Close ad

بدأ بالسويد.. وإيطاليا.. وانتهى بإسبانيا اليمين المتطرف.. زلزال سياسى يجتاح أوروبا

16-8-2023 | 08:35
بدأ بالسويد وإيطاليا وانتهى بإسبانيا اليمين المتطرف زلزال سياسى يجتاح أوروباصورة أرشيفية
رشا عامر
الأهرام العربي نقلاً عن

لمعالجة مسألة الهجرة لمنع ما تصفه بـ «الاستبدال العرقى»

موضوعات مقترحة

 

التصور السلبى.. للهجرة السبب الرئيسى لتعذية اليمين

 

جاءت الانتخابات الإسبانية الأخيرة، لتسلط الضوء على ظاهرة بدأت فى العديد من الدول الأوروبية، ألا وهى إعادة اليمين المتطرف إلى السلطة فى إسبانيا، التى تعد رابع اقتصاد فى منطقة اليورو، كاد هذا اليمين أن يعود للمرة الأولى منذ نهاية فرانكو عام 1975. ملقيا الضوء بذلك على الانتخابات الأوروبية المقررة فى 2024، ومؤكدا حقيقة مفادها: أن الجناح اليمينى فى أوروبا قادم ومستمر بقوة.

فى عام 2003 قبل التوسع فى أوروبا الشرقية، شكل اليسار (خصوصا الاشتراكيين الديمقراطيين)، 13 حكومة من بين 15 حكومة فى دول الاتحاد. ما يطرح علامة استفهام حول هذا التحول، الذى شرحته مؤسسة فوندابول، من خلال استطلاع تم إجراؤه على مجموعة من السكان فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة.

 جاءت الدراسة التى أجريت على الديمقراطيات الأربع أن 39 % قد أيدوا اليمين بقوة، ففى إيطاليا أيده 44 % ليكونوا أكثر صعوبة من بريطانيا، التى أيدته بنسبة 40 %، بينما جاءت فرنسا بنسبة 38 %، وفى النهاية ألمانيا بنسبة 36 %. ما يعنى أنه إذا استقرت الأمور على هذا النحو، فإنه فى غضون بضع سنوات سيكون لدى أوروبا غالبية ربما تميل لليمين المتطرف.

السبب الرئيسى لهذا الميل اليمينى، يعود إلى التصور السلبى للهجرة، الذى يسود فى كل مكان. ففى المتوسط​​، يوافق ستة من كل عشرة مواطنين على العبارة التالية: هناك الكثير من المهاجرين فى بلادنا، ونفس العدد تقريبًا يعتقدون، أن بلادهم يجب أن تكون أكثر انغلاقًا من حيث الهجرة. 63 % من الفرنسيين، يدافعون وبقوة عن الرأى القائل بأن الإسلام يمثل تهديدًا للجمهورية، بينما يؤيدها 81 % من الكتلة اليمينية، فى حين أن أنصار الجناح اليسارى فى الغالب مؤيدون للإغلاق.

تغيير عميق

يبدو التغيير الأيديولوجى العميق، أكثر إثارة للانتباه بين الأجيال الشابة، التى ألقت بنفسها فى أحضان اليمين أكثر من اليسار، ففى جميع البلدان الأوروبية، نجد أن 82 % من الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، يميلون بقوة إلى اليمين، ونفس الشىء لمن هم فى سن 65، وما فوقها والمعروف أنهم تقليديا يصوتون لليمين.

كانت البداية بعد الانتصار غير المسبوق، لتحالف اليمين واليمين المتطرف فى السويد، حيث اتجهت الأنظار بعدها إلى إيطاليا مع تكرار نفس السيناريو خلال الانتخابات التشريعية فى 25 سبتمبر 2022، بعدما أثار فوز الديمقراطيين السويديين، حفيظة أبناء عمومتهم الإيطاليين، حيث غرد ماتيو سالفينى على تويتر قائلا: حتى فى السويد بلد الجمال والديمقراطية، هُزم اليساريون وعادوا إلى منازلهم، والآن حان دورنا وسوف نفوز. وعلى عكس السويد، فإن اليمين المتطرف فى إيطاليا ليس مجرد حليف لليمين السائد، أنه هو الذى يقود الأوركسترا، فلدى جورجيا ميلوني زعيمة حزب فراتيلى ديتاليا - وهو حزب تم إنشاؤه فى عام 2012، من قبل امرأة تبلغ من العمر 45 عامًا - كل الفرص لتولى زمام المبادرة فى ثالث أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو.

تريد جيورجيا ميلونى، معالجة مسألة الهجرة لمنع ما تصفه بـ الاستبدال العرقي فهى تريد زيادة معدل المواليد، وتعزيز الهوية فى أوروبا أما شعارها فهو الله، الوطن، الأسرة وهى تسعى لتخفيض الضرائب وتخفيف بعض الأنظمة الأوروبية.

يعد هذا الحزب بالطبع يمينيا، لدرجة أنهم يصفونه فى الصحف الفرنسية، بأنه حزب إخوان إيطاليا، وذلك لأنه وريث الحركة الاجتماعية الإيطالية التى تأسست عام 1946. واحتفظ إخوان إيطاليا أيضًا بشعارهم، وهو لهب ثلاثى الألوان (أخضر- أبيض - أحمر)، وكان للجبهة الوطنية فى فرنسا نفس الشىء.

أصبح شائعا

تُظهر السويد وإيطاليا، أن اليمين المتطرف أصبح مألوفا فى أوروبا، وأن هناك تسامماً مع اليمين الجمهورى، الأمر الذى يؤكد أن هناك تطورا هيكليا عالميا، وحتى لو ظل وجود هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة فى الحكومة استثنائيًا، فلقد نجحت بدمج أحزابها وممثليها فى اللعبة السياسية، ويمكن الاستدلال على ذلك بالحكومات القومية اليمينية المحافظة فى بولندا والمجر، وقد أدى الشعور بالتراجع وانعدام الأمن الاقتصادى بين الأوروبيين، الذى تضخم بسبب أزمة الطاقة، إلى تعزيز وجود اليمين المتطرف بشكل أكبر فى صناديق الاقتراع.

زلزال سياسى

الزلزال السياسى، الذى شهدته إيطاليا يأتى بعد أسبوعين من الزلزال، الذى شهدته السويد، انتصار كتلة محافظة تضم حزب الديمقراطيين فى السويد، وهو حزب منبثق من النازيين الجدد، الذى حقق انفراجا قويا، ليصبح أول تشكيل يمينى فى السويد بلد الشمال. وفى أوروبا، أشاد العديد من القادة الذين تتراوح مواقعهم بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف فى بولندا، تحدث رئيس الوزراء ماتيوز موراويكى، على فيسبوك عن نصر عظيم. وشاركه الحماسة رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، الذى غرد مديره السياسى بالاز أوربان برافو، جيورجيا! انتصار مستحق.. تهانينا وفى ألمانيا، أرسلت بياتريكس فون ستورتش، نائبة رئيس مجموعة البديل من أجل ألمانيا فى البوندستاج: تهانينا للتحالف بأكمله.

يظل الاتحاد الأوروبى وفرنسا، مهتمين باحترام حقوق الإنسان، حيث قال المتحدث باسم الحكومة فولفجانج بوشنر للصحفيين، إن ألمانيا تتوقع أن تظل إيطاليا مؤيدة للغاية لأوروبا، وفى مواجهة الشكوك فى بلدها، وفى الخارج، أكدت جيورجيا ميلونى أن التحالف سيحكم لجميع الإيطاليين وعلى أية حال، هذا ما تريده بروكسل، وكذلك فرنسا التى حذرت من خلال إليزابيث بورن، رئيسة حكومتها، من أنها ستهتم باحترام حقوق الإنسان والحق فى الإجهاض.

قيادة معقدة

إن الأسئلة التى تطرح نفسها حاليا هى: هل يعتبر وصول اليمين المتطرف إلى السلطة فى كل من السويد وإيطاليا مفاجأة؟ وهل يمكن أن تنتقل هذه الظاهرة إلى دول أخرى؟ وهل مستقبل الاتحاد الأوروبى مهدد؟

جان إيف كامو، عالم سياسى، ومدير لمرصد التطرف السياسى فى مؤسسة جان جوريس، يجيب عن هذه التساؤلات، قائلا: إنه فى البداية تجب ملاحظة، أن اليمين المتطرف القديم الذى كان من الممكن ربطه بالنازية أو الفاشية، يعيد التركيز ليصبح يمينًا راديكاليًا. وهذا بالضبط ما يفعله السويديون فهذه التشكيلات اليمينية، مثل حزب جيورجيا ميلونى أو مارين لوبان يرغبون فى العمل فى إطار الديمقراطية، ولا يرغبون فى إسقاطها، فهم يريدون إما ممارسة العمل السياسى بطريقة عادية، أو تأسيس ما يمكن تسميته ديمقراطية ليبرالية.

أما الشخصيات البارزة فى هذه الحركة، فهما أولا فيكتور أوربان فى المجر، وثانيا الحكومة البولندية، وهو نموذج يجذب المزيد والمزيد من التشكيلات اليمينية فى أوروبا. وعلى الرغم من أن نظام أوربان، يعتمد على التعدى المتزايد للسلطة التنفيذية على القضاء، وعلى دور البرلمان حيث يتمتع فيكتور أوربان بأغلبية كبيرة، وكذلك التعدى على النظام الاقتصادى، فإنه فى أوروبا يوجد العديد من الضمانات والديمقراطيات التى تحميهم.

 وبالتالى فإن هذا النموذج غير قابل للتصدير تمامًا، لأن المجر لها تاريخ معين، إذ إن لديها انطباعا، بأن أوروبا الغربية أساءت معاملتها، كما أن لدى فيكتور أوربان هوس: فهو يعتقد أن أوروبا قد دمرت لأسباب ديموجرافية، وهو يعتقد أن الهجرات الإسلامية، سوف تطغى على السكان الأوروبيين العرقيين، لكن لا يمكن أن يكون الناس فى كل مكان فى أوروبا، يشعرون وكأنهم فى طريقهم إلى الاختفاء، برغم أزمة فى الهوية السياسية، لكنها لا تتجلى بهذه الطريقة العنيفة والمروعة، التى يتعامل بها فيكتور أوربان.

ويشير كامو إلى أنه إذا كانت هذه هى المرة الأولى فى السويد، التى يقبل فيها الديمقراطيون تحالفًا مع اليمين المتطرف، فإن هذه الظاهرة ليست جديدة فى إيطاليا، ففى عام 1994، كان سيلفيو برلسكونى، قد أحضر بالفعل وزراء رابطة الشمال والتحالف الوطنى فى الحكومة، التى شكلها، لكن الحالة الإيطالية تعتبر حالة خاصة، لاسيما أن زعيمة اليمين جيورجيا ميلوني تترأس حزبًا لم يحكم قط.

أما ما سمح بنمو هذه الأحزاب، فهو الافتقار إلى الحيوية الأيديولوجية للتشكيلات الكلاسيكية لليمين، كما هى حال الجمهوريين فى فرنسا.

ولا يخشى جان كامو من انتشار، هذا المد اليمينى إلى باقى الدول الأخرى، فهناك دول لا يسمح فيها نظام التصويت بذلك، مثل بريطانيا، وهناك دول لا يصلح فيها هذا النظام لأسباب مختلفة، مثل أيرلندا والبرتغال، كما أن هذه الأحزاب تكاد تكون منعدمة، كما هى الحال فى لوكسمبورج.

خلاصة القول، إنه يجب على الجميع النظر فى الوضع من بلد إلى آخر، فهى دائما وقبل كل شىء أوضاع وطنية. وعن مستقبل الاتحاد الأوروبى، فيرى جان إيف كامو، أنه ليست لدى هذه الأحزاب رغبة فى مغادرة الاتحاد الأوروبى، هم فقط لا يثقون فيما وراء القومية والطابع الذى اتخذته أوروبا، ويجب عدم تجاهل الدول الأعضاء الجديدة، التى لها مصلحة اقتصادية بالبقاء فى الاتحاد الأوروبى.A

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة