نتفق مع قول نجيب محفوظ: "التشاؤم رفض للحياة ويختلف عن الحزن لعدم تحقيق رغباته وأحلامه بالحياة؛ فالحزين راغب بالحياة ولا يرفضها"..
ونضيف أن الحزن لا يتعارض أبدًا مع التفاؤل؛ فالمتفاؤل الذي يتعرض لهزيمة أو محنة من الطبيعي أن يحزن لبعض الوقت، ولكنه لا يكره الحياة أبدًا ولا ينهزم ويواصل السعي لصنع انتصارات "تليق" به.
يضع المتفائل الذكي الخطط الواقعية "ولا" يسرف في التفاؤل، وكأنه سيقوم برحلة جميلة وممتعة وكل أموره ستجري بيسر وسهولة ولا شيء بالكون كذلك؛ حتى في أجمل الرحلات لابد من وجود أمور غير متوقعة فضلا عن التكاليف المادية وبعض الجهد الجسدي وأحيانًا بعض الأمور غير الجيدة كبعض التفاصيل الصغيرة التي قد تسرق بعض من البهجة، وقيل الإنسان المفاجأ نصف مهزوم، فيجب على من يحتضن التفاؤل كأفضل "صاحب" في حياته أن "يعتدل" ويذكر نفسه أن حتى أحسن الأصحاب قد يفعل ما يغضب صاحبه أحيانًا أو لا يجده عندما يريده.
يهزم المتشائم نفسه عند وضع الخطط؛ فيكون كمن يقول لنفسه قبل السير: لا فائدة سأقع لا محالة وسأجد عقبات تؤلمني وتصيبني بالإنهاك وستجعلني أندم على الجهد الضائع وستزيد خيباتي بالحياة، وغالبًا ما يفتش عمن يدعمه في تشاؤمه، ويبحث عن قصص تدعم تشاؤمه "ليبرره" لنفسه فإذا وضع خططًا فستكون باهتة وضعيفة ولا ينفذها فكيف يفعل؟ والتشاؤم "يلتهم" الإرادة تدريجيًا وهي مفتاح النهوض بالحياة بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع.
يكره المتشائم الابتسامة ويحرم نفسه منها، وهي كنز لمن يحتضنها؛ فبها يفرز المخ هرمونات السعادة التي تجعله أكثر هدوءًا وتساعده على التركيز وتقلل الإجهاد وتعزز داخله حب الحياة، بعكس العبوس الذي يزرع الغضب من الحياة "وينزع" قدرات الإنسان بخبث وببطء ويفقده الرغبة في النجاح ولا يفعل أي شيء إلا مضطرًا؛ والمضطر لا يحقق إلا أقل القليل ولا يفرح به؛ لأنه ليس إنجازًا حقيقيًا ويتنفس المرارة والإحباط "ويصدرهما" للآخرين ويبتعد عنه الكثيرون ويصنع وحدته بيديه وتتسرب الحياة منه دون أن يدري.
التفاؤل هو توقع الأفضل وهو سلاح ذو حدين؛ فهو رائع ومطلوب "بعد" فعل كل ما يمكننا مع استعداد نفسي "لتقبل" عدم حدوث ما نرغب به؛ واليقين بأن الرحمن يختار لنا الأفضل بأحسن وقت وأخذ استراحة نفسية وجسدية ومواصلة السعي..
ومرفوض إذا اكتفى صاحبه به بلا أي عمل ثم تنفس الحسرة عند عدم تلقي ما يتمناه..
يقول ويليام آرثر: "المتشائم يشتكي من الريح، والمتفائل يأمل في توقفها، والواقعي يعدل الأشرعة"، وهو قول ذكي ورائع؛ فالمتشائم يخذل نفسه بالشكوى والمتفائل -دون عمل- يضر نفسه فستضره الريح والمتفائل الواقعي -وحده- الفائز؛ فهو يفعل ما يجب فعله "لينجو".
التفاؤل الزائد يوقع صاحبه في أزمات متلاحقة وتلاحقه الاحباطات وقد تدفعه في النهاية للتشاؤم واليقين بأنه أخطأ بالتفاؤل، ولا يواجه نفسه بأن الاعتدال في كل شيء هو أساس النجاح وأن الحياة كالبحر؛ لا يكفي أن يحبه الإنسان حتى يجيد السباحة، ولا أن يفرح به "ويتوقع" السباحة بأمان بلا تدريب جيد وبلا قراءة للتعليمات أو الاستماع للتحذيرات من شدة الأمواج ودون التأكد من "حسن" استعداده لها في كل مرة؛ فلا يقترب منها إذا كان مريضًا ولا يتمادى في السباحة إذا تعب أو اشتدت الأمواج فجأة..
ولا يعني ذلك أن يفعل كالمتشائم الذي يسبح وهو يضع الأحجار الثقيلة في ملابسه فكأنه "ينتحر" ولا يسبح وهو من يواجه الحياة بعقل متشائم "يضخم" أية مشاكل وقلب متشائم؛ يرفض مساعدته على طرد المبالغات ولا يأخذ بيديه ليصنع أفضل ما يمكنه "ويشكر" الرحمن أولا، ثم يبتسم لنفسه ويكافئها بحب واحترام "فتتسع" حياته ويصبح أقوى وأفضل كما يستحق، ولا يخذل نفسه أبدًا لا بالتشاؤم ولا بالتفاؤل الزائد.
لا ينفي المتفائل وجود المشاكل ولا يتجاهلها ولا يقلل منها، بل يزرع داخله "اليقين" بالانتصار عليها بمشيئة الرحمن أو يقلل من حدتها بعد الاستعانة بالرحمن والأخذ بالأسباب بهدوء وبلا جزع "وبطمأنينة" ولو قام بتمثيلها وبالابتعاد عمن يحبطونه ولسان حاله يهتف بالأغنية الشعبية الجملة: "اللي يكسر مجاديفي يحرم عليه صباحي".
يرى المتشائم في أي مشكلة كارثة ستكسره أو تطرحه أرضًا، ويصعب على نفسه مواجهتها وكثيرًا ما يستدعي مشاكل سابقة أوجعته "ويرفض" الفرح بانتهائها ويعارض من يذكره بأنه كما اجتازها سيتمكن من اجتياز ما يؤلمه حاليًا، وكثيرًا ما يتضايق منه وقد يقاطعه ويتهمه بعدم الاهتمام به وبالتهوين من معاناته، وكأنه يريد أن يثبت للآخرين أنه يعيش في "مآسي" مستمرة ولا أحد بالكون؛ كذلك فحتى من يعيشيون بأسوأ الظروف فإن لديهم ما يمنحهم السعادة ولو مؤقتًا، وهي "رحمة" من الخالق عز وجل، وكما قيل عن حق: "رحمة الله تحيط بنا والمحروم من لم يشعر بها"، ونضيف ومن يحرم نفسه منها بيديه.
التشاؤم اختيار وهو هزيمة للنفس ويضاعف مشاكلنا وينتقص من قدراتنا على مواجهتها ويسرق أعمارنا.
لنتذكر جميعًا قول الإمام الشافعي:
قل للذي ملأ التشاؤم قلبه
ومضى يُضيق حولنا الآفاقا
سر السعادة حسن ظنك بالذي
خلق الحياة وقسم الأرزاقا
ولا ننسى أبدًا أن حسن الظن بالرحمن لابد أن يقترن بالسعي لجعل الحياة أفضل لنا ولمن نحب بمثابرة وبقلب وعقل يرفضان الاستسلام أليس كذلك؟