في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، كثرت دعاوي إحياء "حق الكد والسعاية"، من التراث الإسلامي، لحفظ حقوق المرأة العاملة التي تبذل جهدًا في تنمية ثروة زوجها، فالشريعة الإسلامية حريصة على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه يحفظ كرامتها، خاصة أن الكثير من الزوجات كن ضحايا أزواج بلا ضمير، فيعملن وينفقن لسنوات على المنزل، وحالما يقتدر الزوج يتزوج عليهن أو يطلقهن، ليخسرن سنين العمر والتضحيات بسبب أن القوانين لا تضمن لها إلا مؤخرها المسجل والنفقة الضعيفة.
موضوعات مقترحة
وكان الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، قد فتح الحديث حول ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية" مؤخرًا، لحفظ حقوق المرأة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، وليؤكد أيضًا أن التراث الإسلامي ليس كما يدعى البعض ينتقص من قدر المرأة وحقها، وهو الأمر الذي لقى ترحيبًا واستحسانًا من المنظمات والجمعيات الحقوقية والنسائية.
وبناء على ذلك، طالب الكثير بتعديل قانون الأحول الشخصية، بصورة تضمن المزيد من الميزات للمرأة، وتكفل لها ضمانات إضافية تقيها شر كيد زوج، وهوما تبناه بعض الجمعيات الحقوقية للمرأة بتنبي قانون يمنح الزوجة عند الطلاق نصف ما امتلكه الزوج منذ اليوم الأول لزواجهما، باعتبار أن المرأة شريكة للزوج إما عبر العمل أوعبر رعاية المنزل والقيام بخدمة الزوج ورعايته، مما يعني أنها تساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في زيادة ثروة زوجها.
ما هو حق "الكد والسعاية" للمرأة العاملة؟
مصطلح حق الكد والسعاية، هو مصطلح ذكر في التراث الإسلامي لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا كبيرًا في تنمية ثروة زوجها سواء كان بعملها أو ببنائها منزلا لأسرتها أو من المشاركة في العمل، أو ذمة مالية قديمة قبل الزواج شاركت بها زوجها، ولأن الإسلام من شأنه حفظ الحقوق لاسيما حق المرأة وكرامتها، فكان من شأن المشرع أن يحفظ ذلك الحق.
ومسألة الكد والسعاية في الإسلام لها وجهان: وجه أصولي ووجه فقهي، خاصة لدى فقهاء المالكية.
ويعود حق الكد والسعاية في التراث الإسلامي إلى اجتهاد قام به عمر بن الخطاب الخليفة الثاني لسيدنا محمد، عندما جاءته سيدة تدعي "حبيبة بنت زريق" تحكّمه في قضية ميراث من زوجها عمر بن الحارث، حيث كان يتاجر فيما تنتجه وتصلحه من عملها في الطرازة، واكتسبا من ذلك مالًا وفيرًا، فلما مات زوجها ترك مالا وعقارًا وتسلم أولياؤه الخزائن، فنازعتهم الزوجة في ذلك، وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث في النصف الباقي.
واعتبر الزوجة كانت شريكة لزوجها في الربح والعمل والكسب، واستند علماء المذهب المالكي إلى هذا الاجتهاد، فكثير من فقهاء المالكية أفتوا بحق الزوجة في اقتسام ثروة زوجها التي اكتسبها خلال فترة زواجهما بقدر جهدها وسعايتها، ومنهم شيخ المالكية في عصره العلامة أبو العباس أحمد بن عرضون.
الكد والسعاية يحفظ حقوق المرأة
وطالبت شيرين فتحي عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، خلال كلمتها بجلسة لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي، بالمحور المجتمعي في الحوار الوطني، والتي حملت عنوان "مشكلات ما بعد الطلاق، الطاعة والنفقة والكد والساعية، بتعديل قانون الأحوال الشخصية، فالمرأة المصرية والعربية لا تزال تسعى لإقراره بالقانون، وبينما تقره بعض الدول في تشريعاتها، لا تزال نساء مصر يواصلن المطالبة بإقراره.
وتؤكد عضو تنسيقية شباب الأحزاب، أن حق الكد والسعاية أمر مهم يحفظ حقوق المرأة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، ونص الفتوى هو أن يُستوفى حق المرأة في الكد والسعاية من تركة زوجها المتوفي مع قضاء ديونه، وقبل تقسيم تركته قسمة الميراث الذي تستحقه منه نصيب الزوجة، أي فرض الربع إن لم يكن لزوجها أولاد، أو الثمن إن كان له أولاد منها أو من غيرها.
كما توضح، أننا بصدد الحفاظ على حقوق المرأة الزوجية سواء توفى عنها زوجها أو طلقت، والتي تجد نفسها بعد الطلاق وبعد سنوات من الكفاح مع زوجها خارج حساباته ودون أي ضمانات، بل وقد تكون عرضة للضياع نتيجة عدم قدرتها على القيام برفع قضايا، بالإضافة إلى تأخير الحسم في مثل هذه القضايا حال وصولها للمحاكم.
وتكتظ دور المسنين بسيدات نُلْن عقوق الأزواج والأولاد بعد فناء عمرهن وهذا لا يليق بالمرأة المصرية، بحسب "شيرين"، ولا يضمن لها حياة كريمة في ظل دولة تسعى على قدم وساق إلى تحقيق الحياة الكريمة لكل مواطن فما بالك بالقوارير اللاتي أوصى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضعهن رئيس الدولة نصب اعينه.
متى تحصل المرأة المطلقة أو الأرملة على نصف ثروة الزوج؟
وأوصت باقتراح كمسودة أو فكرة أولية لنص تشريعي لضمه لقانون الأحوال الشخصية سواء في ثوبه الجديد أو في تعديل مستقل أن يكون النص كالآتي: يكون للزوجة التي توفي عنها زوجها أو طلقها وكانت شريكة له في السعي في تحقيق ثروته، نصف هذه الثروة حال وفاته أو طلاقها وهذا ما لا يخل بحقها الشرعي من الميراث حال وفاته، ولابد من سن تشريع يقره البرلمان حتى لا تقع الزوجات ضحية لنهب أموالهن، وسيتم تخصيص هذا التشريع وفقا لمجموعة من العوامل، ومنها مدة الزواج وعدد الأبناء، وأن يكون لكل من الزوجين ذمة مالية.
دول أوروبية تطبق حق الكد والسعاية
وتعتمد بعض الدول الأوروبية والعربية، حق الكد والسعاية في إطارها التشريعي، إذ تعترف قوانين هذه البلدان به وتتيح بموجبه حقوق اقتصادية للمرأة في ثروة زوجها حال الطلاق أو حال وفاته، طالما ساهمت في تكوين تلك الثروة، وتقر كل من بريطانيا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة تُقسيم الممتلكات بشكل منصف بين الزوجين بموجب قانون التوزيع العادل.
وتطبق هذه الفتوى في المملكة المغربية، فالنساء هناك تكد وتقوم بمساعدة الزوج في كافة الأعمال لذلك كان القضاء المالكي وهو مذهبهم له رأى في تلك المسألة، حيث سئل العلامة أحمد بن عوضون المالكي عن نصيب المرأة بعد انقضاء الزوجية بالطلاق أو الوفاة، فأصدروا فتوى قال فيها، "لهن قسمة على التساوي بحسب الخدمة، لكن أهل فاس فيها خالفوا، وقالوا لهم في ذاك عرف يعرف، أي ما يقوله العرف".
كذلك أقرت تونس هذا الحق في القانون الصادر عام 1998 نظاماً للاشتراك في الملكية بين الزوجين لتكريس التعاون بين الزوجين في تصريف شؤون العائلة؛ إذ منح القانون التونسي للزوجين الحرية التامة في اختيار النظام المالي الذي يرغبان في الخضوع له، واعتبر الزواج المبرم على رأي الزوجين في نظام الأملاك الزوجية، بمنزلة اختيار لنظام التفرقة في الأملاك.
ماذا تستفيد المرأة من تطبيق "حق الكد والسعاية"؟
هناك الكثير من السيدات أصبحن يخرجن للعمل ويساهمن في مصروفات المنزل مع أزواجهن، وحق الكد والسعاية يقضي بتحرير عقود يكتب فيها للزوجة ما تنفقه في الحياة الزوجية، لأن الكثير يشاركن أزواجهن في الحياة الزوجية من خلال عملهن، لذا كتابة نسبة مشاركة كل منهما في عقود يضمن للمرأة حقها الذي أنفقته، سواء تم الانفصال أو توفى الزوج، فهو يضمن لها كافة حقوقها حال حدوث أي شيء.
كيف يتم تطبيق حق "الكد والسعاية"؟
ويؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، أن حق الكد والسعاية يطبق عن طريق عقد المعاملات بين الزوج والزوجة في الفقه الإسلامي، فيكون بالاتفاق فيما بينهم، ولا يحتاج الأمر لقانون لأن بعض الزوجات تكد وتساهم في العمل والمصروفات الزوجية بالاحتساب، لذا يرى أن المسئول عن تطبيق هذه الفتوى هو الزوج والزوجة بالاتفاق بينهما.
ولكن المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أسامة الحديدي، يرى أن الجهات التشريعية والمنوط بها مجلس النواب هي المعنية بإعادة العمل في الكد والسعاية، مؤكدًا دور التشريع والمجالس العرفية في الترضية بين الزوجة والورثة.
حالة واحدة ممنوع فيها حق الكد والسعاية
يؤكد "كريمة" ضرورة التفرقة بين حالتين في حق الكد والسعاية، فإذا كانت تشارك في الزراعة أو الصناعة أو التجارة بالعمل، فلا بأس في التطبيق لأنه حقها بمساهمتها في المصروفات والعمل، أما إذا كان حق السعاية نظير أعمالها المنزلية المتعارف عليها فهذا ممنوع، لأن الشريعة الإسلامية جعلت لها المهر والنفقة، والمعلوم أن السيدة فاطمة رضي الله عنها كانت تكد داخل المنزل احتسابا وزوجها الإمام علي يكد خارج المنزل للنفقة.