كثيرًا ما أجد نفسي ترسل إلىّ برسائل عدة، رسائل متتالية وعاجلة تدعوني فيها إلى السير بين طرقات ماض يصفه أغلبنا بالزمن الجميل، أذهب هناك لأستمتع ببعض الهدوء والسكون؛ لأشاهد بشاشة الوجوه وألمس صفاء القلوب، أراقب من قريب صفة الرضا بكل ماهو مكتوب دون ضجر أو شكوى، فقد اعتادت الأنفس الصبر أمام جميع المحن التي تصيب بسهامها الغادرة قلب الوطن، كنا في طفولتنا نغني في مدارسنا أناشيد عظيمة تغرس فينا كل مقومات محبة الأوطان، وتؤكد مبدأ التضحية من أجل الوطن فتمتلك على أثرها وجداننا وتجعلنا نذوب عشقًا في حب الوطن.
أتسلل أحيانًا إلى عالم الشباب لألقي نظرة على التحديات التي تواجهه في عالم يفتقد فيه لقدوة ترشده، لنبراس ودليل ينير له الطريق، أرى الأنانية تنسج خيوطها حوله فتعيقه وتقيده حين يقوم البعض منا بتصدير صورة الوطن شاحبة باهتة تخلو من الجمال، أو يصدرها صورة داكنة كئيبة هجرها الأمل وغادرها لأبعد مكان، نطمس أحلامهم الجميلة ونشوه أمنياتهم النبيلة بأيدينا، ثم نعود لنصرخ من ضياع وفقدان المثل الأعلى في حياتهم، المثل الذي تم رجمه لطمس معانيه ودفن هويته في عيونهم، ونظل نبكي بعدها على ما أصابهم وما يصيبهم من نوبات اكتئاب أو محاولات انتحار.
لاتتركوا شبابنا هكذا في حصار دائم مع أفكاره التي تضاربت كثيرًا وهي في طريقها لتفسير ما ننطق به من أقوال وما ننفذه من أفعال، لا تدعوا نيران التخبط تحاصرهم ولا تمكنوا اليأس من مطاردتهم ثم تعودوا بالشكوى من انطفائهم وفقدان رغبتهم في التعلم أو ربما في الحياة بأكملها.
نحن المصريين الذين كنا لأعوام وأعوام مضربًا للأمثال في التضحية والإيثار نحن من علمنا العالم منذ القدم قيمة الارتباط بالوطن والوقوف بجانبه حين يتعثر أو يتعرض للضغوط ومحاولات الدفع به إلى حافة الانهيار.
تعلمنا أن الوطن هو حصننا الآمن، قلعة صمودنا الصلبة التي على أبوابها تنكسر كل خطط ومحاولات الإيقاع به للقضاء عليه وتدميره، أين ذهب حب الوطن بمفهومه الكامل والصحيح، هل غابت شمس الانتماء للوطن عن سماء بلادي! فنسى الجميع أيامًا قضيناها في ظلمات الخوف والفزع نترقب الآتي، أذكركم ونفسي بتلك الأيام التي خرجنا ننادي فيها بحاجتنا لتوفير الأمن دون غيره بعد أن قمنا بإجراء معادلتنا سريعًا، وقررنا التنازل عن كل مقومات الحياة مقابل العيش في أمان، وفجأة زالت من ذاكرة البعض تلك اللحظات وتوارت معالمها خلف قضبان النسيان، نسينا أننا ننعم بما كنا ننادي به وتذكرنا كل ما لم يكن حينها في الحسبان.
الصبر ممارسة وعبادة، احتمال الأزمات ومحاولة الحد من آثارها والتخفيف عمن يتعرضون لها بشكل مباشر وقوي واجب علينا جميعًا، الامتناع عن دعم الآخرين حين يتعرض الوطن لضغط واضح رغبة في إثنائه عن التقدم بخطوات ثابتة يعد درجة من درجات الخيانة، والحكمة تتطلب الانتظار والصبر حتى يمر هذا الإعصار الذي حل بنا ليربكنا كما حل بغيرنا، تصدير الطاقة الإيجابية لأنفسنا ولمن حولنا هو أحد أهم بنود الخدمة الوطنية الحقيقية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها وطننا الحبيب.