Close ad

طوف وشوف.. النرويج

1-8-2023 | 15:15

وجاء فصل الصيف، يمكنك أن تنتبه لقدومه بمنتهى السهولة، عندما تبدأ فى مشاهدة الاستعدادات الكبيرة التى يقوم بها عمال البلديات فى الشوارع، أخبرتكم فى المقال السابق عن الشتاء حيث تغطى الثلوج كل شيء، ويكون اللون الأبيض هو سيد الموقف، رغم ذلك لا تتوقف الحياة فإمكانيات الدولة تسمح بالحفاظ على الطرقات صالحة لحركة السيارات، لكن مع بداية شهر مايو تشعر بحركة غريبة فى الشوارع العمال فى كل مكان يؤهلون الأشجار لاستقبال فصل الصيف، لسعات الشمس الخفيفة تبدأ فى مداعبة الوجوه، يصاحب ذلك الاستعداد للاحتفال بالعيد القومى للدولة وهو يوم مشهود يعدون له العدة.

من عجائب المناخ فى تلك المنطقة المتميزة من العالم أن فصل الصيف يكون على عكس ما ذكرته عن فصل الشتاء تماماً، نهار طويل جداً يكاد ينعدم الظلام إلى جواره بحيث لا تشعر به وربما تتفقده خلال اليوم فلا تلحظه، إذا نمت فى العاشرة مساء لا يوجد ظلام، لتصحو أيضاً فى الصباح على نور النهار، وهكذا يمكن أن تقضى فصل الصيف دون مشاهدة ظلام يذكر. يكاد النهار يبدأ فى الثانية صباحاً ويستمر حتى العاشرة مساء. وإذا حضرت شهر رمضان فى النرويج متزامناً مع فصل الصيف فسوف تشهد صياماً لم تشهده من قبل. الصيام يبدأ من الثانية صباحاً وحتى التاسعة والنصف مساء تقريباً. حوالى عشرين ساعة.

عندما ذهبت فى الشتاء تحدثت إلى أحد النرويجيين مبدياً إعجابى بملابس النساء المحتشمة مقارناً ذلك بدول أخرى زرتها، ونصحنى الزميل النرويجى أن أؤجل حكمى حتى يأتى الصيف ! نعم كان الحكم متسرعاً إلى درجة كبيرة .

فى الصيف تشعر أن الناس "ما صدقوا إن الشمس طلعت" ليتحرروا من كل شيء، يتحرروا من التكييف الساخن، والبارد أيضاً وكأنهم يثأرون لأنفسهم صارخين "كفانا صقيعاً" فلنستمتع بالشمس والحرارة قدر الإمكان . يتحررون من الظلام الدامس والتزام المنازل والجلوس إلى جوار الدفايات، وقبل ذلك التحرر من الثياب.. ليس جميعها بالطبع، لكن معظمها بالتأكيد!

من أشهر الأماكن فى مدينة برجن "سوق السمك fish market" ترى فيه أشكالا وألوانا من الأسماك لم ترها فى حياتك وخاصة أسماك السلمون التى تشتهر بها النرويج والتى لابد وأن تحرص على تناول أكبر كمية منها خلال تواجدك هناك، وعلى وجه الخصوص السلمون المدخن saumon fumé . فى الصيف يستعد الميناء المجاور لسوق السمك لاستقبال القوارب الشراعية بألوانها الزاهية والتى تأتى من كل مكان فى احتفالية كبرى يمكنك أن تستمتع برؤيتها وأنت تتناول الغداء على قمة الجبل المواجه للسوق . الصعود إلى هناك يكون بواسطة القطار، وإذا قررت النظر خلفك وأنت تستقل هذا القطار أنصحك أن تكون "أعصابك من حديد" لأن لحظة صعود القطار إلى تلك القمة لحظة مرعبة.

من المعالم الشهيرة بجوار سوق السمك "الدكتور حسن" تعرفت عليه بالصدفة، شاب مصرى ذهب إلى النرويج فى زيارة وقرر البقاء والعمل هناك . كان طالباً فى السنة الثالثة بكلية الطب، لم يكمل دراسته وعمل بائعاً للنظارات بجوار السوق . الكل يعرفه، شاب طيب جداً يتطوع لمساعدتك دون أن تطلب منه ذلك . كنت أتعجب من أمره ولماذا ترك دراسته ! ولماذا لا يعود ويكملها ؟ الفرصة كانت ما تزال أمامه، لم أحصل منه على جواب مقنع، كان قد اعتاد حياته بهذا الشكل، يكسب ما يكسبه من المال فيرسل جزءاً إلى أهله وينفق الباقى على إقامته.

وكان هناك "عبدالوهاب " شاب مصرى آخر يعتبر من العلامات المميزة التى يعرفها الجميع، كان يستعد للحصول على الدكتوراه فى الفيزياء، اصطحب معه زوجته وأبناءه أثناء دراسته. كان يعمل فى أى شيء وكل شيء  للحصول على المال ليدبر أمور حياته، كان ماهراً للغاية، إذا أردت إصلاح جهاز الكمبيوتر يقولون إذهب إلى عبدالوهاب. إذا أردت شراء أى شيء اذهب إلى عبدالوهاب، الحق أقول إنه كان مثيراً للإعجاب بجده واجتهاده وقد شرفنى واسعدنى أن أحضر المناقشة العلنية وحصوله على درجة الدكتوراه. بعدها عمل جاهداً لحصول زوجته على منحة دراسية حتى يمكنه البقاء هناك أطول فترة ممكنة.

كان هناك أيضاً "سامح" الشاب المصرى الوسيم الأنيق، سامح باشا كما كنت أدعوه، جمعتنى به صداقة مستمرة حتى الآن، وأسعدنى أيضاً حضور لحظة حصوله على الدكتوراه، وبجواره زوجته الفاضلة وابنته الرقيقة الصغيرة "راما". ولا أنسى له "جدعنة المصريين" حينما أنهيت عملى وجاء ليودعنى ويصطحبنى بسيارته إلى المطار .

يتزامن فى شهر مايو ومع شروق شمس الصيف التى طال انتظارها احتفال النرويجيين بالعيد القومى للدولة، يوم رائع ترى فيه كل أبناء البلدة يرتدون أجمل الثياب، ليست الثياب المعتادة ولكن الثياب التقليدية التى نراها فى الأفلام القديمة، كل فرد يرتدى الثياب الأصلية للمدينة التى ينتمى إليها لتشعر أنك فى مهرجان عظيم، فرق الموسيقى تستعد وتقيم "البروفات" فى الشوارع بشكل يومى استعداداً لذلك الاحتفال، الفرق الرياضية تسير فى طوابير بالزى الرياضى، أساتذة الجامعة ينتظمون فى طابور خاص ويخرجون مجتمعين من باب الجامعة للانضمام إلى الطابور. حلقت معهم فى ذلك اليوم فى كل الأنحاء أحمل الكاميرا وأسجل تلك اللحظات الرائعة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة