366 مليار دولار حجم صناعة السياحة الخطرة فى 2022.. وتوقعات بنموها إلى أكثر من تريليون بحلول 2030
موضوعات مقترحة
250 ألف دولار للفرد قيمة الرحلة على الغواصة تيتان التى راح ضحيتها 5 مليارديرات فى حادث غرق مأساوى
يعتبر الكثيرون أن قضاء إجازة سعيدة، يعنى الذهاب إلى أحد الشواطئ الخلابة لمدة أسبوع أو أكثر، وإذا كانوا محظوظين، يسافرون إلى الخارج، لكن بالنسبة لبعض المهووسين بالمغامرات الجديدة والفريدة، خصوصا إذا كانوا من الأثرياء، هناك مفهوم أخر لقضاء إجازة ممتعة، حتى لو كان فيها كثير من المخاطر، فمنهم من يرى أن الذهاب إلى أعماق المحيطات لزيارة حطام سفينة تيتانيك تجربة سياحية فريدة، أو تسلق أعالى قمم الجبال، وغيرها من الرحلات التى تسمى بالسياحة الخطرة.
تكتسب السياحة الخطرة شعبية كبيرة منذ سنوات، ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها شركة Allied Market Research، بلغت أرباحها 366 مليار دولار فى عام 2022، فيما تشير التقديرات إلى استمرار نمو صناعة السياحة الخطرة، لتبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار بحلول عام 2030.
هذه الرحلات محفوفة بالمخاطر، وهذا هو سر إقبال الأثرياء عليها، فالرحلة على متن الغواصة تيتان الشهيرة تبلغ تكلفة الرحلة فيها 250 ألف دولار للفرد، لكن راح ضحيتها أخيرا 5 مليارديرات فى حادثة غرق مأساوية تابعها العالم كله، وتم العثور على حطام الغواصة قرب موقع السفينة تيتانيك، التى كانت الغواصة المفقودة تستهدف زيارته. ورغم ذلك ما يزال الأثرياء يحجزون تذاكر لركوب الغواصة والذهاب لنفس الرحلة لمشاهدة حطام تيتانيك.
ربما من بين أكثر الرحلات تطرفاً، قيام ثلاثة أشخاص فى أبريل من العام الماضى 2022، بدفع ما يقدر بنحو 55 مليون دولار لكل واحد منهم لركوب صاروخ "سبيس إكس"، التابع لشركة إيلون ماسك لقضاء إجازة فريدة فى محطة الفضاء الدولية.
فى حين يفضل آخرون الذهاب فى رحلة إلى القطب الجنوبى بتكلفة نحو 100 ألف دولار للفرد، فى حين تكلف الرحلة الاستكشافية إلى قمة إيفرست تعادل نفس التكلفة تقريبًا، على الرغم من أنها أصبحت وجهة مزدحمة إلى حد ما بالنسبة للنخبة، ففى يوم واحد فى عام 2019، وصل 354 متسلقًا إلى القمة. أما بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن رحلات خطرة، لكنها تظل فى الحدود الآمنة، يختارون رحلات السفارى الإفريقية الفاخرة والجولات المصحوبة بمرشدين فى القطب الشمالى.
التفرد والمغامرة والخطر هو المزيج السحرى لبعض الأثرياء، الذى أصبح من المستحيل عليهم مقاومة جاذبيته فى ظل الوفرة المادية التى تدفعهم لتجربة كل ما هو جديد، كنوع من التفرد الذى يجعلهم متميزين عن غيرهم. وتقدم شركات السفر الدولية مثل Abercrombie
وKent رحلات استكشافية فريدة من نوعها، مثل البحث عن نمور البنغال فى الهند، أو مواجهة الغوريلا الجبلية المهددة بالانقراض فى البرية الأوغندية. وتم تجهيز العديد من هذه الرحلات الفاخرة بأقصى درجات الراحة، بأسعار تتجاوز 10 آلاف دولار مع تقديم العديد من الخدمات المميزة.
ويقول الباحثون: إن السبب الرئيسى، الذى يدفع الأثرياء للتهافت على خوض تلك التجربة غير الآمنة هو تضخم ثرواتهم، بالإضافة إلى تذاكر الطيران الرخيصة بالنسبة لهم، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعى، الذى يتمثل فى الأساس فى الرغبة فى التقاط صورة شخصية مميزة تبرز وسط طوفان الصور الشخصية، التى يشاركها ملايين البشر حول العالم على حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعى لإجازاتهم.
فيما يؤكدون أنهم لم يروا "السياحة الخطرة"، تنمو بهذه السرعة كما حدث فى العامين الماضيين، وهو أمر ينسبونه إلى كوفيد-19. قبل الوباء كان الناس راضين عن الأنشطة السياحية التقليدية، لكن بعده الأمر أصبح مختلفاً تماماً، فباتوا أكثر ميلاً لتجربة أشياء ورحلات لم يجربوها من قبل، واستكشاف جوانب من الحياة غير معتادة.
وتاريخياً، لطالما أراد الناس أن يفعلوا شيئًا جديدًا ومثيرًا، فعلى مدى عقود كان البشر يبحثون عن شىء لم يشعروا به من قبل. لكن مع تغير المجتمع، واكتساب الناس المزيد من الوقت لقضاء أوقات الفراغ، بدأوا فى البحث عن الإثارة بطرق مختلفة. والآن بدلاً من الاستكشاف باسم العلم أو القتال من أجل قضية نبيلة، يعرض الناس أنفسهم للخطر لمجرد الشعور بالإثارة والمغامرة.
ويأتى استكشاف الأماكن البعيدة المتطرفة فى العالم مصحوبًا بالمخاطر أيضًا، فهناك الخطر على الحياة الذى واجهه طاقم غواصة تيتان.
هاميش هاردينج، رئيس شركة Action Aviation - أحد ضحايا الغواصة تيتان- قام بعدة رحلات خطيرة لأجزاء متطرفة من العالم قبل تلك الرحلة المشئومة. ففى مارس2021، شارك هاردينج صورة على إنستجرام لتلقيه جائزة جينيس للأرقام القياسية، من الممثل والمغنى جون ترافولتا، لتحطيم الرقم القياسى العالمى لطائرة تحلق فوق القطب الشمالى والجنوبى، حيث سجل هاردينج، والقائد السابق لمحطة الفضاء الدولية الكولونيل تيرى فيرتس، الرقم القياسى البالغ 46 ساعة و 40 دقيقة و 22 ثانية فى عام 2019.
وفى المنشور، كتب هاردينج، أن الفضول "إدمان مطلق" وذكر أن هدفه الأول هو "الاستكشاف الكامل لأرضنا وما وراءها". وتضمنت رحلات هاردينج زيارة أعمق نقطة فى المحيط فى تشالنجر ديب - أكثر من 35 ألف قدم تحت سطح المحيط بالقرب من خندق ماريانا، أما فى عام 2016، رافق رائد الفضاء باز ألدرين، فى السفر إلى القطب الجنوبى.
مغامرة أخرى شديدة الصعوبة يسعى إليها المسافرون الأثرياء هى تسلق جبل إيفرست، وهى رحلة خطيرة أدت إلى سقوط مئات القتلى. ففى مايو، ذكرت مجلة Outside، أنه فى عام 2023، تم تسجيل عشرات الوفيات بالفعل مع وجود العديد من المتسلقين فى عداد المفقودين.
حياة المسافرين ليست وحدها فى خطر، فالبيئة أيضاً مهددة، على سبيل المثال، يمكن للطائرات الخاصة أن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحرارى عن طريق إنتاج الغازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود. ولعدة سنوات، واجه المديرون التنفيذيون، وغيرهم من أعضاء الطبقة الأكثر ثراءً فى العالم انتقادات، بسبب انتقالهم من خلال طائرات خاصة.
وفى نوفمبر 2021، ذكر تقرير أن الطائرات الخاصة عادة ما تنتج انبعاثات لكل راكب أكبر بكثير من الرحلات الجوية التجارية، يأتى هذا بالإضافة إلى التكلفة اللازمة لتوفير آليات الدعم، مثل تلك المستخدمة فى الإنقاذ المحتمل للمسافرين الذين يتسلقون جبل إيفرست، وأخيرا العديد من المنظمات، التى كانت تسابق الزمن لإنقاذ الغواصة التى تزن 23 ألف رطل، والتى فُقدت على عمق آلاف الأقدام تحت سطح المحيط.
برغم أن جميع المسافرين الأثرياء لا يتسببون فى الإضرار بالبيئة، فإن أولئك الذين يبحثون عن أعلى وسائل الراحة، أثناء سفرهم، قد يتسببون فى ضرر. فعلى سبيل المثال، قد يزعج أولئك الذين يزورون مكان حطام سفينة تيتانيك التيارات المائية حول بقايا السفينة.
والآن، يتساءل العديد من الخبراء عما إذا كان سيتم فرض مزيد من التدقيق على صناعة السياحة الخطرة، غير المنظمة - إلى حد كبير - والشركات التى تقدم تلك الرحلات باهظة الثمن. هناك الكثير من اللوائح والضوابط التى تحكم الرحلات السياحية، فالعديد من البلدان لديها لوائح تغطى الترخيص ومعدات السلامة، ومؤهلات التشغيل وما إلى ذلك، إلى جانب هيئات حكومية وأخرى سياحية وجمعيات صناعية. على سبيل المثال، إذا كنت ذاهبًا إلى مكان محلى يتيح ممارسة رياضة القفز بالحبال، فمن المرجح أنهم يقومون بمئات القفزات بالحبال يوميًا. وعلى الأرجح أنهم يحملون تراخيص من قبل السلطات المحلية، ويتم فحص المعدات ولديهم مشغلون مدربون.
لكن رحلة الغواصة تيتان مثلاً ، كانت فريدة جدًا، لا توجد رحلات كثيرة كهذه، وعلى ما يبدو تم تحذير المشغلين ولم يكونوا على دراية كاملة بجميع المخاطر واتخاذ الخطوات اللازمة لتجنبها، لكن من المرجح الآن بعد كارثة الغواصى تيتان، أن تكون تلك السياحة تحت مجهر الحكومات لاتخاذ قرارات بشأنها لتقليل مخاطرها والحفاظ على سلامة مرتاديها والعاملين فيها.