لم يعد موسما للاستجمام والمرح، بل فصل من الحرارة واللهب، هكذا أصبح الصيف يأتينا حاملا تحديات عديدة تهدد الحياة على كوكبنا، منها ظاهرة احترار الكوكب، وارتفاع درجات الحرارة، وتغيرات فى نظم المناخ العالمى، وزيادة فى وتيرة الكوارث الطبيعية خلال فصل الصيف، مثل حرائق الغابات والزراعات والفيضانات والأعاصير والجفاف والعواصف الرعدية، ومن المتوقع أن يشهد موسم الصيف زيادة فى هذه التحديات، وأحد أبرز هذه التحديات هو اندلاع حرائق الغابات وتأثيرها على الحياة البشرية والبيئية، حيث تتسبب هذه الحرائق فى خسائر كبيرة فى النباتات والحيوانات والبنية التحتية، بالإضافة إلى تلوث الهواء وتهديد الصحة العامة.
موضوعات مقترحة
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظًا فى اندلاع حرائق الغابات فى مختلف أنحاء العالم، نتيجة تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، ما يتسبب فى جفاف الأشجار والنباتات، مما يؤدى إلى انتشار النيران بشكل أسرع. وهنا تقول الدكتورة هالة يسرى، أستاذ علم الاجتماع بمركز بحوث الصحراء: إن التغيرات المناخية هى أحد أبرز التحديات التى يواجهها العالم، فمع ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات فى نمط الأمطار، تزداد احتمالية حدوث حرائق غابات وزراعات على نطاق واسع، نتيجة للتحولات المفاجئة فى الظروف المناخية، حيث يصبح الجفاف وارتفاع درجات الحرارة عوامل مساهمة رئيسية وراء إشعال النيران فى الغابات والزراعات بسهولة، وتسبب دماراً هائلاً مثل ما حدث فى "كندا، وإيطاليا، واليونان، وإسبانيا وسويسرا" وترتب عليه زيادة فى أعداد الوفيات، أيضا تأثير احتراق الغابات والزراعات يمتد على مختلف الجوانب الحيوية، فإضافة إلى تدمير المساحات الخضراء الطبيعية وتهديدها بالانقراض، يتسبب احتراق الغابات فى تلوث الهواء بأبخرة الحرائق الضارة، مما يؤدى إلى زيادة مستويات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، مما يؤثر على الحياة البرية والحيوانية، حيث تفقد الكائنات الحية بيئتها ومصادر الغذاء، مما يجبرها على الهجرة أو تفقد الأجزاء الكبرى من تلك البيئة.
وتضيف أستاذ علم الاجتماع بمركز بحوث الصحراء قائلة، إن الزراعات تواجه أيضًا تحديات كبيرة فى موسم الصيف، بسبب الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة الذى يؤثر سلباً على نمو النباتات وإنتاجية المحاصيل الزراعية، كما تسبب ندرة المياه وانقطاعها فى فترات الجفاف انخفاضاً حادا فى الإنتاج الزراعى مما يترتب عليه ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف الرملية والجفاف، من العوامل التى تسبب تدميراً هائلاً للزراعات وتؤثر على إمكانية الحصول على الغذاء الأساسي، لكن مع جهود الدولة فى هذا الصدد تم استنباط نباتات تتحمل ارتفاع الحرارة، كما تتحمل زيادة معدلات ملوحة التربة والمياه لتوفير الإنتاج الزراعى.
وتضيف الدكتورة هالة يسرى قائلة: يتم التعامل مع التغيرات المناخية فى اتجاهين، الأول اتجاه تقليل الانبعاثات، والثانى "الأقلمة "حيث يتم التأقلم مع الظروف المناخية لذا، يجب علينا أن نتخذ تدابير مناسبة لمواجهة هذه التحديات، ويتطلب ذلك تعزيز جهود حماية البيئة والحفاظ على الغابات ورفع مدى الاستفادة من الموارد الطبيعية. كما تؤكد د. هالة يسرى، الجهود المبذولة على المستوى الدولى للتصدى لتحديات التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية فى فصل الصيف، حيث تقوم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ IPCC بدعوة كل دول العالم لتقلل الانبعاثات إلى أكبر قدر ممكن، أما الجهود المبذولة على المستوى المحلى، تم عمل مشاريع عملاقة وجديدة تضاهى مشروعات عالمية كبيرة جداً باستثمارات خضراء فى مجال الطاقة المتجددة، مثل أكبر رابع مزرعة إنتاج كهرباء من الطاقة الشمسية، وتحويل سيارات المواصلات إلى غاز طبيعى وكهرباء وقطار المنوريل والقطار السريع لخفض الانبعاثات وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى.
من جانبه يؤكد الدكتور محمود شاهين مدير عام التنبؤات والإنذار المبكر بالأرصاد الجوية، أن التحديات التى تقابل الوطن العربى فى ظل التغييرات المناخية، سواء فى فصل الصيف أم فى باقى الفصول، وهو تكرار عنف الظواهر الجوية الجامحة، وكذلك نرى فى فصل الصيف حالات الطقس الجامحة نتيجة التغييرات المناخية، هى ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع نسب الرطوبة، كما كان يحدث فى شهر يوليو وأغسطس، كانت موجة فترتها قصيرة وتنتهى، لكن واضح من هذا العام أن شهر يوليو بأكمله ارتفعت فيه الحرارة عن المعدلات الطبيعية وبموجة شديدة الحرارة، استمرت لمدة ما يقرب من شهر بالكامل "شهر يوليو"، وهذا يؤكد من أن الظواهر الجوية الجامحة أصبحت أكثر عنفا وتكراراً فى الفصول المختلفة، وأيضا فى فصل الشتاء، تلاحظ انخفاضات شديدة فى درجات الحرارة تستمر لفترات طويلة وحالات من الضباب والشبورة الكثيفة، تستمر أيام طويلة تصاحبها سقوط أمطار بغزارة وسقوط ثلوج فى فصل الشتاء، وفصل الخريف، وتتكرر هذه الظواهر أكثر من مرة فى الفصل الواحد.
ويضيف مدير عام التنبؤات والإنذار المبكر بالأرصاد الجوية، أن ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم فى فصل الصيف، أدى إلى احتراق العديد من الغابات وإجلاء العديد من المواطنين فى هذه المناطق، وإخلاء مساحات كبيرة جداً من الدول المختلفة مثل اليونان وأمريكا وأوربا ودول أخرى، وذلك نتيجة الارتفاعات الشديدة فى درجات الحرارة، كما من المتوقع استمرار هذه الارتفاعات فى بعض الدول، قد تصل إلى النصف الأول من شهر أغسطس، وتكرار سيناريوهات حرق الغابات وارد خلال الفترة المقبلة.
وعن مسببات التغير المناخى يضيف د. محمود شاهين قائلا: إصرار 1.9 على استخدام مشتقات الفحم والبترول، الذى يتسبب فى تكون الغازات الدفيئة الموجودة فى الغلاف الجوى، الذى يعمل بدورة عمل الصوبة الزجاجية لأشعة الشمس، الذى ينتج عنها زيادة حرارة الكرة الأرضية، كما حصل خلال هذا العام، حيث سجلت درجة حرارة الكرة الأرضية 1.2 درجة زيادة على أعلى درجات سجلت عام 2016، حينها وصلت درجة حرارة الكرة الأرضية إلى 16 درجة خلال الأسابيع القليلة الماضية مع بداية شهر يوليو، حيث سجلت درجة حرارة الكرة الأرضية 17.2 درجة، وفقا للمقياس التى سجلته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. ويمكن أن يتسبب ارتفاع 1.2 درجة فى العديد من الفيضانات والجفاف فى بعض المناطق وحرق الغابات، لذا من المهم التقليل من استخدام الوقود الأحفورى خلال الفترة المقبلة، وذلك لتقليل ظاهرة الاحتباس الحرارى بقدر الإمكان، بالإضافة إلى ظاهرة "النينو"، التى تؤثر خلال هذه الفترة على الكرة الأرضية والنصف الشمالى من الكرة الأرضية المسببة، فى زيادة موجات الاحترار فى فصل الصيف.
وعن أهم التقنيات الحديثة التى عملت عليها هيئة الأرصاد المصرية يذكر مدير عام التنبؤات والإنذار المبكر بالأرصاد الجوية: هى زيادة عدد محطات الرصد الجوى فى جميع المحافظات الجمهورية تجاوز 130 محطة، بالإضافة إلى استخدام أحدث صور أقمار صناعية على مستوى العالم، تعطى صورة للغلاف الجوى والظواهر كل خمس دقائق، ومن المتوقع أن هيئة الأرصاد الجوية الأعوام القليلة المقبلة، على أعتاب تركيب واستقبال صور أقمار صناعية للغلاف الجوى كل دقيقتين ونصف الدقيقة، ورصد العناصر الجوية المختلفة فى طبقات الجو العليا، واستخدام النماذج العددية الحديثة على مستوى العالم.