ما الذي يتبادر إلى أذهاننا ونفكر فيه حين نطالع خبرًا مفاده انتحار طالب أو طالبة بسبب الإخفاق في الدراسة وغالبا بالثانوية العامة؟ هل سنقوى على التفكير أصلا، أم أن ذهولا سيأخذنا ونحن نتساءل: ما الذي يدفع الأغصان والورد اليافع للإقدام على إنهاء كل فرصة ممكنة للحياة التي وهبنا إياها الخالق عز وجل لنخوض التجربة ونتعلم، ونسير ونتعثر ونقوم لنواصل المسير؟ لكن إزهاق الروح هذا الأمر المؤسف أيما أسفٍ يقطع الطريق أمام جميع المسارات ويضع نقطة سوداء عند حد هو بداية الطريق، ومما يؤسف له أن يتجه هذا السلوك إلى الظاهرة، بحدوثه في مواقع متفرقة ففي سوهاج مثلا تناولت طالبة مادة سامة بعد وقت لم يتجاوز الساعة من ظهور نتيجة الثانوية، بسبب رسوبها في بعض المواد، كما تخلصت فتاة من حياتها داخل غرفة نومها شنقا، للسبب ذاته خوفاً من غضب أسرتها، بسبب نتائج الثانوية العامة ورسوبهم في بعض المواد وعدم حصول بعضهم على المجموع المناسب لدخول الكليات الجامعية، أقدم 6 طلاب وطالبات مصريون على التخلص من حياتهم، وفي القليوبية تناولت طالبتان ما تسمى بحبة الغلة، هذه الآفة الجديدة المميتة وسريعة المفعول لتتخلصا من حياتهما بعد رسوبهما، وأيضًا في كفر شكر أقدمت طالبة بكل بساطة على تناول مبيد حشري بعد الحصول على مجموع لا يؤهلها هلها للكلية التي ترغب في الالتحاق بها، وفي مدينة بلبيس أيضًا، فشلت كل محاولات إنقاذ فتاة بعد أن تخلصت من حياتها بسبب رسوبها في الثانوية أيضًا.
لا شك إذًا أنها مأساةٌ بمعنى الكلمة، ومع ملاحظة أن أغلب حالات الانتحار لفتيات، وهو أمر بحاجة إلى رصد وتحليل نفسي شامل للبيئات التي تقطنها هؤلاء الفتيات والأجواء التي يعيشنها، لكن الظاهرة بشكل عام بحاجة إلى وقفة جادة ومراجعة وهي مؤشر خطير يحتاج إلى جهود مكثفة من قبل مؤسسات الدولة المعنية، للوصول إلى حالة من الوعي الجمعي العام الذي يوجد مساحة من الإدراك بفرص الحياة أمام النشء، والعمل على تغيير المفاهيم البائدة، فقضية التعليم على أهميتها، وارتباطها دائما بالنقاشات حول الحاضر الآني والمستقبل القريب والبعيد، غير أن هذا لابد أن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتطور في التفكير وزيادة مساحة الوعي بالمعطيات الجديدة في الحياة، وتعاظم الفرص أمام الجميع حتى من لم يتلقوا تعليما عاليا بالمفهوم العام، فما أكثر التخصصات التي استُجدت وتضاف كل يوم لمعترك الحياة في ظل التطور الهائل الذي تشهده الكرة الأرضية مع سباقات التحدي، هذا التحدي الذي يجب أن يجد عناصر تليق بمعناه وتليق بالتطلع إلى المكانة المغايرة، فالطالب نواة لهذه العملية التعليمية التي تتطور بمجالاتها، والمعلم أيضا حجر أساس في هيكل البناء العام للشخصية غير الدور الأساسي المنوط بأولياء الأمور أنفسهم الذين بالطبع خاضوا التجارب المختلفة وأخفقوا في حياتهم ونجحوا وأخفقوا واستمرت الحياة، فأين هم من حياة أبنائهم وأين هذه التجربة المستقاة من مدرسة الحياة؟
إن الثانوية العامة يا أبنائي الأعزاء ليست ولن تكون نهاية المطاف، كما أن تعبير "عنق الزجاجة"، هذا التعبير المخيف لم يعد حقيقيا، إنها مرحلة من مراحل الحياة، وكم من نماذج رسبت رسوبًا تامًا أو تحصلوا على مجاميع لم تكن على هواهم وهوى عائلاتهم وأسرهم، لكنها استطاعت أن تعبر بما بقي في روحها من حماس وتحدٍ للواقع ومعطياته طالما أن هذا الواقع نفسه يمنحنا الفرص تلو الأخرى، ورأينا هذه النماذج الآن محلقة في سماوات التفوق بمجالات مختلفة وفيهم من أصبح خبيرًا تكنولوجيا، وفيهم من صاروا رجال مال وأعمال أفادوا أوطانهم، وفيهم الذي نجح في غزل رداء أخضر لصحراء جرداء وحولها إلى جنة وفيهم وفيهم وفيهم.
وهذا لأن الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء منحنا الطاقة والأمل ومنحنا الفرص، لا لننهي حياتنا، ولكن لنقوم ونعبر وننجح ونتألق.