نعيش في الدنيا ولدينا أسرار بداخلنا لا يعلمها إلا الله، وكثيرًا ما نتساءل لماذا يعطي الله هذا ويحرم ذاك! وأسئلة كثيرة تدور في أذهاننا؛ ولكن الحقيقة هي أننا لا نعلم أن هناك أسرارًا بين العبد وربه.
القدر سر من أسرار الله تعالى ما كان لك سوف يأتيك، وما لم يكن لك لن يأتيك.
وتوفيق الإنسان في حياته لا يتحقق إلا بالتوكل على الله، والدعاء والاعتماد على الله وحده دون سواه؛ فعندما نمتحن الطالب لا نقيس نجاحه في الاختبار على اجتهاده في التحصيل، وعند البحث عن عمل لا تعتمد على مهاراتك وقدراتك وخبراتك، وفي التجارة لا تركن إلى ذكائك وقدراتك وفطنتك؛ بل تجعل اعتمادك على الله قبل كل شيء، وتستعين به في كل أمورك، وتأخذ بالأسباب، فأنت تعتمد على توفيق الله وتدبيره وحكمته.
وحسن الظن واليقين بالله، والرضا بقضائه وقدره، ويقينك بأن الله حكيم خبير رحيم لا يقضي لعباده قضاء إلا إذا كان خيرًا له، ويصرف عنه السوء.
واليقين بالله هو الاعتقاد بأن كل ما في الكون يسير بحكمة، وأنه يجب الاستسلام لقضاء الله في كل شيء، فالمؤمن لا يخاف من أمور الدنيا؛ لأن النفع والضر لا يتحقق إلا بمشيئة الله.
فعباد الله المقربون إليه بنقاء قلوبهم وصفاء نفوسهم؛ أي خلو قلوبهم من أمراض القلوب، التي تصيب القلوب من حقد وحسد وكراهية وغيرها، هي أمراض أكثر خطورة على النفس البشرية، لأن هذه الأمراض هي التي تباعد المسافات بين العبد وربه.
ونجد أن هناك سرًا من أسرار الله يودعه في عباده؛ ألا وهو الإخلاص، ويختص الله به من عباده من يشاء؛ فهناك فرق بين المخلص الذي يُصفي عمله من الرياء والنفاق والكذب؛ لأن تصفية العمل هو الإخلاص، أما المُخلَص، فهو الذي أخلص العمل لله، ثم أخلصه الله لنفسه فصار من المُخلَصين، وقد وصف الله نبيه يوسف عليه الصلاة والسلام فقال: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
فعندما يُسخِر العبد جوارحه لله، فلا يستطيع أن يستعملها إلا في حب الله، فهو لا يسمع ولا يرى إلا كل ما يحبه الله، ولا يمشي إلا في طريق الله؛ فيحبه الله، وإذا أحبه الله يدفع عنه مشاغل الدنيا ويطهره من المعاصي ويبعدها عنه.
وهناك عباد ابتلاهم الله ليختبرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضِي فله الرِّضا ومن سخِط فله السُّخطُ).
عندما يتقرب العباد إلى الله من خلال قراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه ومناجاة الله في قيام الليل والتقرب بالصلاة والذكر والإصرار على التوبة فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولكن لابد من أن يصر العبد على التوبة، فمن علامات محبة الله لعبده إصراره على التوبة، وأن يكون لحوحًا على الله وليس عجولًا، فيوفقه الله إلى التوبة.
وهناك من العباد الفاسدين يعطيهم الله في الدنيا ويرزقهم ويزيدهم ليكونوا شاهدين على أنفسهم يوم القيامة، وكلنا نسعى جاهدين في حب الله نتنافس في التقرب إلى الله بالصلاة والخشوع وقيام الليل والذكر والدعاء لنصل إلى مقامات الصديقين ومراتب المتقين، ولكن لا تنسى أن الدين معاملة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم ارزُقْنِي حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عندَك، اللهم ارَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ، فاجْعَلْهُ قوةً لي فيما تُحِبُّ، اللهم ما زَوَيْتَ عني مِمَّا أُحِبُّ، فاجْعَلْه فَرَاغًا لي فيما تُحِبُّ).
ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين..
وإلى أن نلتقي في مقال آخر بإذن الله..
* استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة