفشلون فيها.

وهناك العديد من النماذج التي رأيناها على مر السنين فربما لو التحق بالمجال الذي يرغبه لكان أكثر نجاحا وتفوقا، فالأبناء هم الأقدر على تحديد رغباتهم. ومن المهم تعريف الآباء بدورهم الذي ينحصر في تشجيع الأبناء وحثهم على الطموح والاجتهاد والنجاح والتوعية للأبناء منذ الصغر وتعريفهم بمجالات الحياة والعمل حتى يكتشف كل ابن هويته وتميزه ويحدد ما يريد دراسته ويحدد الهدف ويضعه نصب عينيه ويحاول الوصول إليه وهنا لن يكون الآباء في حيرة من أمرهم حول تحديد خيارات الأبناء وإجبارهم على طريق لا يتوافق مع طموحاتهم فالأمر أصبح لا يقدر بكلية دون أخرى، لكنه يتعلق بهوايات ورغبات كل ابن.

ويضيف د. هشام رشدي أنه كان يود أن يكون نظام التعليم فى مراحله الأساسية أي ما قبل الثانوية العامة مبنيا على الاختيار والتوجيه أي اختيار الطلاب للمجالات التي يرغبونها، فربما يرغب طالب بعد المرحلة الإعدادية في أن يلتحق بالتعليم الفني ويبدع فيه، وربما يرغب آخر في الالتحاق بمدارس الزراعة، أليس مجتمعنا الآن بحاجة أكثر إلى مثل هذه التخصصات من صناعة بكل مجالاتها وزراعة بكل أقسامها، لكن النظرة لهذه النوعية من التعليم بنيت على أساس التقييم بالدرجات الذي بات المصدر الرئيسي لحكم الآباء على قيمة التعليم، لذا أرى أهمية إعادة النظر في منظومة التعليم قبل الجامعي وأن يكون هناك آليات لتوزيع الطلاب من مرحلة التعليم الأساسي وصولا إلى مرحلة التعليم قبل الجامعي على أساس مقاييس تحدد هويات ورغبات الطلاب.

وأن يكون هناك توازن في الفكر والنظر بين مدارس الصناعة والزراعة والثانوية وأن يفتح المجال لطلاب هذه المدارس للالتحاق بالكليات المختلفة ويكون العدد الأكبر لكليات الهندسة من خريجي المدارس الصناعية، والعدد الأكبر لخريجي كلية الزراعة من خريجي المدارس الزراعية. ولا بد من تشجيع الطلاب على الالتحاق بهذه المدارس وفقا لرغباتهم وليس لأنه لم يحصل على درجات تؤهله للثانوية العامة.

الضغط والتحكم مرفوضان

يرى د. ياسر يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة أن الأبناء ليسوا أداة لتحقيق أحلامنا الضائعة فهم كيان منفصل لهم قلوب وعقول تفكر ولهم أحلامهم من منظور مختلف ويتطلعون إلى تحقيق طموحهم وآمالهم الخاصة بهم، وأن ممارسة بعض الآباء الضغط والتحكم على الأبناء في اختيارهم للكليات يعتبر نوعا من أنواع الإساءة النفسية التي تمارس تجاه الأبناء، لكن لا مانع من مناقشة الأبناء في اختياراتهم وإبداء الرأي والنصيحة، لكن من دون الضغط المباشر أو غير المباشر تجاه مجال دراسي بعينه تلبية لطموح الأب أو الأم من دون النظر لرغبة الابن.

وهناك بعض الآباء الذين اعتادوا ممارسة هذا السلوك مع أبنائهم بداية من فترة الطفولة عن طريق التلقين والتوجيه بصيغة الأمر من دون الرجوع إلى رغبة الابن والاستماع إلى وجهة نظره أو التحكم بطريقة غير مباشرة عن طريق تلميع ما يريده الآباء والتخويف والتقليل من شأن أي اختيار أو رغبة يميل إليها، وهذا يعتبر سلوكا أكثر تعقيدا على استيعابه وفهمه من قبل الابن وله تأثير سلبي نفسيا في مراحل نموه المختلفة بخاصة في مرحلة المراهقة والبلوغ.

وهذا السلوك له أسباب عديدة منها وجود إخفاق في تحقيق أحلام وآمال الأهل في فترات عمرهم المختلفة وتركت أثرا نفسيا سلبيا لديهم فاتجه العقل الباطن إلى تعويض تلك الأحلام عن طريق أبنائهم ليضمد الجروح النفسية القديمة. وهذا السلوك غير الناضج ينعكس بالسلب ليس فقط على الابن، لكن أيضا على الأب أو الأم اللذين يمارسان هذا السلوك سواء عن قصد أو غير قصد، فهو يضعهما في ضغط نفسي مستمر ما لم ينفذ الابن ما يقتنعان به، إضافة إلى الشعور الدائم بعدم الرضا عن الابن.

وهناك أيضا الآباء أصحاب الشخصية النرجسية التي إذا وجدت في أحد الآباء تزيد من احتمالات ممارسة تلك الأساليب التحكمية وعدم تقبل كون الابن له شخصية منفصلة وله فكره واتجاهاته وله الحق في اختيار ما هو مناسب له طالما لا يمس العرف الأخلاقي والثقافي المجتمعي والثوابت الدينية.

أيضا هناك سبب آخر لضغط الأهل على الأبناء وتوجيه اختياراتهم وهو التباهي الاجتماعي والمقارنات، فيميل البعض إلى استغلال تفوق الابن الدراسي وربطه بضرورة دخوله إحدى الكليات التي طالما سميت بكليات القمة، حيث يجعلهم يشعرون بالتفاخر والتعالي بين الأقارب. وتعتبر أن الدرجات الدراسية هنا مكتسبات مادية يصعب على الأهل التفريط في الاستفادة بها من دون النظر لرغبة الابن ورسم مستقبله، إضافة إلى أن العادات المجتمعية التي تتمثل في رغبة الأهل في توريث مهنتهم لأبنائهم تعد نوعا من أنواع تحقيق الطموح واستكمال الأهداف والأحلام التي عجز الأب عن تحقيقها بنفسه فيلجأ إلى نقلها إلى ابنه ليعوض الشعور الوهمي الداخلي بالإخفاق.

وينصح د. ياسر يسري جميع الآباء بإعطاء الفرصة كاملة لأبنائهم في اختيار الكلية وما يرونه مناسبا لهم مع إبداء الرأى والنصيحة فقط من دون التحكم والضغط المباشر وغير المباشر. ويجب على الأبناء الاستماع والاستفادة من خبرة آبائهم والتشاور معهم قبل اختيار المجال الدراسي واختيار المناسب لهم مع دراسة ومعرفة سوق العمل والمجالات المطلوبة فيه، فبالنسبة لأصحاب الدرجات العليا في الغالب نجدهم يفضلون كليات القمة وطالما تتوافر لدى الطالب القدرات والرغبات والطموحات التي تؤهله لاختيارها فلا توجد مشكلة.

وأخيرا ننصح من لم يوفق في الامتحان أو في الالتحاق بالكلية التي يرغبها طالما بذلت كل الجهد وأديت ما عليك فتوكل على الله وتقبل النتيجة، أما النجاح أو الفشل فليسا نهاية الحياة، ويمكن أن تبدأ من جديد مع مزيد من التركيز والتنظيم وهدوء الأعصاب ومساندة الأهل، وعدم الإحباط واليأس، لكن عليهم العمل والجد والتحدي والإصرار وتنمية واستثمار مواهبهم وطاقاتهم ليجعلوا من الإخفاق نجاحا ومن الإحباط واليأس تفوقا ونجاحا.

كلمات البحث