ضحايا مكتب التنسيق.. توزيع الطلاب على الكليات بمعيار الدرجات يحتاج لمراجعة.. وخبراء: الطالب صانع مستقبله

14-8-2023 | 18:43
ضحايا مكتب التنسيق توزيع الطلاب على الكليات بمعيار الدرجات يحتاج لمراجعة وخبراء الطالب صانع مستقبلهطلاب الثانوية العامة
داليا عطية

من المؤكد أن اليوم، هناك فئة غير قليلة من طلاب الثانوية العامة الذين حققوا نجاحًا وربما بمجموع كبير لم يحالفهم الحظ في دخول الكلية التي يرغبونها وبعضهم ربما في صراع نفسي داخلي بينه وبين طموحه ورغباته وصراع آخر بين هذا الطموح والرغبات الخاصة به والطموح والرغبات الخاصة بالأهل وأولياء الأمور.. إنه قرار مكتب التنسيق الذي لا يعرف سوى لغة الأرقام ولا يؤمن بالمواهب ولا الرغبات ووفق نتيجة المرحلة الأولى التي أعلنت اليوم هناك آلاف عصف بأحلامهم مكتب التسيق وربما بجزء من الدرجة ليطيح باحلامهم خارج الحسابات الرقمية الجامدة.. لكن هل ستكون هذه النهاية؟ هل عليهم أن يبتئسوا ويتركوا أنفسهم فريسة للصدمة ؟

طلاب الثانوية العامة

بالعكس، ربما يكون عدم توفقهم في الكليات التي سجلوها رغبة أولى في التنسيق فرصة لصناعة مستقبل جديد قد يكون أفضل مما كانوا يتوقعونه، وعلى قاعدة "رب ضرة نافعة"، نجد الآلاف ممن درسوا الطب والهندسة ثم تحولوا بعد ذلك إلى الفن والتمثيل، والتجارة وهناك من درسوا الحقوق ثم عزفوا عن القضاء  والمحاماة ليعملوا في الصحافة، وهناك من درسوا الإعلام ووجدوا أنفسهم بعد ذلك في التجارة والاستثمار.

إن التعليم ليس قرارًا لمكتب التنسيق وإنما قرار للدارس الذي يستعين عليه بتحديد ميوله ورغباته ليأتي قرار الكلية موائمًا لهذه الميول ومتناغما مع تلك الرغبات، فإذا ما اكتشف الإنسان ذاته الحقيقية وتواجدت إرادته سيكون قادرًا على صناعة النجاح وخلق التميز وجعل مجال دراسته قمة عندما يحصل فيه أعلى الدرجات ويصل فيه لأعلى الترقيات، وهذا يحدث فقط لمن تأتي قرارات دراستهم متآلفة مع قدراتهم مهاراتهم وميولهم وشغفهم.

طالب يلتحق بالجامعة

يقول محمود عزت، 42 عامًا، وقد تخرج في كلية طب قصر العيني التي التحق بها وفق مجموعه الذي توافق مع تنسيق الكلي : بعد التخرج وممارسة المهنة السامية بمستشفى قصر العيني، ومستشفى العجوزة، قضيت ثلاث سنوات ارتدي البالطو الأبيض الذي هو حلم كل أسرة تحفز أبناءها للالتحاق بكليات القمة، ولكني كنت أفتقد ذاتي الحقيقية وراحتي أثناء العمل وكنت أفتقر جدا للشغف الذي قادني لتحويل المسار من الطب إلى الإعلام لتجد نفسي ضالتها في الكتابة الصحفية، والأدبية.

يتابع الطبيب السابق، الذي حول مساره المهني، فيقول: "الآن لي مطبوعات أدبية بالأسواق وأشرف على كتابة الكثير من السيناريوهات كما أتولى إدارة عدد من البرامج التليفزيونية الشهيرة".

طالب يلتحق بالجامعة

أما نجلاء فتحي، 38 عامًا، وقد التحقت بكلية الهندسة جامعة حلوان، فتقول: كان التحاقي بالهندسة نتيجة طبيعية لتوافق مجموعي بالثانوية مع تنسيق هذه الكلية ولكن الدافع الأكبر هو رغبة الأسرة في التفاخر الاجتماعي بين الأهل والجيران بأن ابنتهم صارت مهندسة "قد الدنيا"، أما أنا فلم يكن لي ميول نحو الكلية لكني كنت مجتهدة خلال سنوات الدراسة".

تتابع المهندسة السابقة، التي حولت مسارها المهني، فتقول: "بمجرد التخرج كان حظي وفيرا من فرص العمل في مجال الهندسة إلا أنني لم أجد نفسي في أي فرصة تقدمت إليها، لأجد نفسي بعد ذلك في تدريس مادة الرياضيات لطلاب الإعدادية والثانوية العامة وهي المهنة التي أعمل بها حتى الآن ويسعد بها التلاميذ الذين على حد وصفهم الدائم لي: "تخلصوا من عقدة الرياضيات".

مهندسة

الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، يقول في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، إن العملية التعليمية لا ينبغي أن تكون عملية تكدير من الأهل للأبناء، وإنما يجب أن تكون عملية مشاركة بينهم في اختيار الكلية المناسبة لميول الأبناء ومواهبهم وشغفهم.

ويضيف الطبيب النفسي، أن العمل في وجود الشغف ينتج عنه تفوق ونجاح وتميز بل وإبداع لأن من يحب شيئًا يكن سهلًا عليه الإبداع والتفنن فيه، هكذا يفعل الحب في كل شيء يتواجد فيه.

ويقول إن اختيار الكلية الناتج عن تحديد الميول والرغبات والمهارات الخاصة بالدارس يضمن له مستقبلًا حافلًا بالنجاحات والتدرج في المناصب إذ يكفي أن يكون الطالب يدرس شيئًا يحبه ثم يعمل بعد التخرج في مجال يحبه، هذا كافيًا لأن ينعكس بالإيجاب على كل من الدارس والمجتمع.

ويوضح الطبيب النفسي أن الدراسة والعمل في مجال يحبه الطالب تعزز من سلامة صحته النفسية وثقته بنفسه خاصة عندما يسجل نجاحات متتالية بسبب أن يحب ما يعمل، كما إنها تحقق له التفاخر الاجتماعي الذي تسعي إليه الأسرة دائمًا فبسبب نجاحاته سيكون في مكانة مميزة تدعو للفخر على عكس من يلتحق بكلية لمجرد توافق مجموعه مع التنسيق الخاص بها أو لمجرد إرضاء الأهل، هذا الشخص سيكون ضحية التنسيق والعائلة لأنه سيعمل بقية عمره على إرضاء غيره وليس نفسه وحينها لن يزوره الشغف فيكون العمل حينها عبئًا ثقيلًا على النفس ينعكس بالحتمية على كل المحيطين به في كل من دوائر العمل والعائلة والأصدقاء.

ويقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، يجب أن يعلم طلاب الثانوية العامة ومعهم أولياء الأمور قاعدة مهمة جدا وهي أن التعليم ليس سجنًا ولا تعذيبًا وإنما حبًا وشغفًا لدراسة تخصص معين يُشبع مهاراته وميوله النفسيه وقدراته الذهنية.

ويضيف أستاذ علم الاجتماع، إن الطالب الجامعي يقضي سنوات من عمره في الدراسة ويجب أن تمر هذه السنوات مرورًا طيبًا على عقله ونفسه بأن يكون في كلية تناسب ميوله ورغباته هو وليس ميول ورغبات مكتب التنسيق أو أولياء الأمور.

يتابع الخبير الاجتماعي فيقول، على الطلاب وكذلك أولياء الأمور أن يتخلصوا من أكذوبة كليات القمة، ويعلموا جيدا أن كل العلم قمة، إذا ما التحق الإنسان بتخصص ينتمي إليه بعقله ونفسه ومهاراته، مؤكدًا أن النتيجة الحتمية ستكون النجاح والتفوق والتميز.

وينصح الخبير الاجتماعي أن يأخذ الطلاب في الاعتبار، عند اختيار الكلية، أن يكون تخصص دراسته مطلوبًا في سوق العمل، خاصة أن مجالات كثيرة ظهرت الحاجة إليها وباتت وظائف مستقبلية مطلوبة، ومنها على سبيل المثال، التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والبرمجة، وأمن المعلومات، وهندسة الطاقة المتجددة والبديلة، والتسويق الإلكتروني، والتعليم عن بعد.

كلمات البحث