الراعي الأمريكي.. والذئب الصيني

9-8-2023 | 16:05
الأهرام العربي نقلاً عن

هكذا تبدأ الرواية «الواحدة»، تنشر صحيفة مرموقة تسريبًا، أو قصة خبرية متماسكة، ترويها مصادر مهمة عن بلد معين مستهدف.

هذه المرة تتعلق القصة بالصين.

نشرت صحيفة « نيويورك تايمز»، الأمريكية نهاية شهر يوليو 2023 هذه “القصة”: تعتقد الإدارة الأمريكية أن “الصين” زرعت برمجيات خبيثة فى شبكات الكهرباء، والاتصالات الأمريكية، تستطيع من خلالها الصين أن تقطع الكهرباء عن المنازل، والشركات فى أنحاء عديدة من الولايات المتحدة.

حسب الرواية، فإن شركة ميكروسوفت الأمريكية العملاقة فى التكنولوجيا، رصدت نشاطا لقراصنة صينيين، اخترقوا مؤسسات وبنى تحتية أمريكية حساسة،  تحديدا فى منطقة “جوام” بالمحيط الهادئ، وهى أرض تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وتضم مركزا عسكريا مهما، وحددت ميكروسوفت وقت الاختراق بمنتصف عام 2021.

اكتشاف ميكروسوفت المبكر، استدعى  بعد عامين سلسلة اجتماعات فى غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض، شارك فيها كبار مسئولى الجيش والاستخبارات والأمن القومى الأمريكى بهدف تتبع هذه الشفرة، والقضاء عليها.

وبدأ  الحشد الإعلامى والسياسى والجماهيرى، فوصف مسئول فى  الكونجرس الأمريكى القصة بأنها أشبه بـ «قنبلة موقوتة».

“نيويورك تايمز” كصحيفة ذكرت اسم الصين، لكن البيت الأبيض لم يفعل، مؤكدا أن الأمر يتعلق بصراع إقليمى كبير، تهدف من ورائه القوى المخترقة للبنية التحتية الأمريكية، عرقلتها إذا ما حدثت أى طوارئ على المسرح الدولى، كلام دبلوماسى وسياسى، لكنه يترك الأمر للصحافة والخبراء المتخصصين.

من جانب آخر يأخذ البيت الأبيض الأمر على محمل التمثيل الجاد، فالأمة فى خطر، ولا وقت للخلاف.

عبر عن هذا الموقف، المتحدث باسم الأمن القومى الأمريكى آدم هودج خير تعبير، حين قال إن الرئيس الأمريكى جو بايدن طلب للمرة الأولى تنفيذ قواعد صارمة فى الأمن المعلوماتى، وإن الإدارة تعمل على تأمين البنية التحتية الحيوية من مياه، وكهرباء، وخطوط سكك حديدية، وخطوط أنابيب، وأنظمة طيران!

كأن أمريكا تحت الهجوم الفعلى، هذا يستدعى حالة أمريكا لحظة 11 سبتمبر 2001 حين رفعت شعار “أمريكا تحت الهجوم”.

عزفت «نيويورك تايمز»، النشيد المعتاد، سارعت منظمة “العيون الخمس”: بريطانيا وأمريكا ونيوزيلندا وكندا وأستراليا إلى تأكيد رواية الصحيفة المرموقة، بأن القراصنة الصينيين تحدثوا معا على مستوى العالم، والعيون الخمس منظمة توصف بأنها العيون المفتوحة عن آخرها فى الظلام، أو أنها شمس منتصف الليل!!

حقا، لا جديد فى جراب “أبطال” الحرب العالمية الثانية “المنتصرين”، قصة واحدة تعاد وتكرر، وفخ واحد ينصب بنفس الطريقة، وتشن الحرب وراء الحرب بنفس الأدوات، ويومًا بعد يوم يعانى النظام الدولى من الهشاشة السياسية، وتتداعى مؤسساته الدولية.

تستدعى قصة نيويورك تايمز، أجواء من نهاية الثمانينيات حول العراق، فبعد أن وضعت الحرب العراقية - الإيرانية أوزارها، بدأت القصص والتسريبات حول المدفع العراقى العملاق، والمفاعل النووى العراقى الخطير، وأسلحة الدمار الشامل، وصواريخ العراق التى تستطيع تدمير الكرة الأرضية فى 45 دقيقة، وصولا إلى أنابيب كولين باول الغازية!

بقية القصة معروفة، وتستدعى المسرح الروسى - الأوكرانى، فهل هناك مسرح جديد من وراء نشر هذه القصة؟

إن الوقائع التى نشرتها “نيويورك تايمز”،  تستدعى حشدًا جماهيريًا أمريكيًا وراء إدارة بلاده، وهو المطلوب فورًا، وتجعل الخلافات السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين تتلاشى، وتتهيأ مسارح العمليات لمعركة جديدة.

شخصيًا لا أصدق ولا أكذب هذه القصة، فهى تشبه قصة الراعى والذئب، لا أحد سيهتم به بعد ادعائه مرتين كاذبتين، فما بالك بالادعاء عشرات المرات منذ الحرب العالمية الثانية إلى الآن، وماذا سيفيد اعتذار المتحاربين بعد الموت؟

صحيح أن الحرب الهجين هى سمة العصر، بين الدول والأمم فى اللحظة الراهنة، وأن استخدام التكنولوجيا الفائقة، والذكاء الاصطناعى، والحرب السيبرانية  تأخذ مسارًا خطيرًا، لكن هذه القصة، على تماسكها الصحفى، تتعلق بصراع قوى عظمى، تتنافس على المقعد الأول، وكل طرف يحاول حشد الجماهير المسكينة للأحداث المرتقبة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: