نصف عين أمريكية على أنطونيو

16-8-2023 | 14:12
الأهرام العربي نقلاً عن

أنطونيو التاسع يستطيع. الوقت مناسب، والنظام الدولى الراهن يتداعى ببطء، وهو يضع خطة جديدة، يسميها» خطتنا المشتركة»، يحاول أن يصلح بها، ميثاق الأمم المتحدة العتيق.

أنطونيو هو ابن البرتغالى مانويل دى أوليفيرا جوتيريش، وهو الأمين العام التاسع فى سلسلة الأمانة العامة للأمم المتحدة منذ إنشائها عام 1945.

كان رئيسا لوزراء البرتغال فى فترة حرجة، اتسمت بالرواج الاقتصادى، وكان رئيسا للأممية الاشتراكية، وكان مفوضا ساميا لشئون اللاجئين فى الأمم المتحدة.

من مواقعه المرموقة تلك، ينظر جوتيريش إلى النظام الدولى من شرفة عالية، يعرف أنه وصل إلى النهاية المحتومة، يفهم أدق تفاصيل السياسة الدولية، يحفظ مواقف أطراف النظام الدولى، يعرف كيف تشكّل هذا النظام على عجل، عشية إنشاء الأمم المتحدة.

جوتيريش كثيرا ما يدلى بتصريحات خارج النص، ويحذر من” عدم استقرار خطير، وفوضى مناخية”، ومن “عدم المساواة.. فهى  لا يمكن السيطرة عليها.. وتقوض التماسك الاجتماعي.. كما أن التكنولوجيا “ تمضى  قدما دون حواجز تحمينا من عواقبها المباغتة”.

لا شك أن جوتيريش يتذكر جيدا أن الأمناء العامين الثمانية السابقين واجهوا أحداثا مهولة، وعجزوا عن تنفيذ ميثاق الأمم المتحدة ولو لمرة واحدة، وفشلوا فى إصلاح الهيكل العتيد.

مجلس الأمن، المنوط به حماية الأمن والسلم الدوليين، على حاله كما بدأ، يتحكم فيه خمسة كبار، يتمتعون بحق النقض  “الفيتو”، وهم أطراف أساسية فى أى حرب أو غزو طوال الأعوام ال 78 الماضية، وهم  المسيطرون على شرايين اقتصاد العالم.

أنطونيو  يتكلم الآن، يضع وثيقة المستقبل، تقوم على حماية :الأجيال القادمة، وعدم العبث بالفضاء الخارجي، والاستفادة من الناتج المحلى للدول، وضرورة الاتفاق الرقمى العالمى ، وحماية التعدد الثقافي، فالثقافة روح الشعوب حسب تعبيره، ثم أخيرا إصلاح الأمم المتحدة.

يحلم جوتيريش بأن تحوز “وثيقة المستقبل” على الإجماع الدولي” فى قمة المستقبل”، المقرر لها أن تعقد فى سبتمبر  2024.

 يمكن أن ينجح جوتيريش فيما فشل فيه أسلافه، فالمسرح الدولى يتهيأ لاستقبال الأفكار الممنوعة، وأعتقد أن جوتيريش يمسك باللحظة، فجوهر النظام الدولى الراهن يتم العصف به، فلا يستطيع أحد من الخمسة الكبار أن يدافع عن السيولة الراهنة.

وعلى غير موقف سلفه، بان كى مون، لا يشعر بالقلق، فيدلى جوتيريش بتصريحات خارج النص، لا يغلفها بالدبلوماسية،  فهو يحذر من كارثة نووية، ومن الوصول إلى ساعة غليان الكوكب، ومن عدم العدالة الدولية، ومن خطر استشراء الذكاء الاصطناعي، ناهيك عن  رفضه للحروب الهجينة، والتحذير من انسداد الأفق أمام الأجيال القادمة.

لهذا، قدم جوتيريش خطة إصلاح المنظمة الدولية العتيقة، والتى تقوم على تقوية موقع الأمين العام للأمم المتحدة، وتجعل المنظمة صاحبة الولاية فى الأزمات عابرة الحدود، كوباء كوفيد 19، وتوقف سلاسل الإمداد، وسيطرة الشعوب الغنية على الفقيرة.

يحذر جوتيريش من انفجار العالم بحرب هجينة من صناعة البشر والمناخ معا،  ومن صم الآذان، وإغماض العيون عن الأخطار التى تتدحرج ككرة الثلج.

“ميثاق المستقبل” هذا سيعطى للأمين سلطة مطلقة للتحرك العاجل، دون التشاور مع الدول، حال وقوع كارثة طبيعية أو اصطناعية، ويسمح له بالتشاور مع رئيس مجلس الأمن، ورئيس الجمعية العامة، والمنظمات الإقليمية ذات البعد الدولي.

تبدو وثيقة المستقبل هذه نواة لنظام دولى جديد، يقوم على تعدد الثقافات والأقطاب، ففى ثنايا الوثيقة، هناك نصوص، تحض على ضرورة احترام التنوع الثقافى والعرقي، وعدم تغول العولمة، وأن يكون السلام أساس النظام الدولى المحتمل.

أفلح أنطونيو إن نجح، فنصف العين الأمريكية، لا يمكن أن تتركه يمر بهدوء، فهل يستطيع؟ أعتقد أنه استفاد من دروس أسلافه الذين حاولوا من قبل، كالدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام المصرى  لدورة واحدة.

لعل أنطونيو البرتغالى يعبر هذه المرة، فمن المستحيل بقاء النظام الراهن كما هو، أو كما جرى إنشاؤه عشية الحرب العالمية الثانية.

كلمات البحث