لا أخفى سرًا، فأنا لم أكن أعلم معنى "الكد والسعاية" قبل انطلاق الجلسة الختامية المجتمعية للحوار الوطني في أسبوعه الخامس، وبعد البحث والتقصّي وجدت أن هناك مئات من الفتاوى التي تخص هذا المفهوم غير الدارج على مسمعي، وكان أهمهم مطالبة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب بإعادة إحياء فتوى حق الكد والسعاية للمرأة، وهي فتوى تقضي بحق ونصيب معلوم للمرأة في مال زوجها؛ ويصل إلى نصف ثروته؛ سواء في حالة الطلاق أو الوفاة؛ وذلك نظير "كدها وسعيها" مع زوجها وعملها ومشاركتها له في تكوين تلك الثروة.
الحديث عن الزواج والطلاق يشوبه العديد من الرُؤى والتشريعات والخلافات وأحيانا التحايل والخداع، لكن لو رجعنا إلى قول الله تعالى في القرآن الكريم سنجد تنظيمًا مريحًا لكل الأطراف، يجعلنا نفكر كثيرًا قبل الإقبال على الزواج وأيضًا قبل وقوع الطلاق، قال تعالى "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا"، وصف الله الميثاق بالغلظة لقوته وعظمته ومدى أهميته في بناء الأسرة والميثاق الغليظ هو العهد الذي أخذ للزوجة على زوجها عند عهد الزواج.
شملت الجلسة جانبين آخرين وهما "الطلاق والنفقة" وبحسب كتاب الإحصاء السنوي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن مصر بها 900 ألف زيجة سنويًا، وعدد حالات الطلاق بلغت 254 ألفا و777 حالة طلاق خلال عام 2022، منها 65% في السنة الأولى للزواج؛ مما جعل الأمر يحتاج إلى قانون مدروس لعلاج الوضع الحالى، ربما قد يكون لتخفيف حالات الطلاق والعمل بمبدأ الوقاية خير من العلاج، ولكن أهم ما رصدته الجلسة الوضع القائم للأطفال بعد تخلي أحد الوالدين عن دوره وتواجده في تكوين أسرة سليمة ومعتدلة.
شمل النقاش نتائج وقوع الطلاق وأبدت جميع الآراء مرونة واضحة في معالجة الإشكاليات والجوانب الإجرائية في قضايا الأسرة التي غالبًا ما يدفع ثمنها الطفل، وكانت من أهم التوصيات هي ضرورة تفعيل عمل مكاتب الإرشاد الأسري للإصلاح بين الزوجين وإذابة الخلافات ووضع الطلاق حلًا أخيرًا في حالة استحالة العشرة بين الطرفين وضرورة وجود آلية لوضع خارطة طريق مع توثيق عقد القران في إطار ترسيخ مبدأ الطلاق الحضاري يتم إجراؤه باجتماع الأطراف للاتفاق على بنوده.
أتمنى أن توضع مصلحة الطفل فوق كل اعتبار مع عدم إغفال حقوق الزوج والزوجة بعد الطلاق، ووضع قوانين لا تنحاز لأحدهما على الآخر، و ضمان تلقي الطفل كل أنواع الرعاية المادية والمعنوية للتعامل مع المجتمع واختلافاته الجوهرية، فبعد الانفصال تواجه جميع الأطراف أضرارًا نفسية، وأضرارًا اقتصادية وأضرارًا اجتماعية كبيرة.