Close ad

مؤسسة الحوار الوطني

12-8-2023 | 09:34

وقد شارف الحوار الوطني في مصر على الانتهاء، فإنني أجد نفسي مدفوعًا للمطالبة باستمراره، لسببين: الأول: إنه لم ينته من كل الأعمال المنوطة به وهي كثيرة، سواء من جهة الدولة، أو الرأي العام، والثاني: أنه فتح نافذة عريضة، وإن ضاقت عند البعض، لمناقشة وتبادل الرأي وتلاقح الأفكار.

والأهم من ذلك في تصوري هو أن المشاركين في الحوار تحدثوا في الكثير من القضايا السياسية والمجتمعية، وكان لما تحدثوا بشأنه مردود في الحياة العامة، ووجدوا استجابات بدرجة ما، حتى قبل ختام أعماله رسميًا. 

وفي مصر حاليًا لا يوجد كيان سياسي بهذا الحجم والسعة التي عليها الحوار الوطني، من مجلس أمناء ولجان، ومن اتجاهات فكرية مختلفة، وبالتالي لم نحصل منذ ثورة 30 يونيو 2013 على مساحة حوار مشابهة.

ربما في فترة ما من حكم الرئيس السابق حسني مبارك حدث حوار بين الأحزاب السياسية قاده الوزير صفوت الشريف، وكان الهدف أن يسمع الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الأحزاب الأخرى، مطالبها وشجونها من الحزب الذي يحتكر الحياة السياسية في مصر. 

أما الآن فإنه لا يوجد لدينا حزب حاكم بالمعنى المتعارف عليه، وإنما مجموعة أحزاب تشكل غالبية في مجلس النواب وتدعم الحكومة الحالية، كما أن الرئيس طبقًا للدستور لا ينتمي إلى أي حزب.

ومنذ بداية الحوار في شهر مايو الماضي وتشكيله مجلس أمناء من تيارات مختلفة، فإن الرأي العام يعرف أن "الحوار الوطني" ليس جهة تشريعية أو تنفيذية، وإنما جهة رأي ومشورة، وأنه سوف ينتهي إلى توصيات لا قرارات، قد تأخذ بها الحكومة، وتضعها على طاولة التنفيذ، أو تأخذ بها علمًا فحسب. 

ولعلنا نلاحظ أن الحوار قد أخذ ومازال مساحة واسعة في الإعلام، وحدثت متابعة له من الرأي العام، ما بين مؤيد أو لنقل متفائل بما يجري، وما بين مشكك ويائس من نتائجه، وربما بسبب التغطية الواسعة للحوار، فإنه ليس من الملائم تكرار ما تحدث به المشاركون في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وهم من الكفاءات، ولا ينفي ذلك وجود كفاءات أخرى خارج الحوار، لم ترغب في المشاركة من الداخل، ولم تتوقف عن متابعته وإدلاء الرأي فيه من الخارج.

إذا توقف الحوار فإننا نخسر بلا شك مؤسسة فكرية مهمة، ونطوي صفحة ليس لها بديل في الوقت الراهن، في ظل شحوب الأحزاب السياسية العديدة في البلاد (أكثر من ثمانين حزبًا)، وخصوصًا أنها مؤسسة مفتوحة، يمكن الانضمام لها أو الخروج منها، ويمكن أيضًا تعديل لائحتها وجدول أعمالها، وفقًا للمتطلبات الوطنية، يمكن أن تكون مؤسسة سياسية بوسعها دعم أو ممارسة الضغط على متخذي القرار، وأن تكون رقمًا مهمًا في أوراق اللعبة، وتعدد الجهات والمؤسسات التي تشكل وتصنع أو تؤثر على متخذ القرار جزء أصيل في الديمقراطيات الغربية.

الحوار الوطني في مصر صنع حالة من السجال السياسي والاقتصادي جديرة بأن تكون مستدامة، حتى لو حدثت المعجزة وقويت الأحزاب السياسية في البلاد، وجديرة بأن توسع من حواراتها وتشكيلة مكوناتها وشخوصها؛ لأن الحوار وإذا كان قد توصل إلى توصيات في مجالات معينة، فإنه لم يدرك كل الاهتمامات الملحة للرأي العام، واستمرار الحوار كمؤسسة سيكون له دور فعال في إدراك ما فاته.

وقد يخشى البعض من تحول "مؤسسة الحوار الوطني" إلى حزب سياسي أو برلمان مواز، إلا أن هذه الاحتمالات تتراجع بالإلحاح على ما حدده من البداية المنسق العام ضياء رشوان، من أنه حوار بين قوى مجتمعية من أجل تحديد أولويات العمل الوطني في المرحلة الحالية، وأن المجتمعين يطرحون آرائهم في قضية معينة، ومن ثم بلورة هذه الآراء للخروج بتوصيات نهائية، ما تم من حوار حتى الآن يخص "مرحلة"، وبالتأكيد فإن توصياته الصادرة عن دورة أولى له، لن تصلح إلى الأبد، إنما تحتاج كل مرحلة أخرى لآراء المشاركين فيه، الذين يمكن تنويع تخصصاتهم، وتوسيع توجهاتهم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة