الإحسان بهجةُ الحياة

14-8-2023 | 11:32

كنت انتبهت إلى تلاوة شجية قرأ فيها الإمام في الصلاة قول المولى عز وجل من سورة آل عمران: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، ومن وقت لآخر يأخذني التفكير حول معاني الإحسان، هذه المفردة التي يعود مصدرها إلى ثلاثة حروف، حيث اشتُقت من المصدر "حسن".

وكان أمرًا جميلًا أن اسمي ولديّ الحسن والحسين، وأخذني التفكير إلى كل هذه المعاني بأشكالها المختلفة التي يمكن أن نستقيها من هذا المصدر، والشيء الحسن أي الجميل والإنسان الذي حَسُن أي الذي اتّسم بالصفات المنتظَرة منه، ومن هنا حين نوافق على أطروحة ما في أي شأن وتكون هذه الأطروحة مقبولة وذات تأثير إيجابي وخيِّر في تقديرنًا، فإننا نوافق بالقولِ "حسنًا".

ويقول معلم البشرية النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" في الحديث الذي رواه أبوذر الغفاري رضي الله عنه "عُرِضَتْ عَلَيَّ أعمالُ أُمتي، حَسَنُهَا وسَيِّئُهَا فَوَجَدتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ..." ومحاسن أي مظاهر الجمال، وهي جمع لـ"حُسن"، حتى إن بعض الشامات في الوجه يُقال لها "حسنة"؛ لأنها تعكسُ مظهرًا جميلًا لخلق الله عز وجل.

والحسنةُ أيضًا هي المثوبة التي يتلقاها المؤمن عن فعل الخير، وفي قول الله تعالى في محكم التنزيل "إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا، وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" في تفسر ابن كثير للآية أنه إذا أصاب المؤمنين خصب، ونصر وتأييد، وكثروا وعز أنصارهم، ساء ذلك المنافقين، أي الحسنة هنا دالة على الخصب والنماء والتأييد، ونلاحظ أيضًا أنها ارتبطت بالصبر.

وقد وردت بآيات من كتاب الله ارتباط الإحسان بالصبر مثل قوله سبحانه وتعالى في سورة "هود" "وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"، فالصبر إحسان إذ يُحسن الإنسان لنفسه حين يصبر على البلاء، فينال الأجر العظيم، والأخلاق الكريمة إحسان، إذ يُحسن الإنسان لغيره في المعاملة أيا كان هذا الغير على مستوى الكائنات، فإنك تُحسن لأخيك حين تبتسم في وجهه، وحين تُهوِّن عليه بالكلم الطيب ما يعانيه من مصاعب الحياة حتى وإن لم يقدم له حلولًا ملموسة، لكنه يستشعر أن هناك أناسًا يقفون إلى جواره ويشعرون به ويتمنون له الخير ويدعون له في خلواتهم وصلاتهم.

كما أن أبرز معاني الإحسان هو العطاء الملموس، والسعي لإقالة العثرات عن المعسرين في الحياة، ويا حظ من هداه الله لذلك الأمر العظيم، فهي المحبة الكبرى وإرادة الله أن يَجزي هذا المحسن على إحسانه، فيهديه إلى الخير ويحثه إيمانه على العطاء، وكلما أعطى أُعطيَ، وعطاء الله أكبر وأجمل وأبهى، بل إنه ينال الحب الإلهي فهل بعد ذلك أو قبل ذلك حب يقول تعالى "فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، ولنلحظ أن الله سبحانه وتعالى قد وعد ووعد الله حق بأن يؤجر المُحسن، وأن هذا الأجر لن يضيع مهما طال الزمان، بل إنه ينال ثواب الدنيا والآخرة، فسبحانه عز من قائل في سورة التوبة "إن اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" وفي الأنعام "وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ".

كما وعد الله كل محسن بأن تشمله الرحمة الإلهية ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف "إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ"، كما يجدر أن ننتبه بأن أجمل وأعظم إحسان هو الإحسان للوالدين اللذين هما مصدر البركات وطاعتهما من أجل الطاعات والبر إليهما منبع الحسنات "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا".

فكم نرجو أن نكون ممن أحسن الله إليهم بهدايتهم إلى الإحسان، وكما نرجو أن تطيب قلوبنا وتصفو أرواحنا ويوفقنا الله لأن نقولَ للناس حُسنا.

كلمات البحث