تحرير الكوكب من البلاستيك..

15-8-2023 | 20:34

"البلاستيك".. هذا السرطان الناعم والنائم بهدوء داخلنا وحولنا، آن له ولنا أن نتوقف لكي نضع حدا لهذا الخطر المقيم في دمائنا وأحشائنا، فقد بلغ الخطر مدى أكثر كارثية، خاصة أن أشعة الشمس تساهم في تفتيت البلاستيك وتحويله إلى قطع متناهية الصغر، تتغلغل متسللة إلى الإنسان، ليكتشف أحد الخبراء، بأننا نتناول أسبوعيا من البلاستيك ما يعادل وزن وحجم بطاقة الرقم القومي، أي بطاقة الائتمان العادية.

جذور النباتات أيضا، تمتص الجسيمات الناتجة عن النفايات البلاستيكية، كما كشفت  دراسة حديثة، مؤكدة أنها يمكن أن تستقر في الحبوب والخضراوات التي نأكلها يوميا، مما يشير إلى عدم وجود طعام خال من التلوث نتيجة البلاستيك.. أي بعبارة أكثر وضوحا "نحن نعيش في عالم من البلاستيك"، وتقول التقديرات إنه تم إنتاج 8 مليارات طن منه علي مدى السبعين عاما الماضية حتى الآن، وما نسبته 30% من هذه الكمية تمت إعادة تدويرها، والمتبقي 70% تتعايش معنا في البر والبحر والهواء.

الدولة لم تقصر في هذا الشأن، فقد شكلت اللجنة الوطنية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية احادية الاستخدام، بمشاركة ممثلي الوزارات والجهات المعنية ومنها وزارات الصناعة والتجارة والسياحة والآثار والمالية والتنمية المحلية والتعاون الدولي والتموين وجهاز شئون البيئة وتنظيم إدارة المخلفات.

وتظل مسألة وضع إطار زمني لتوقيتات عمل اللجنة وبرامج تنفيذ خططها مهما للغاية.

أيضا لدينا الأساس التشريعي للتعامل مع المخلفات بكافة أنواعها، كان للبلاستيك نصيب معتبر من الاهتمام، حول تقليل ومنع استخدام تصنيع الأكياس البلاستيك، ووضع ضوابط لها بالتعاون مع الجهات المعنية. أسوة بالعديد من الدول التي قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال واتخذت قرارات صارمة مدعومة بقوانين. وكذلك الإستراتيجية الوطنية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام.

ويبقى الدور فائق الأهمية للجامعات، التي لابد إشراكها للتدريب والتوعية والتنبيه والتحذير من مخاطر البلاستيك، وتشكيل فرق عمل لنشر أهمية  الحد من استخدام البلاستيك، والترويج لبدائله، والعمل على تنظيم مزيد من المبادرات ودعم مشروعات الشباب فى مجال إعادة التصنيع وتدوير البلاستيك.

وتظل مبادرة "لا للبلاستيك" التي أطلقها "المكتب العربي للشباب والبيئة" مؤخرا برعاية وزارة البيئة، أحد أهم المبادرات الوطنية المعبرة عن نشاط وجدية المجتمع المدني، بسبب تزايد ارتباط مخاطر البلاستيك بالصحة العامة، إضافة إلى شمول المبادرة تغطي عموم محافظات مصر، فضلا عن استجابتها مع التوجه العالمي للحد من مخاطر هذه المادة المسببة للعديد من الأمراض، بعد أن صادق عليها العالم عبر "منظمة الأمم المتحدة للبيئة - UNAE" في مارس العام الماضي 2022، في نيروبي، لتصبح ملزمة ويبدأ تنفيذها العام المقبل 2024.

هذا التوجه العالمي والقرار الإممي، الذي تم في العاصمة الكينية، يقضي بتنظيم التعامل الصديق للبيئة مع البلاستيك والتخلص من النفايات البلاستيكية ابتداء من عمليات الإنتاج، مرورا بالاستعمال، وصولا إلى إعادة التدوير أو الإتلاف، وهو يعد تحولا في العمل البيئي وصحة الكوكب وأحيائه، خاصة وأن الاتفاقية ملزمة، ولا تقل أهمية عن معاهدة باريس حول المناخ.

ونفاجأ كل يوم بمعلومات مزعجة عن حياتنا التي تغوص في مادة البلاستيك، فقد اكتشف الأطباء أن المواد الكيميائية في مكونات البلاستيك تشكل خطرًا عاليا على الغدد الصماء، فتمنعه عن أداء وظيفة إفراز بعض الهرمونات، ومع اضطراب مستويات الهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء، يزداد خطر الإصابة بعدد من الأمراض، مثل السكري وضخامة الأطراف.

كذلك كشفت د. دينا إبراهيم عبدالمجيد مدرس القانون المدني بحقوق الزقازيق، عن زيادة النفايات الصلبة في العالم بسبب جائحة كورونا، حيث توجهت كثير من الحكومات والسلطات المحلية إلى تأجيل بعض سياساتها المتعلقة بالمواد البلاستيكية أحادية الاستخدام، لتعزيز إجراءات تخفيف انتشار العدوى، وتضيف أنه في الوقت الذي كان تقرير توقعات البيئة العالمية السادس، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة 2019، قدر كمية النفايات البلاستيكية التي تصل إلى المحيطات سنويًا بنحو 8 ملايين طن، فإن الجائحة تسببت بإضافة نحو 129 مليار كمامة، و65 مليار قفاز بلاستيكي يستهلكها العالم شهريا نتيجة الوباء.

وتنبع خطورة النفايات البلاستيكية في سرعة تحللها وتراكمها في التربة، مما يفقد التربة خصوبتها، ويحدث خللا في تكوينها البيولوجي، فتصبح غير صالحة، ومع تراكم النفايات، يموت الكثير من الكائنات البحرية والأسماك، كما أن التفاف أكياس البلاستيك حول الشعاب المرجانية يحرمها من ضوء الشمس، فضلا عن أضرار البلاستيك على الحيوانات والطيور، أما بالنسبة للحيوانات البرية، فإن تطاير الأكياس البلاستيكية في المراعي والأرياف يسهم في نفوق الكثير منها، مثل الأبقار والماعز والأغنام.

إذا كنا في الشأن البيئي غالبا ما نسمع الكثير من القول، والقليل من الفعل، إلا أن مخاطر البلاستيك الزاحفة والمؤكدة تستدعي المزيد من الفعل الجاد والعزم والحزم لتحرير الكوكب من غزو البلاستيك..

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة