يعد الحوار الوطني ولجانه، هى ورقة الرئيس السيسي، فى أن يطرح كل إنسان رأيه بحرية واستقلال، دون تقييد أو إجهال، شرط أن تكون هذه الأفكار و الآراء، تعبر عن اتجاهات المجتمع وتساهم فى تكوينه وتوجيهه، فى إطار مقاوماته وتطلعاته الأساسية فى شتى المجالات والمعرفة التى تخدم الإنسانية، دون ميل أو انحراف عن أهداف ومبادئ وقيم تخدم المصلحة العامة، وتقيد حق الإنسان فى الحصول على المعلومات المفيدة، وحقه فى المعرفة المستنيرة ومتابعة ما يجرى على أرض الواقع من أمور، دون جنوح على الحياة الخاصة وحرية المواطنين.
وإن كانت حرية تداول المعلومات، هى إحدى أوراق الحوار الوطنى ومحور اهتمامه، فيجب أن تصاغ مخرجات هذا المحور، بتنظيم إجرائى وضوابط قانونية محكمة تنظم الحق فى الحصول على المعلومات، لأنه حق أساسى وحيوى لا غنى عنه فى أدبيات وآليات النظم الديمقراطية السليمة، التى يحترم فيها الدستور الذى هو الأساس والأسمى والأعلى، والمصدر لكل القواعد القانونية واللوائح الأدنى، وحيث تنص المادة (68) من الدستور المصرى لسنة 2014م على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك الشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إبداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً"، إذا نظرنا لمعنى النص "الدستورى" نجد أن المشرع أطلق العمومية للشعب فى الحصول على المعلومات، ولم يختص بها الصحفيين وحدهم، ولكن يختص بها الشخص العادى من عامة الشعب، ومن هنا يكون لا وجه للرد على ما يتشدق بالقول، على أن حق الحصول على المعلومات وتداولها، يختص به عموم الصحفيين فقط، دون عامة الشعب، لأن هذا معناه تخصيص عموم هذا النص الدستورى دون مخصص وتقييده دون مقيد، وذاك يتعارض مع أصول التفسير للشرعية الدستورية له، ثم إن المشرع الدستورى لم يصعب عليه أو يعجز أو أن يقررها صراحة وأن يختص بأن كلمة المعلومات والبيانات... ملك "الصحفيين" دون "الشعب" على قصر هذه الحقوق فى المعرفة والحصول على الوثائق، لأن حرية تداول المعلومات أهميتها ورؤية الحصول عليها لا تخص فصيلًا دون الآخر، ولكن هى فى الأساس تخص عموم الشعب وحقهم فى معرفة الحقائق لكى يكون لهم دور فى المشاركة لتخطيط المستقبل لبناء الجمهورية الجديدة، شرط أن يكون صياغة هذا التخطيط تنم عن علم بما يهم المعرفة ومتابعة ما يجرى من الأمور، وهذه أحاديث تحدث بها الرئيس السيسى وأهدافه فى بناء المواطن المصرى، فى إشباع حقه بالمعرفة والأخبار الصحيحة، لكى يعود عليه بالإيجاب والارتقاء بمستوى وعيه العام، الذى يساعده فى تكوين رأيه وموقفه إزاء القضايا الدولية والإقليمية.
وإن كفل "القانون" للشعب الحق فى الحصول على المعلومات بشكل مطلق، ولكن فى نطاق محدد وما يستثنى منها إلا المتعلقة بالحياة الخاصة للإنسان، وهذا حق ألزمته الشريعة الإسلامية، وأوجبته ونصت عليه القوانين الوضعية، وقد نص عليه الدستور الحالى فى المادة (57) منه، على أنه "للحياة الخاصة حرمة وهى مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون"، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين، فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها أو وقفها أو حرمان المواطنين بشكل تعسفي وينظم القانون ذلك، وهذا ما قضت به "محكمة النقض" على أن النص فى المادة (45) من الدستور على أن لحياة المواطنين حرمة يحميها القانون.
وإذا نظرنا إلى الفقرة الثانية من المادة (68) من الدستور المذكورة آنفا ، بأن المشرع الدستورى ألزم السلطات العامة فى الدولة بعدة التزامات، بشأن حرية تداول المعلومات، بأن تفصح الدولة عنها باعتبارها دستورياً تكفله الدولة ملك الشعب، وإتاحتها للجميع بكل مصداقية وشفافية وإن حجبها جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن هناك ضوابط قانونية تنظم حرية تداول المعلومات، حماية للأمن القومي، لأن المادة (86) من ذات الدستور السابق الإشارة إليه نصت على أن "الحفاظ على الأمن القومى واجب والتزام الكافة بمراعتها مسئولية وطنية يكفلها القانون"، وهو نطاق قيد الحصول على المعلومات، حماية للسياسة العليا للدولة المتعلقة بالدفاع عن الوطن ومصالحه العليا، أو بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية، كما نصت المادة رقم (10) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018 على أنه "يحظر فرض أى قيود تعوق توفير وإتاحة المعلومات، أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف المطبوعة والإلكترونية، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أو من حقها الحصول على المعلومات، وذلك كله دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومى، والدفاع عن الوطن" رغم أن هذه المادة قد تحظر فرض قيود أو حجب المعلومات، إلا أنها قد وصلتها بحماية الأمن القومى وعدم الإخلال به، رغم تعريف الأمن القومى تعريفًا واسعًا ويحتاج تفسيرات عديدة، مما يؤدي إلى تعطل كثير من المعلومات وتقيدها.
إن جوهر المشكلة فى أن قانون حق الحصول على المعلومات الجديد لابد من صدوره، حتى لا يتناقض المشرع مع نفسه لما يصدره من قوانين وتتصادم مع النص الدستورى القائم الذى يلزم بحرية المعلومات وتداولها، وإن كانت الدولة تخشى من بعض المعلومات التى بها مساس بالأمن القومي، وتريد جدارًا من السرية لحمايتها، فإنها تستطيع التوازن من خلال سلطتها التشريعية، من حماية أمنها القومى فى عدم الكشف عن المعلومات، فى المقابل تقوم بتوفيرها وإتاحتها للجميع إذا لم يكن لها خطورة على تدعيات الأمن القومي والسلام الاجتماعى، وهذا هو دور اللجنة الاستشارية للحوار الوطنى لمناقشة هذا القانون وصياغته.