يتزايد الحديث – من الجنسين وبكل الأعمار- بمرارة وحسرة وغضب عن الخذلان من الأصدقاء في الواقع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات..
الخذلان هو التخلي وترك المساعدة عند الاحتياج إليها وعدم نجدة من يستغيث ورفض الأخذ بيده لينتصر عما يؤلمه..
يبالغ الكثيرون من الجنسين بإطلاق وصف الخذلان على أمور بسيطة وكأنهم يحاولون التأكيد على قسوة حياتهم؛ ومن يفعل ذلك يؤذي نفسه "بأضعاف" من تسبب بإيلامه؛ فيزرع داخل عقله وقلبه الحزن والغضب والأسوأ فقدان الثقة في النفس وفي قدرته على اختيار الأصدقاء وفقدان الثقة في الناس؛ ولو "أهدى" نفسه الاعتدال لنظر للأمور بهدوء وسيجد أنه كثيرًا ما يتوقع وربما "يطالب" أصحابه بأكثر مما يمكنهم فعله..
وعندئذ سيكون أكثر "واقعية" وأكثر اعتمادًا على نفسه بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع "وسيفوز" بنتائج ترضيه وتسعده وسيكون أقوى نفسيًا وأقل "احتياجًا" للآخرين والعكس صحيح..
يتساءل البعض لماذا يخذلني كل أصدقائي؟ ونرد بكل الود والاحترام: إن كان ذلك حقيقة وليس مبالغة فالمشكلة عندك وليس عندهم؛ فقد يكون السبب سوء اختيارك للأصدقاء، وتسرعك بمنحهم صداقتك وثقتك، أو توقعاتك غير واقعية، أو أنك لا تساعدهم أبدًا عندما يحتاجون لمساعدتك، وقد يكون السبب مبالغتك في التألم من كل شيء؛ فلابد من معرفة دورنا في الشعور "المستمر" بالخذلان الذي يتسبب في الإنهاك النفسي وتناقص السعادة ولو بعد حين..
يخذل نفسه من يبحث عمن يتعامل معه "كطفل" لا يستطيع مواجهة مشاكله بنفسه، وكأنه يريد من "يتبناه" ويتناسى أن من يتبنى أحدًا يقوم "بتربيته" كيفما يشاء، ولديه الحق في العقاب وفي المنع أيضًا، ولا يقتصر دوره على المنح والتدليل وتلبية الرغبات أليس كذلك؟
يخذل نفسه من "يقرر" المسارعة لأصدقائه كلما تعرض لما يكره في الحياة؛ فيحرضهم على التعامل معه "بفوقية" ولو بعد حين؛ فمن منا يجيد تقدير من يهزم نفسه "ولا" يسعى لإدارة شئون حياته وهذا لا يتعارض بالطبع إلى "حق" الصديق في الوقوف بجواره وتقديم كل الدعم الممكن له في الأزمات بأنواعها وليس في تفاصيل الحياة العادية التي لا يمكن أن تخلو بأي مكان وزمان من المنغصات "العابرة"..
يخذل نفسه من "يتوقع" من أصدقائه وضعه في رقم 1 في أولوياتهم بالحياة؛ فالجميع لديه ما يشغله من طموحات لم يحققها ومشاكل "تقتحم" حياته رغمًا عنه ومتاعب مختلفة، والجميع "يحتاج" بشدة لبعض من الهدوء النفسي واستراحة محارب من وقت لآخر "ليستطيع" بمشيئة الرحمن بالطبع من مواصلة أدواره بالحياة "بأفضل" ما يمكنه وليس دوره كصديق فقط؛ ولا أحد يمتلك رفاهية "التفرغ" لأصحابه طوال الوقت وأن يكون متاحًا دومًا للاستماع إليهم خاصة مع تكرار الشكوى من أمور يسهل تجاوزها "ويرفض" البعض ذلك للرغبة في العيش بدور الضحية أو للإصرار على رفض الحلول "الممكنة" بالوقت الحالي والتشبث بعناد على حلول لا يمكن تنفيذها، وآخرون يصرون على تكرار الشكوى ورفض القيام بما يقلل حدتها وكأنهم ينتظرون الثمار دون وضع البذور في الأرض والمثابرة على زرعها!!
يخذل نفسه من يتعامل مع أصحابه وكأنهم "مكب" للنفايات؛ فهو ساخط دائمًا على كل شيء، وكثير الشكوى وقليل التحدث عما لديه من نعم، ودوما يريد من يربت عليه والأسوأ من يصر على إجبار أصحابه على القول بأنه على صواب ولا يخطئ أبدًا ولا أحد منا كذلك؛ فكلنا نصيب أحيانا ونخطئ مرات، وفقط من "يحترم" عمره هو الذي يعترف بالخطأ ويسارع بالتخلص منه ويكتسب الخبرة "وينتبه" فلا يكرره وبالطبع لا يبرره..
يخذل نفسه من يتجاهل أن صديقك من صدق معك لا من صدقك؛ أي صدق مزاعمك عن كونك لا تخطئ؛ فالصديق الحقيقي لا ينافق صديقه ولا يخدعه بالكذب عليه حتى لا يغضب منه؛ بل يصارحه بأخطائه بلطف وبرفق وباحترام أيضًا؛ فمن الخطأ الشائع التباهي "الغريب" بالمثل البشع؛ "أقول للأعور أنت أعور" ولماذا نضايق الآخرين عامة والأصدقاء خاصة؛ أليس في الحياة ما يكفي من السخافات والمضايقات؛ فلماذا نقوم بزيادتها لأصحابنا؟
ثم أين نحن من النصيحة النبوية الشريفة" ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه".
مع تزايد بعض الضغوط بأنواعها "يفتش" الكثيرون والكثيرات عمن "يمتص" أوجاعهم ويذيبها وأحيانا يتحمل "مسئولية" علاجها بدلا منهم؛ وهذا غير واقعي ومن الأمانة الإجابة على السؤال التالي بصدق مع النفس؛ وهل يقومون هم بهذا الدور مع أصدقائهم؟ إذا كانت الإجابة بنعم وهذا نادر الحدوث؛ فليتوقفوا فورًا وليمنحوا أصحابهم فرصهم التي يستحقونها للنضج؛ وإن كانت لا؛ وهي الأكثر فكيف يتوقعون من الآخرين ما يرفضون هم تقديمه إليهم؟!
أما إذا "ثبت" تعمد الصديق الخذلان وقت الأزمات "الحقيقية" وعدم وجود أي مبرر لخذلانه وتعمده ذلك؛ فليتذكر من تعرض للخذلان القول الرائع
(وإذا ما الصديق عنك تولى
فتصدق به على إبليس)، ولا يعاتبه وينسحب بهدوء ولا يذكره بسوء وليحتفل أيضًا؛ فقد تخلص من صديق "مزيف" ليفسح المكان والمكانة لصديق حقيقي يستحقه.
مع ضرورة أن يكون أفضل صديق لنفسه، وأن يحاول بهدوء ولطف معالجة مشاكله، وأن يزيد بالتدريج من خبراته في الحياة، وليضع نصب عينيه قول الإمام علي كرم الله وجهه: إذا وضعت أحدًا فوق قدره فتوقع أن يضعك دون قدرك.. وقوله أيضًا إذا احتجت إلى أحد تكن أسيره.