"أبعد يا حسود عن عزوة الصين وأشقائها"، وترجع أصل الحكاية إلى أن بلاد أوروبا وأمريكا "هتطلع عينهم على عزوتهم"، ويبكي يوميا الاتحاد الأوروبي بالدموع من آلامه، بسبب معاناته من النقص الحاد في الأيدي العاملة، وتعلن ألمانيا وحدها عن قلقها من تراجع العمالة بنحو 7 مليون عامل خلال عام 2035، واختيارنا للحديث عن ألمانيا عن بقية دول الاتحاد، وذلك لما تملكه من قدرات اقتصادية هائلة، تؤهلها للجلوس في قيادة قاطرة الاقتصاد الأوروبي.
وافتقار الولايات المتحدة الأمريكية للعزوة يهدد طموحات وخطط بايدن للارتقاء بصناعة بلاده، ومنذ تولى بايدن رفع شعارا بعنوان "المستقبل سوف يصنع في أمريكا"، والصين بفضل عزوتها باتت تقترب من التفوق على واشنطن، مما أثار تخوفات أمريكا من تقدم الصين في صناعة أشباه الموصلات وصناعة السيارات الكهربائية.
وفي دول الأتحاد الأوروبي تتناقص الأيدي العاملة بشكل ملحوظ في قطاعات البناء والإنتاج الصناعي والرعاية الاجتماعية، وبدون مبالغة تحتاج ألمانيا وحدها ملايين من الأيدي العاملة في السنوات القليلة القادمة، وجاء هذا في تصريح لوزير الاقتصاد الألماني "روبرت هايبك"، وتكلم بصراحة عن عجز ألمانيا للوفاء بسد احتياجات شركاتها بمليون عامل في الأيام القادمة، وتبلغ المشكلة ذروتها في الاتحاد الأوروبي حينما يتقاعد 38 مليون موظف أوروبي في منتصف القرن الحالي، كما ذكر تقرير المعهد الألماني لأبحاث سوق العمل.
وخصصت واشنطن 50 مليار دولار للنهوض بصناعة أشباه الموصلات، وفي المقابل تتناقص الأيدي العاملة بشكل عام وفي قطاع الإلكترونيات بصفة خاصة، وتسعى لسد عجزها باستقطاب 67 ألف فني وعالم ومهندس.
واليابان على نفس خطى حليفتها تفتقد للعزوة، وتمر بمحنة النقص الشديد في العمالة، وهي حائرة بين أن تفتح أبوابها للعمالة الأجنبية وبين رفض الفكرة والاعتماد على الذات، ويعود النقص الحاد للعمالة في العديد من قطاعاتها الاقتصادية إلى إحصائيات تتنبأ بانخفاض عدد سكان اليابان من أكثر من 120 مليون نسمة إلى مائة مليون بحلول عام 2060، وأخيرًا رضخت الحكومة اليابانية الحالية إلى منح تأشيرات للأجانب للعمل داخل البلاد، حتى تستطيع تعويض ما فقدته من هبوط اقتصادها، وتعزيز مجالات إنتاجها واستيعاب استثمارات جديدة.
"شيخوخة المجتمع" التي أصابت تلك البلاد قد تنتشر في بلاد أخرى، ومن المنتظر أن تجتاح 7 دول آسيوية و24 دولة أوروبية و4 دول في الأمريكتين، وتشير التقديرات إلى أن كبار السن سيشكلون أكثر من ثلث المجتمعات الأوروبية، ولتفادي هذه الكارثة وضعت برامج لاستقدام العمالة الخارجية، ولا يعني ذلك أن اقتصادها يتراجع بنسبة كبيرة، فهي لا تزال تتمتع باقتصاديات متقدمة ورائدة بين دول العالم.
ومع محاربة بلاد أوروبا وأمريكا الهجرة غير الشرعية، تطالب بالتوازي المزيد من الأيدي العاملة من المهاجرين، ومن أجل الاحتفاظ بريادتها وضعت شرط المهارة والمهنية لاستقبال عمالة المهاجرين، وشرعت كذلك في إنشاء "شركات المواهب" بالتعاون مع دول عربية لجذب عمالتها المتخصصة، ويأمل مسئولون بالاتحاد الأوروبي أن تكون هذه الشركات العلاج الأمثل لمحاصرة وباء "شيخوخة المجتمع".
[email protected]